استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    صنعاء تصدر قرار بحظر تصدير وإعادة تصدير النفط الخام الأمريكي    عقد أسود للحريات.. نقابة الصحفيين توثق أكثر من 2000 انتهاك خلال عشر سنوات    هذا ما حدث وما سيحدث.. صراع العليمي بن مبارك    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجلس الدفاع الوطني.. الاتجاه لمأسسة الحكم العسكري
نشر في المصدر يوم 06 - 04 - 2010

منذ مدة ليست بالقصيرة، أخذ مجلس الدفاع الوطني يتصدر واجهة الأحداث اليمنية، ليس باعتباره مختصاً بالنظر في شؤون تأمين السلامة والدفاع فحسب، بل بوصفه بديلاً افتراضيا لمجلس رئاسة الجمهورية الذي جرى إلغاؤه بموجب التعديلات الدستورية التالية لحرب صيف 1994.

تصدره لواجهة الأحداث وحضوره المكثف كجهة منتجه للقرارات الحساسة، لم يبرز (بشكل ملحوظ) سوى عقب انتخابات رئاسة الجمهورية في 2006 التي يُرجح بعض الساسة أنها تسببت بانتهاج توجه مناهض للديمقراطية مقوض للحياة السياسية والحريات العامة..

بالتدريج أضحى حضور مجلس الدفاع طاغياً، كسلطة لا يُعلى عليها، في كل شؤون الدولة، مستحوذاً بذلك على الاختصاصات السيادية التي منحها دستور الجمهورية للهيئات النظامية الأخرى كالبرلمان والحكومة..

وهو استحواذ بات يُنمّي الشكوك حول طبيعة الأدوار المستقبلية التي يُنتظر أن يقوم بها مجلس الدفاع الوطني لاسيما تلك المتعلقة منها بالتوريث وسيناريوهات الحكم العسكري وهوية السلطة القادمة..

امتداد لمجلس قيادة الثورة

ثمة اعتقاد بات يتعزز مع التقادم الزمني مضمونه يؤكد أن مأسسة مجلس الدفاع الوطني يُنبئ عن اتجاه تمهيدي صوب الحكم العسكري الذي كان سائداً في الحقبة التشطيرية، وتحديداً إبان ما كان يُعرف ب(مجلس قيادة الثورة)..

إذ إن المتمعن في سلطات مجلس الدفاع ومستوى صلاحياته الذي جاوز كل التوقعات، يصل إلى نتيجة مؤداها أنه –أي مجلس الدفاع- قد تعدى وظيفته الدستورية المنصوص عليها في المادة (38) من دستور الجمهورية، إذ بات قائداً فعلياً للجمهورية اليمنية ومتصرفاً كلياً في شؤون إدارتها..

فالمادة الدستورية المشار إليها حصرت مهمة مجلس الدفاع بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين الجمهورية وسلامتها، غير أن المجلس –في الواقع العملي- غدا متمتعاً بسلطات استثنائية بلغت حد قيامه بإصدار التوجيهات إلى مؤسسة البلاد الأولى (مجلس النواب)..! وهو تجاوز واضح للدستور يدل على أن مجلس الدفاع بات يمارس سلطات استثنائية لا يحق له ممارستها سوى في حالة إعلان الطوارئ ونشوب الحرب..

بين أتاتورك وصالح

الاتجاه صوب مأسسة مجلس الدفاع الوطني، عبر جعله مجلساً لقيادة الدولة ومنحه سلطات استثنائية، يستحضر في الأذهان فكرة (المجلس العسكري الأعلى) التي سعى مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال اتاتورك لمأسستها بمنح هذا المجلس صلاحيات سيادية مطلقة في حماية الدولة وصيانة الجمهورية وحراسة علمانيتها..

