بعيداً عن الآراء المحلية أو الدولية المساندة أو المخالفة لتدخل قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد جماعة الحوثي، الحليف الإيراني في اليمن وما تبعه من موقف عربي موحد ضد تصاعد الخطر الحوثي الذي يتنامى يوماً بعد يوم على الأمن الخليجي والإقليمي ورغبة التحالف العربي بإيقاف وكبح جماح جماعة الحوثي وتوسعها في المدن والمحافظات اليمنية وانقضاضها بمساعدة قوات صالح على شرعية الرئيس هادي وإنهاء العملية السياسية. - المشكلة الاقتصادية كخط مواز للمشكلة السياسية منذ السنوات الأخيرة وخاصة بعد ثورات الربيع العربي في 2011م كان اليمن بلداً مثل غيره من البلدان التي تعاني مشكلة اقتصادية خطيرة فبحسب برنامج الغذاء العالمي لعام 2014م التابع للأمم المتحدة ان اليمن يعاني من واحد من أعلى مستويات سوء التغذية في العالم بين الأطفال، حيث يعاني نحو نصف عدد الأطفال ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات - أي نحو المليونين - من نقص النمو، بينما يعاني نحو مليون من هؤلاء الأطفال من سوء تغذية شديد، في بلد يعيش حوالي 40 % من سكانه في وضع "انعدام الأمن الغذائي ولا يحصلون على وجبات غذائية متكاملة، إضافة إلى الكثير من المشاكل الاقتصادية التي جاءت كنتيجة للحروب التي تخوضها جماعات العنف المسلح كجماعة أنصار الشريعة في جنوباليمن وجماعة أنصار الله في شماله وهو ما خلف الكثير من النازحين الذين تتفاقم معاناتهم الإنسانية كل يوم.
يعاني اليمن من الفقر والجوع والحرمان والبطالة التي ازدادت مؤخراً كنتيجة طبيعية لتدهور الاستثمارات في اليمن وخوف الكثير من رجال الأعمال للبدء بمشاريع استثماراتية في بلد تنعدم فيه مصادر الطاقة الرئيسية إضافة إلى الابتزاز الذي تمارسه جماعة الحوثي على القطاعات الاقتصادية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي وهو ما يرشح الكثير من المسرحين من أعمالهم إلى مغادرة رصيف البطالة والتوجه إلى الانخراط في جماعات العنف المسلحة كجماعة الحوثي التي باتت تملك سيطرة تامة على مصادر دخل رئيسية يمكنها أن تجذب الكثير من الشباب العاطلين عن العمل.
يذهب الكثير من المراقبين إلى أن المشكلة السياسية في اليمن لا يمكن التعاطي معها ببحث حلول لها في معزل عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى وهو ما يعزز مسؤولية دول الخليج بالنهوض بالوضع الاقتصادي في اليمن ووضع استراتيجية لها.
خاصة بعد تدخلها العسكري في تحالف عاصفة الحزم. ومنذ انطلاق عاصفة الحزم يأمل اليمنيون من قيادة دول مجلس التعاون الخليجي الإفصاح عن الاستراتيجيات والخطط المستقبلية التي يمكنها أن تنهض باليمن حتى لا يقتصر الدور الخليجي على معالجة الجوانب السياسية فقط، فاليمنيون لا يعنيهم التدخل العربي كثيراً الذي جاء لتعزيز شرعية الرئيس هادي من عدمه إن لم يكن مصاحباً لحزمة من القرارات التي من شأنها تحسين وضعهم الاقتصادي والمعيشي.
- الحاجة إلى سياسة خليجية جديدة تجاه اليمن على مدى العقود الثلاثة الأخيرة اتبعت السعودية في اليمن سياسة غير مناسبة، فقد نسجت تحالفاتها بطريقة خاطئة كما يقول عبد الباري عطوان واعتمد نفوذها في اليمن عن طريق الدعم المالي الذي تقدمه السعودية لحلفائها في اليمن من رجال القبائل والدين والسياسة والجيش فيما بات يعرف لدى اليمنيين بكشوفات اللجنة الخاصة، والتي تضم أكثر من ثلاثمائة وخمسين اسماً يتقاضون رواتب شهرية من الحكومة السعودية لتنفيذ سياستها في اليمن.
جراء هذه السياسة التي اتخذتها المملكة في اليمن ساندت شريحة من أبناء اليمن جماعة الحوثي التي رأت فيها المخلص الوحيد ضد رجال السعودية في اليمن رغم عدم قناعتهم الكاملة بمشروع الجماعة.
استهدفت جماعة الحوثي جزءاً كبيراً من هذه الفئة التي تدين بالولاء للمملكة وعملت على تقليم نفوذهم في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم كما انتزعت المعسكرات التي في أيدي العسكريين الموالين لها في حروب عدة واستولت على السلاح الذي كان في حوزتها باتفاق سري بين جماعة الحوثي وصالح بتواطئ محلي ودولي.
إزاء تمدد جماعة الحوثي وسيطرتها على العاصمة صنعاء انهارت خارطة التحالفات السعودية اليمنية، ومع استلام الملك سلمان حكم المملكة في يناير الماضي ظهرت ملامح سياسة جديدة تجاه اليمن قريبة من اهتمامات اليمنيين وبعيدة عن شبح اللجان الخاصة التي تعزز لدى الأشقاء في الخليج قناعة متزايدة بأن النخبة السياسية اليمنية تشكل خطراً على الواقع المحلي والإقليمي.
- الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي أدركت الدول الخليجية منذ وقت مبكر أن الوضع في اليمن لا يمكن إنقاذه بغير مواجهة التفكك والانهيار الاقتصادي للبلد وهو الذي نتج عنه قرار ضم اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2006م، وقبل أيام كشف وزير الخارجية اليمني المكلف الدكتور رياض ياسين أن اليمن قدمت طلباً رسمياً للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي مضيفاً أنه سيتم تشكيل فريق عمل مشترك من الرياض مع الرئيس هادي وعدد من الوزراء لدراسة الطلب.
ويرى مراقبون أن تخلي دول الخليج عن اليمن سيجعله عرضة للأطماع الإيرانية بما تمتلكه من نفوذ عن طريق حليفها الاستراتيجي جماعة الحوثي.
إن قبول دول مجلس التعاون الخليجي انضمام اليمن إليها سيأتي في إطار تكامل اقتصادي وسياسي وعسكري يزيد من مناعة المجلس ويوفر له قدرة أكبر على التحرك والتأثير في المنطقة ومواجهة التحديات التي برزت مع توسع النفوذ الإيراني الذي أدى إلى سقوط العراق ولبنان وسوريا في قبضتها.
والجدير بالذكر أن الإفصاح عن المشاريع المستقبلية التي تخص اليمن من قبل الأشقاء في الخليج قد يبدد الكثير من المخاوف والقلق الذي يعتري اليمنيين جراء انزلاق البلاد نحو الحرب وتعدد جبهات القتال ودخول دول التحالف العربي مؤخراً في صورة دراماتيكية تعيد الذهنية اليمنية إلى صور الحرب والدمار في سورياوالعراق.