قبل أقل من أسبوعين أصدرت القمة الخليجية في الدوحة بياناً حول الأوضاع في اليمن أكدت فيه وقوفها ومساندتها العملية السياسية ودعمها الكامل لخارطة الطريق، وأشارت بوضوح الى ضرورة استكمال تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وخلا البيان تماماً من اي ذكر لاتفاق السلم والشراكة الموقع بين المكونات السياسية وأنصار الله في 21 من سبتمبر من العام الجاري، في إشارة واضحة الي تخلي الدول الخليجية عن دعمها وتأييدها لاتفاق السلم والشراكة الذي سبق أن أيدته في وقت سابق. لم تمضِ أيام قلائل على هذا الموقف الخليجي حتى صدر بيان لمجلس الأمن الذي أكد على التزامه التام ودعمه المطلق لاستكمال مسار العملية السياسية في اليمن عبر تنفيذ اتفاق السلم والشراكة المخرج الوحيد للأزمة.
الموقفان الدولي والإقليمي غير المتطابقين يلقيان بظلالهما على مسار الأزمة في اليمن، فالحل السلمي للأزمة التي تشهدها البلاد غير وارد على الأقل في هذه اللحظة لتعارض مصالح الإقليم مع الغرب حول اليمن.
وفي الحقيقة لم يكن هذا التطور الأول في سياق حلحلة الأزمة (او خلخلة الدولة!) وانما سبقه التباين في مسألة رسم خارطة الطريق للعبور صوب المستقبل فقد تقدم الإقليم في مطلع العام 2011 بمبادرة لنقل السلطة (خارطة الطريق الأولى) تتضمن نقل السلطة مقابل الخروج الآمن عبر مبادئ وخطوات تنفيذية مزمنة تتماشي مع الدستور النافذ حيث جاء في بنودها تشكيل حكومة مناصفة وإقرار البرلمان قانون الحصانة في 29 نوفمبر 2011، وبعد يوم من إقرار الحصانة يقدم الرئس صالح استقالته الى البرلمان، وتنقل كامل السلطات لنائبه، وفي غضون ستين يوماً تجري انتخابات تنافسية ومن ثم يشكل الرئيس المنتخب لجنة مشتركة لتعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية، ويكلف الرئيس المنتخب الحزب الفائز بتشكيل الحكومة وبذلك تنتهي خارطة الطريق الخليجية في غضون ستة أشهر.
لكن نظرا لتعنت صالح في التوقيع على المبادرة وعدم جدية الاقليم في الضغط عليه، فقد مكن هذا للأمم المتحدة وعبر ممثلها في اليمن جمال بن عمر من لعب دور محوري مستغلا ضعف المكونات الثورية من حسم الأمر وتراخي دور الإقليم ومراوغة صالح ورغبة المجتمع الدولي في التدويل كل هذا مكنه من طرح مبادرته (خارطة الطريق الثانية) صورها بالآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية وهي ليست كذلك على الاطلاق، فهي خارطة ملتوية وطويلة وشاقة أوقعت القوى الثورية في كمين نصبه لهم خصومهم.
لقد كان عبور المضيق سلسا وآمنا كما رسمه لنا الأشقاء الخليجيون عبر مبادرة مضمونة الحل والنتائج وفي غضون اشهر وربما تخلصنا بالمرة من تيه وتعدد المراحل الانتقالية، وربما تجاوزنا التأسيسة ودخلنا مرحلة الاستقرار التام، لكن بن عمر سارع (ربما بحسن نية) الى سحب البساط الخليجي وإبداله ببساط أممي، ووضع إحداثيات تفوق في صعوبتها احداثيات دراسة تغيرات الدالة التي وضعها علماء الرياضيات! وعبر محطتين او مرحلتين الأولى تم اجتيازها رغم صعوبتها، أما الثانية فالى الآن وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات لم نتمكن من اجتيازها لأن اتجاه الرحلة تغير على طريقة أذن جحا! وسلك القبطان بن عمر طريق رأس الرجاء الصالح الشاق والملتوي!
وبرزت خلال مرحلة العبور خارطة طريق ثالثة محلية الصنع (وثيقة الحوار الوطني) الا ان الجميع لم يلتزم بها فزاد من حدة الوضع وقررنا العبور تائهين لا ندري بمن نسترشد وبأي الخرائط نستدل! فضاع من ضاع منا وارتد من ارتد عن الطريق! ونفذ صبر البعض حتى وصلنا الي مشارف مضيق هرمز وهنا توقف العبور! فعرض كل منا خريطة العبور منهم من عرض الخارطة الخليجية فلم يسمح لنا بالعبور والبعض كان واثقا من نفسة عرض الخارطة الأممية وعليها ختم الاممالمتحدة ولم يسمح بالعبور أيضا، والبعض الآخر عرض خارطة موفنبيك وعليها المصادقة من مجلس الأمن الدولي، وكانت الإجابة الرفض!
ولأن خرائط الطريق زادت الوضع تعقيدا ما جعل أصحاب مضيق هرمز يضعون خارطة طريق رابعة إسوة بالاقليم والمجتمع الدولي! ونظرا لحاجة البعض الى الخلاص والمرور فقد تم إعتماد الخارطة الرابعة المتمثلة باتفاق السلم والشراكة وتم مباركتها من أصحاب الخرائط الثلاث في بدايتها وسمح لنا بالعبور تارة وبالتوقف تارة أخرى والى الآن ونحن عالقون في الطريق.
والسؤال: متي سيعبر اليمنيونالمضيق وبأي خارطة طريق سيعبرون! وماذا عن ما قيل ان هناك مبادرة خليجية ثانية (خارطة الطريق الخامسة!) وهل اليمنيون بحاجة الى خارطة طريق اخيرة أم أنهم سيعبرون المضيق بنجاح بأي خارطة طريق ويغلبون مصلحة الوطن علي ما عداها؟