دلالات الربط بين الفكرتين يمكن استقراؤها بالإمعان في تفاصيل مشهدين، فأتاتورك (كمشهد أول) عندما أقدم على إلغاء الخلافة الإسلامية في 1923م بعد عام من إعلانه قيام الجمهورية العلمانية التركية، خلص إلى نتيجة مؤداها أن استمرارية مشروعه السياسي (النظام العلماني) أمر لن يتأتى سوى بحراسة دائمة من المؤسسة المالكة للقوة (الجيش)، باعتباره مشروعاً لايحظى بتأييد شعبي واسع، وهو ما دفعه لوضع النواة الأولى للمجلس العسكري الأعلى الذي منح صلاحيات دستورية جعلت منه مرجعية عليا للنظام السياسي وقائداً للجمهورية وحارساً لمبادئها العلمانية..

ظهور المشروع الصالحي (كمشهد ثان) في اليمن المتمثل ب(الحكم الأسري والسلالي) عبر تكريس سلطة الأبناء والأقرباء والأصهار والأنساب، أضحى استمراره مرهوناً بحراسة دائمة من المؤسسة المالكة للقوة (الجيش) على اعتبار أن المشروع لا يحظى –وفق شواهد الواقع- بأي مؤازرة أو تأييد من الغالبية اليمنية المسحوقة تحت مستوى خط الفقر..وبالتالي لابد لهذا الحارس من تركيبة قيادية مؤسسية تمنحه أدوات (الحراسة) لتأدية المهمة على أكمل وجه..

استناداً لما بعاليه، فدلالات الربط بين صالح وأتاتورك تتلخص في فكرة "الحارس"، فكما أن مشروع اتاتورك استوجب السيطرة على وسائل القوة (الجيش) واستحداث مجلس عسكري أعلى لمباشرة مهام السيطرة والتوجيه لتلك القوة، فكذلك مشروع صالح استدعى إنشاء مجلس يباشر الإشراف على الجيش ويجمع صلاحيات استثنائية تمكنه من تأدية وظيفة الحارس الدائم للمشروع..!

نسخ لصق من الدستور المصري!

لم يُكلف المُشرّع اليمني نفسه عناء الاجتهاد والابتكار عند وضعه لكثير من نصوص الدستور، ومنها نص المادة (38)، إذ اكتفى بإجراء عملية "نسخ لصق" من الدستور المصري لنص المادة مضيفاً بعض الكلمات في نهايتها فقط..!

فالدستور المصري نص في مادته رقم (182) على الآتي: ينشأ مجلس يسمى "مجلس الدفاع الوطني" ويتولى رئيس الجمهورية رئاسته ويختص بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها ويبين القانون اختصاصاته الأخرى..

وهو ذات النص الوارد في المادة (38) من الدستور اليمني مع تعديل طفيف يتمثل في استبدال كلمة (البلاد) ب(الجمهورية) وإضافة العبارة التالية "طريقة تكوينه ويحدد اختصاصاته ومهامه الأخرى" بعد عبارة "ويبين القانون" الواردة في النص المصري..!

خلافات الشركاء حول مجلس الدفاع

عملية الاستنساخ الفائت عرضها، رغم أنها تُرجح فكرة "التقليد اليمني للمصريين" كدافع لنسخ المادة ولصقها في الدستور اليمني كما وردت، إلا أن خلافات قطبي الوحدة اليمنية التي تجسدت اعتراض عدد من النواب في برلمان عام 1990م على قانون مجلس الدفاع الوطني، تجعلنا نستبعد فكرة التقليد مفترضين أن عملية "النسخ واللصق" كان لها مدلول ذا علاقة بحماية البلاد من حسابات العودة لما قبل 1990.

اكتفاء النص الدستوري بالإشارة العابرة لمجلس الدفاع دون الإغراق في تفاصيل اختصاصاته وطبيعة مهامه، كان سبباً في الخلاف بين القطبين حول القرار الجمهوري بالقانون رقم (21) لسنة 1991م بشأن إنشاء مجلس الدفاع الوطني، الذي منح لهذا المجلس في الفقرة السابعة من مادته الثانية سلطات استثنائية خطيرة بجعله مخولاً في وضع السياسة الدفاعية للبلاد، وتصنيفه كحامٍ للدولة، وحارس للثورة اليمنية والمنجزات الوطنية، ومشرف على تأمين اقتصاد الدولة وثروات البلاد النفطية والمعدنية والاستراتيجية، ومعني بالحفاظ على الأمن والاستقرار من أي تهديد داخلي أو خارجي..

