أخيرا بدأت تتوضح المسارات التخريبية التي يتبعها الحوثيون وجماعة المخلوع صالح في مشاورات السلام، إذ بعد تشكيل اللجان الثلاث المعنية بمتابعة الخروقات العسكرية، وإصرار دول”مجلس التعاون” على إنجاح “مفاوضات الكويت” انكشفت نوايا الانقلابيين وتبين ضعف موقفهم السياسي فلجأوا إلى العرقلة والتسويف والمزيد من القتل لكن ذلك لم يعد يجدي نفعاً، بل إنه يزيد من عزلتهم. بات واضحاً لكل المراقبين أن إنهاء الحرب في اليمن هو قرار دولي أكثر منه خليجي وعربي، وقبل أي أمر يمني، ولهذا فإن عودة الحكومة إلى اليمن، وفتح مطار عدن، وبدء مؤسسات الدولة العمل في العديد من المحافظات، يتزامن مع اندلاع الخلافات بين الحوثيين أنفسهم جراء الفضائح التي يكشفها المنشقون عنهم، وهو ما زاد من تضييق الخناق عليهم، فتوهموا أن الاستمرار في قتل الأبرياء ومحاولة إلصاق التهمة بغيرهم ربما يشكل مخرجاً لهم من أزمتهم، إلا أن لجان التحقيق التي ستبدأ عملها على الأرض قريباً جداً ستضع النقاط على الحروف، وستكشف إلى أي حد انغمس هذا الفريق في تنفيذ المخطط الإيراني العدواني ليس ضد دول الخليج فقط، إنما أيضاً ضد اليمنيين أنفسهم. في كل هذا يتحمل المخلوع علي عبدالله صالح المسؤولية الكبيرة لأنه هو من أفسح المجال للحوثيين للخروج من قوقعتهم في صعدة ونشر إرهابهم في طول اليمن وعرضه، وفتح لهم مخازن سلاح الجيش، ليشاركهم الجريمة متوهماً أن انقلابه على المبادرة الخليجية يساعده على إعادة الأمور إلى المربع الأول، لكنه اكتشف أيضاً أن ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع، فتراجعت شعبيته إلى أدنى المستويات، ولا شك إذا لم يتخل عن تحالفه مع العصابة المأجورة فإن اليمنيين الذين قبلوا سابقاً وعلى مضض أن يبقى في اليمن، فإنهم اليوم لن يقبلوا إلا بإحالته للمحاكم الدولية، أو على أقل تقدير أن يمضي ما تبقى له من عمره في المنفى. صحيح أن المشاورات التي تجري في الكويت حالياً هدفها فرض السلام، وأن تكون جماعة الانقلابيين من المكونات السياسية في المشهد اليمني، لكن التسوية مهما كانت لن تنزع عنهم صفة العمالة والخيانة، خصوصاً عند شعب كان طوال تاريخه عصياً على الغزاة والمحتلين، فكيف سيقبل أن يكون الذين جلبوا الغازي الإيراني إلى عقر دارهم شركاء في الحكم مستقبلاً؟ في التاريخ نماذج كثيرة للمتعاونين مع الأجنبي وما آلت إليه أحوالهم، وكيف تعامل المحتل مع من مهد له الطريق لاحتلال أرضه، فإذا كان نابليون بونابرت رفض مصافحة الضابط النمسوي الذي سهل له دخول بلاده، وقال جملته المشهورة: “هذا الذهب لأمثالك، أما يدي فلا تصافح رجلاً يخون بلاده”، فإن هولاكو قتل الوزير العباسي الخائن ابن العلقمي، وبالتالي على الحوثيين أن يتفكروا في هذه الحوادث، وكيف ستكون حالهم إذا تمكنت إيران، لا سمح الله، من الإمساك بزمام الأمور في اليمن، فهي لا تملك ذهباً كي تمنحهم، ولن تقبل بأقل من إبادة كل من سهل دخولها الجزيرة العربية من البوابة الجنوبية، ولذلك عليهم ألا يراهنوا على سراب ويقبلوا بما يعرض عليهم من حل حالياً، ربما بذلك يكفرون عن ذنب.