من لا يدرك طبيعة المعركة، سينفعل كثيراً، سيسهر كثيراً، سيخاف ويقلق ويضطرب، وربما سيصيبه السُكّري أو انزلاق غضروفي لا سمح الله! الوصول إلى استيعاب كامل أو جزئي لطبيعة المعركة، ليس سهلاً، هو معركة في حدّ ذاته. لا يمكن تحقيقه نظرياً فقط، يحتاج إلى تجارب عاتية من المعرفة والعمل والاستماع والتأمل والمراجعة.
ركام السوء الذي خلّفته قرون طويلة من التصورات المشوهة في وجدان المجتمعات، وسلطة الديكتاتور المُذلّة والمُهينة لقيمة الإنسان، والتغييب المتعمّد للعقل، والتعطيل القسري للضمير. هذا الركام يبدو للوهلة الأولى متجذراً ومعقداً وملتبساً. لا يظهر خيره من شره، ولا نفعه من ضره.
لذا، فكل من سيعمل على تفكيك ركام السوء هذا وإزالته لن يراه الناس، ابتداءً، إلا جزءً من هذا السوء، أو سوءاً موازياً له، مهما حاول أن يقول للناس غير ذلك. ليس هذا فحسب، بل سيرميه الناس بكل التهم وسيحاربونه بجسارة بالغة. سينتقد الناس كل مظاهر هذا السوء، وسيقرون بفداحتها، لكنهم لن يفكروا يوماً بإزالتها أو علاجها، ولن يسمحوا لأحدٍ أن يفعل ذلك، بل سيحاربونه بكل قوة سلطوية أو مادية. فمخلفات الجهل والخرافة والمذلة وتغييب العقل وتبديد الضمير، أفقدتهم الشعور بالذات الفردية والجمعية، وأصابت ميزان القيم عندهم بخلل عميق، يشق عليهم معه تمييز المصالح من المفاسد أو الأخطأ من الخطايا، والأحسن من الحسن، وحتى الصداقات من العداوات.
إذا،ً فنحن أمام منظومة متشابكة ومعقدة، يكفي أن نعبر عنها هنا، ب "ركام السوء". يلزم لإزالتها منظومة أخرى من التصورات الواضحة والتفكير المُنتج، والتخطيط الواقعي، لمواجهة معركة معقدة ومُركّبة، يُستخدم في كل مرحلة منها ما يناسبها من أدوات المواجهة، ولا تُستثنى من ذلك حيَل السياسة وقوة السلاح .
هذا بالمجمل، وفي التفاصيل سيتوه الكثير، سيُصيبون مرة ويخطئون مرات، سينحازون لمعسكر التغيير حيناً، وينحازون لمعسكر السوء حيناً آخر، وسيقفون في المنتصف واجمين. القليل فقط من سيمتلكون صورة واضحة عما يدور حولهم، القليل جداً من سيثقون بمنهج التغيير، وإن ظهر، ابتداءً، كما ذكرنا، جزءً من ركام السوء، أو سوءً موازياً له. القليل جداً من سيخوضون المعركة غير مهزوزين ولا مُذبذبين، القليل جداً من يُدركون أن زوال "ركام السوء" خيار حتمي. وأن المعركة لن تنتهي بغير هذه النتيجة!