خلافات برلمان 1990 حول نصوص القانون تسببت في قرار برفض القرار الجمهوري الصادر بالقانون، ليتم تقديمه مرة أخرى في عام 1991 بصيغه معدلة تضمنت إلغاء الفقرة السابعة من المادة الثانية التي أثارت الخلاف، بالتوازي مع إلغاء الجزء الأخير من الفقرة السادسة من ذات المادة التي تنص على أحقية المجلس في تعيين الحالات التي يتم فيها استخدام القوات المسلحة داخل البلاد وخارجها، حيث جرى إلغاء عبارة "داخل البلاد وخارجها" لكون القوات المسلحة لا تستخدم إلا للدفاع عن استقلال البلاد من أي عدوان خارجي فقط ويحرم استخدامها داخلياً لقمع الشعب..

كما جرى استبدال المادة (6) من القانون المرفوض التي تضمنت إنشاء سكرتارية المجلس واختصاصاتها بالمادة (7) في القانون المعدل التي نصت على أن يقوم رئيس مجلس الدفاع الوطني بإصدار لائحة تنفيذية تنظم أعمال المجلس وسكرتاريته..

القانون المعدل الذي يحمل الرقم (62) لسنة 1991 والمقر من قبل البرلمان، تضمن إضافات تحد من سلطات مجلس الدفاع الوطني، منها إضافة عبارة "طبقاً للدستور" في ثلاث فقرات من المادة رقم (3) حول اختصاصات المجلس، وإضافة عبارة "وفقاً للقوانين المنظمة" في المادة (5) التي أسندت للمجلس الحق في إدارة الحرب عند نشوبها..

كما أضيفت مفردة "الأمن" الدالة على أجهزة الاستخبارات والتشكيلات الأمنية إلى الفقرتين (5 و4) من المادة (3) حول دراسة الاستعداد القتالي والتدريب والتجهيز، وكذا وضع القواعد والخطط التي تحقق التعاون بين الجيش والحكومة بغرض دعم المجهود الحربي في السلم والحرب..

سلطات باعثة على القلق

رغم توازن القوتين العسكريتين لشريكي الوحدة، إلا أن الخشية من استخدام هذا المجلس في المستقبل كسلطة عسكرية قمعية كان دافعاً لتهذيب القانون الأصل وإزالة الصلاحيات المخيفة التي منحتها الفقرة السابعة من المادة الثانية في القانون الأصلي لهذا المجلس..

وهي مخاوف تحققت بشكل حرفي في واقعنا الحالي، إذ تحول المجلس إلى سلطة استثنائية تتجاوز كل السلطات، وباتت الأحزاب وقوى المجتمع المدني تخشى من أن يؤدي تجمع السلطات في يد هذا المجلس إلى قرارات متسرعة تهدد الديمقراطية وتقوض الحريات العامة وتجمد الحياة السياسية..

إضافات خارج القانون

حدد القانون رقم (62) لسنة 1991 تكوين مجلس الدفاع الوطني في مادته الثانية التي نصت على الآتي: ينشأ مجلس يسمى مجلس الدفاع الوطني ويتكون على النحو الآتي:

1- رئيس مجلس الرئاسة القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيساً

2- نائب رئيس مجلس الرئاسة وأعضاء مجلس الرئاسة أعضاء

بالإضافة إلى كل من: رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الخارجية، وزير الداخلية، وزير الإعلام، وزير المالية، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، مستشار مجلس الرئاسة للشؤون العسكرية.

يبدو واضحاً أن الرئيس بعد إلغائه لمجلس الرئاسة، إثر التعديلات التالية لحرب 1994، قد استبدل أعضاء مجلس الرئاسة بآخرين تم تعيينهم خلافاً للقانون..

إذ إن الوجوه المتكررة الظاهرة في مادة التغطية التلفزيونية لاجتماعات المجلس تؤكد أن الرئيس أضاف إلى التركيبة القيادية للمجلس -المنصوص عليها في القانون- مسميات جديدة كرئيس مجلس الشورى، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ونائب رئيس هيئة الأركان العامة، ونواب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، ورئيسا جهازي الأمن السياسي والقومي، وقادة بعض التشكيلات العسكرية..

ورغم أن الفقرة (السابعة) في المادة رقم (119) من الدستور، حول اختصاصات رئيس الجمهورية، ونصها: "تسميه أعضاء مجلس الدفاع الوطني طبقاً للقانون" قد اشترطت لتسمية أعضاء المجلس النص القانوني، إلا أن الرئيس على ما يبدو تجاوز النصين الدستوري والقانوني بإضافته لأسماء غير واردة في المادة (2) من القانون رقم (62) لسنة 1991 بشأن إنشاء مجلس الدفاع الوطني..

وحسب بعض التسريبات، فإن الكولونيل أحمد علي عبدالله صالح، القائم بأعمال القائد العام للقوات المسلحة والأمن، كان آخر المضافين لقوام المجلس، وهو ما تأكد بحضوره الاجتماع الأخير المنعقد يوم الأربعاء الآنف (2010/3/25). غير أن بعض المصادر تشير إلى عدم إضافة أي عضو باستثناء رئيس مجلس الشورى ونائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن..
وحسب المصادر، فإن حضور من لم يرد ذكرهم في القانون، يأتي من باب استعانة مجلس الدفاع بهم وفقاً لنص المادة (4) التي أجازت للمجلس أن يدعو لحضور جلساته من يرى ضرورة الاستعانة بمعلوماته أو خبراته دون أن يكون له حق التصويت على قرارات المجلس..

الدفاع يوجه البرلمان والحكومة!

ثمة دلائل كثيرة على فرضية السلطات الاستثنائية التي غدا مجلس الدفاع الوطني يمارسها متجاوزاً بذلك الدستور والقانون. أبرز تلك الدلائل -على سبيل المثال- إصدار عدة توجيهات إلى مؤسسة الوطن الأولى (مجلس النواب)، كان أهمها دعوة البرلمان لإجراء تعديلات على قانون السلطة المحلية بغرض انتخاب المحافظين، بالإضافة إلى التوجيه الصادر عن الاجتماع الأخير بضرورة ان يقوم مجلس النواب بتفعيل آلياته الرقابية وتقليص السفريات الخارجية لأعضائه وترشيد صرف بدل الجلسات..!

من دلائل السلطات الاستثنائية أيضاً قيام مجلس الدفاع بدعوة الأحزاب والتنظيمات السياسية لحوار وطني موسع برعاية مجلس الشورى!

من الدلائل أيضاً إصدار مجلس الدفاع عدة توجيهات إلى مجلس الوزراء كان آخرها توجيه بترشيد الإنفاق، وهو انتهاك صارخ لنص المادة (129) من الدستور التي تنص على الآتي: مجلس الوزراء هو حكومة الجمهورية اليمنية، وهو الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة، ويتبعها بدون استثناء جميع الإدارات والأجهزة والمؤسسات التابعة للدولة..

وبالتالي يفترض –وفق الدستور- أن يكون مجلس الدفاع الوطني، -باعتباره أحد مؤسسات الدولة- تابعاً لسلطة مجلس الوزراء وليس العكس..!

الاستحواذ على صلاحيات البرلمان

السلطات الاستثنائية لهذا المجلس لم تقف عند حد إصدار التوجيهات والتعليمات للمؤسسات التشريعية والتنفيذية والحزبية فحسب، إذ بلغ حد قيامه بممارسة جزء من اختصاصات مجلس النواب. ففي اجتماعه الأخير، استمع مجلس الدفاع الوطني إلى تقرير من رئيس الوزراء حول أعمال الحكومة وإنجازاتها..!

كان يفترض –حسب الدستور- أن يذهب هذا التقرير إلى مجلس النواب، أو أن يُقدم إلى رئيس الجمهورية، باعتبارهما(أي البرلمان والرئيس) من يملكان الحق الحصري في طلب التقارير من رئيس الوزراء..

سيناريو انتهاك الاختصاصات البرلمانية مضى قدماً في ذات الاجتماع إثر استماع مجلس الدفاع الوطني إلى تقرير من محافظ البنك المركزي حول التطورات الاقتصادية والمالية والسياسة النقدية وتدني الاحتياطي الاستراتيجي من النقد الأجنبي وتراجع صرف العملة، وواصل مجلس الدفاع تطفله على اختصاصات البرلمان باستماعه لتقارير من الوزراء على النحول الآتي:

أولاً: تقرير من نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن وزير الإدارة المحلية حول الوضع الأمني ومستوى تنفيذ النقاط الست في صعدة..

ثانياً: تقرير من وزير العدل حول قضايا الأموال العامة وما أنجزته المحاكم في ملاحقة الفاسدين والاقتصاص منهم قضائياً..

ثالثاً: تقرير من وزير الصناعة والتجارة حول القضايا التموينية وسياسة الاستيراد والتصدير..

رابعاً: تقرير من وزير الدفاع حول أوضاع الجيش واستحقاقات أسر الشهداء واستحداث تشكيلات عسكرية جديدة..

بالإضافة إلى استماع المجلس لتقرير من قائد القوات الجوية اللواء محمد صالح الأحمر حول مشتروات سلاح الطيران من الطائرات والمعدات الحربية..

السؤال الذي يفرض ذاته هنا وبقوة: ألم يكن الأجدر أن تقدم تلك التقارير إلى مجلس النواب باعتباره برلمان الجمهورية اليمنية والممثل لإرادة وسلطة الشعب اليمني..!؟

اختصاصات مجلس الدفاع

لأيام خلت، أجريت فحصاً ومراجعة دقيقة لنصوص الدستور، وكذلك للقانون رقم (62) لسنة 1991، لعلّي أجد نصاً يجيز لمجلس الدفاع الوطني حق إصدار التعليمات إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والحزبية، وكذا التدخل في اختصاصات مجلس النواب، غير أن نتائج الفحص لم تثمر عن خرم إبرة يسمح لهذا المجلس أن يقوم بهذه الأدوار السيادية..
فصلاحياته واختصاصاته وفق المادة (3) من القانون رقم (62) تنحصر في الآتي:

أ- رسم السياسة العامة لإعداد وتعبئة جميع إمكانيات الدولة ومواردها البشرية والمادية والفكرية والمعنوية بهدف إعدادها إعدادا صحيحاً لتحويلها من حالتها في حالة السلم إلى حالة الحرب حسب مقتضيات الظروف والإشراف على تنفيذ هذه السياسة.

ب- تقدير حالة الطوارئ وحالة الحرب والتعبئة الكلية أو الجزئية واتخاذ الإجراءات بشأنها طبقاً للدستور.

ج- تقرير السياسة التي تتبع في إعداد القوات المسلحة والأمن وتنظيمها وتموينها وتحديد الحجم والمهام الاستراتيجية والتركيب التنظيمي للقوات المسلحة والأمن في السلم والحرب وفقاً للخطط والمقترحات التي تقدمها الأجهزة المختصة.

د- دراسة حالة الاستعداد القتالية والتعبئة والتدريب والتجهيز في الأسلحة والمعدات للقوات المسلحة والأمن.

ك- وضع القواعد والخطط التي تكفل تحقيق التعاون بين القوات المسلحة والأمن والإدارات والمصالح الحكومية وغير الحكومية بغرض دعم المجهود الحربي في السلم والحرب.

ل- تعيين الحالات التي يتم فيها استخدام القوات المسلحة وفقاً للقانون والدستور.

ن- النظر في مشاريع الاتفاقيات الحربية والتحالفات العسكرية واتفاقيات الهدنة ومعاهدات الصلح واتخاذ التوصيات المناسبة بشأنها طبقاً للدستور.

و- دراسة مسائل تطوير القوات المسلحة والأمن، بما في ذلك إنشاء تشكيلات عسكرية جديدة وإقرار التخطيط العلمي للسياسة العسكرية.

ي- رسم السياسة العليا للدفاع المدني في البلاد.

العمل بالقانون القديم

لو كانت حالة الطوارئ معلنة في البلاد، لجاز للمجلس نظرياً أن يمارس تلك الصلاحيات المطلقة، غير أن تلك الحالة المحظور إعلانها دستورياً سوى في حالة قيام الحرب، لم تعلن حتى اللحظة، وهو ما يعني أن كل ما يقوم به المجلس عبارة عن تجاوز وانتهاك لنصوص دستور الجمهورية اليمنية أولاً وللقانون رقم (62) المحدد لاختصاصات مجلس الدفاع ثانياً..

وهو انتهاك يحتمل أحد تفسيرين× فإما أن المجلس يمارس أنشطته وفقاً للقرار الجمهوري بالقانون رقم (21) لسنة 1990 الذي رفضه مجلس النواب وقام بتعديله بالقانون رقم (62) لسنة 1991 لكونه منح هذا المجلس صلاحيات وسلطات استثنائية في حماية الدولة وحراسة الثورة والمنجزات الوطنية، وإما أن المجلس يستمد سلطاته من معادلة الأمر الواقع باعتباره مجلساً حربياً يملك سلطة القوة (الجيش والأمن)..

فإن كان يمارس أنشطته وفقاً للقانون السابق، فهو مخالف للقانون، وإن كان يمارس صلاحياته بالاستناد إلى منطق القوة ومعادلة الأمر الواقع فقد تحول من طابعة القانوني إلى طابع استثنائي متجاوز للدستور والقانون..

مجالس الدفاع في المحافظات والمديريات!

ماسبق ليس كل شيء. فثمة تكملة، إيرادها قد يبدو مفاجأة بالنسبة لكثير من القراء الأعزاء..

فهنالك فروع في المحافظات تابعة لمجلس الدفاع الوطني جرى استحداثها عام 1998 بقرار جمهوري بناءً على اقتراح مجلس الدفاع الوطني وموافقة مجلس الوزراء..

حيث نصت المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم (17) لسنة 1998 بشأن إنشاء مجالس للدفاع في المحافظات والمديريات على الآتي: ينشأ في كل محافظة من محافظات الجمهورية مجلس يسمى مجلس الدفاع يُشكل على النحو الآتي: محافظ المحافظة رئيساً، وعضوية كل من: قائد المنطقة، وكيل المحافظة، مدير أمن المحافظة، مدير الأمن السياسي، مدير الاستخبارات العسكرية، مدير عام مكتب وزارة الإعلام، مدير عام مكتب وزارة المالية، مدير عام المحافظة.

فيما نصت المادة الثانية على تحديد اختصاصات المجلس التي تضمنت تنفيذ المهام المقررة من مجلس الدفاع الوطني، وتعبئة إمكانيات وموارد المحافظة بهدف تجهيزها بما يلبي الاحتياجات الضرورية في حالات السلم والحرب، ووضع كافة موارد وإمكانيات المحافظة تحت تصرف المجلس في حالة الطوارئ، وتنفيذ خطط التجهيز والتطوير والتموين للقوات المسلحة والأمن في المحافظة، وتعيين حالات استخدام القوات المسلحة، وتحقيق التعاون بين الجيش والأمن من جهة والإدارات الحكومية وغير الحكومية في المحافظة بغرض دعم المجهود الحربي في السلم والحرب، واقتراح سياسة الدفاع في إطار المحافظة، وكذا الخطط الخاصة بتأمين التموينات العسكرية التي تحتاجها المحافظة ورفعها إلى مجلس الدفاع الوطني..

هذا فيما نصت المادة (4) على إنشاء مجالس للدفاع في كل مديرية! من مديريات محافظات الجمهورية يُشكل من مدير المديرية رئيساً وعضوية مدير أمن المديرية ومدراء فروع الأجهزة والمكاتب الممثلة في مجلس دفاع المحافظة الموجودة في المديرية..

المثير للدهشة أن المجالس الآنفة الذكر لم تخضع حتى الآن للتفعيل، وهو ما يُعزوه البعض لأحد أمرين، أولهما وهو الراجح في تقديري: جهل المحافظين المنتخبين بوجود هذا القرار. وثانيهما: وجود فيتو فوقي حائل دون تفعيل هذه المجالس..

حسنات المجلس

هنالك من يرى في مجلس الدفاع ظاهرة صحية بحاجة للتشجيع على الاستمرار والتواجد. يستند هؤلاء في دعواهم إلى أن بروز المجلس إلى العلن وممارسته لمهام القيادة الفعلية للدولة تسبب في إظهار السلطة الخفية داخل الدولة والكشف عن هوية الحكومة الحقيقية للبلاد. ويرى هؤلاء أن أبرز حسنات المجلس تتمثل في إماطة اللثام عن رجال الظل (قادة الجيش والأمن والاستخبارات) الذين يحكمون من الباطن دون أن يتحملوا المسؤولية، وحسب أرباب هذا الرأي، فإن مجلس الدفاع، بقدر ما تسبب في كشف رجال الظل للرأي العام فإنه أيضاً جعلهم يتحملون جزءاً من مسؤولية ما تعيشه البلاد بسبب قرارات المجلس التي يشاركون في صنعها.

فيما يرى آخرون أن الظهور المتكرر للمجلس في ظل الاضطرابات الناشئة منذ ما بعد انتخابات رئاسة الجمهورية يحمل دلالات لعل أبرزها التلويح بالقوة العسكرية في مواجهة أي تحرك مناوئ للنظام، وتعزيز الثقة لدى العوام بأن الدولة لازالت موجودة رغم كل المؤشرات الدالة على تحللها التدريجي..!

وماذا بعد
يمكن القول أن خروج مؤسس الجمهورية التركية من حرب التحرير ساعده في فرض حكم عسكري بحجة حماية العلمانية، وهو ما صنعه صالح منذ تصاعد أعمال الحراك واندلاع حرب صعدة، مع بعض الاختلاف، فالتوتر في الجنوب والحرب في صعدة شكلا مبرراً دفع صالح للتفكير في إعادة الحكم العسكري بشكل شبه علني وذلك بذريعة حماية الوحدة الوطنية..

لقد وجد صالح ضالته في مجلس الدفاع الوطني المنصوص عليه في الدستور والصادر بتنظيمه قانون خاص، دون الحاجة لتنفيذ نصيحة بعض المستشارين باستحداث مجلس جديد كما كان جهاز الأمن القومي يرغب في ذلك عبر إنشاء "مجلس الأمن القومي للجمهورية اليمنية"..

في شأن مجلس الدفاع الوطني ثمة ظاهر وباطن، ففي الظاهر يمكن القول إن المجلس ما هو إلا أداة للحفاظ على الوحدة ومواجهة دعاة الانفصال في الجنوب والمتمردين في الشمال، وهو ذات الخطاب الذي يردده النظام لدى رعاة الديمقراطية اليمنية.

أما في الكواليس (الباطن) فليس مستبعداً أن تكريس وجود هذا المجلس ومأسسته ومنحه سلطات استثنائية يعد تمهيداً للعب دور الحارس للمشروع الأسري الصالحي، عبر الانتقال التدريجي الذي بدأ بالفعل من الحكم المدني القائم على الانتخابات والتعددية والتبادل السلمي للسلطة إلى الحكم العسكري الاستبدادي الآخذ بالظهور التدريجي في واقعنا الراهن..

وبالتالي فلسنا نستبعد أيضاً قيام هذا المجلس بدور محوري في تنفيذ فرضية الاستلام والتسليم ونقل سلطة الآباء إلى الأبناء في صورة انقلاب عسكري أبيض يقوم فيه هذا المجلس بدور القيادة والإشراف تماماً كما حدث في الانقلابات العسكرية التركية التي لعب فيها المجلس العسكري الأعلى دوراً حاسماً ومحورياً...وكفى!
المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.