* الرئيسية * مقالات الخميس 23 يناير 2025 11:10 ص 23 رجب 1446 ه «ساعدني أيها الرب» هكذا أنهى الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدةالأمريكية قسم تنصيبه، وهي صلاة يقال إن جورج واشنطن أضافها للقسم، ورددها رؤساء أمريكيون بعده. وهي عبارة قد ينظر إليها من زاوية تقليدية، خالية من حمولتها الدينية، ولا تعني أية تداعيات ثيولوجية، تماماً، كما ينظر لذهاب الرئيس إلى كنيسة القديس يوحنا، على أنه تقليد يخلو من أية ارتباطات دينية، أو كما فُسرت مقولة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن الذي تحدث عن «حربه الصليبية» ضد «الإرهاب الإسلامي» وهي العبارة التي أمكن إعادة تخريجها على أساس أن كلمة «صليبية» منقطعة عن سياقاتها التاريخية والدينية، بعد أن أدمجت في القواميس، لتحمل دلالات لغوية، ليس لها أية محمولات أو إشارات إلى «الحرب الدينية المقدسة» كما يحلو للمدافعين عن «العلمانية الأمريكية» أن يطرحوا. ومع ذلك، فإن الخطاب والسلوك السياسي الأمريكي أصبحا بشكل متزايد يغترفان من القاموس الديني المسيحي، ويحفلان بإشارات ثيولوجية مكثفة، عجنت الخطاب السياسي باللغة الدينية، وهو أمر لم يعد مقتصراً على المحافظين الجمهوريين، بل إن عدوى «التدين السياسي» تلك انتقلت من الجمهوريين إلى الديمقراطيين الذين بدأوا يحاكون الجمهوريين، ويرقصون على إيقاع الترانيم المقدسة، لأهداف سياسية واضحة، مع تنامي الخطاب الديني الأصولي في الولاياتالمتحدة. وبالعودة لدونالد ترامب الذي يمشي متثاقلاً، بشيء من خيلاء، كأنه لا يرى من حوله، حتى إذا ما لفتوا انتباهه بصفير أو صرخات إعجاب التفت إليهم ممسكاً بكلتا يديه، في حركة تشي بالحزم، ترامب يحاول الظهور لأنصاره وخصومه على حد سواء بمظهر الرجل القوي، مستعيناً بما أوتي من تكوين جسماني يجعله يمضي متثاقلاً لا يأبه بأحد. كأنه يريد من خلال طريقته في المشي والحركة أن ينفي أي أثر للزمن على جسده، وهو الذي طالما لعب على عامل العمر، في منافسته الشرسة مع «جو العجوز» أو «جو النائم» أو كأنما يريد أن يحفر صورته في أذهان الناس: بطلاً أسطورياً، يشبه أولئك الأبطال الخارجين من صفحات الملاحم الإغريقية، أبطالاً لا يشيبون، لا يهرمون، وربما لا يموتون، بل يرتقون إلى مصاف الآلهة، أو أنصاف الآلهة، أو على أقل تقدير إنه «رسول العناية الإلهية» كما يراه 30٪ من الأمريكيين الذين يرون كذلك أنه أصبح رئيسا ب«فضل الرب». إنه دونالد ترامب، «الفادي» «المُخلِّص» وهما لقبان يخصان السيد المسيح يطلقهما المتدينون من أنصار ترامب عليه، بما أنه يُعدُّ في نظر كثير من أتباعه «مسيح أمريكا» أو «رسول المسيح». وكيف لا يكون كذلك؟! وهو الذي «حاولوا سجنه ونجا، حاولوا اغتياله ونجا» وضحى بنفسه من أجل أمريكا، «كما فدى المسيح الخراف الرب» حسب المعتقد المسيحي، وقد كاد «المسيح الأمريكي» الجديد أن يكون «الفادي» لولا أن الله نجاه، ليكون «المخلص» الذي نهض بعد محاولة الاغتيال، مُصِرّاً على مواصلة القتال. كل ذلك لم يكن ليحدث لولا أن «االله نجّاه من الموت لينقذ الولاياتالمتحدة» حسب اعتقاد ملايين من المسيحيين الإنجيليين، أو المسيحيين الجدد، وحسب تصريحات ترامب التي قال فيها: «لقد أخبرني الكثيرون أن الرب أنقذ حياتي لسبب ما، وهذا السبب هو إنقاذ بلادنا واستعادة عظمة أمريكا» وقد أشار لفكرة: «ترامب المُخلِّص» عدد من كبار مسؤوليه، إبان فترة رئاسته السابقة، فبالإضافة لفكرة «مخلص أمريكا» ذكر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأسبق أن دونالد ترامب «هدية الرب لإنقاذ اليهود» وهي تصريحات سبقته إلى مثلها عمدة ألاسكا السابقة سارة بالين، عام 2016، عندما ذكرت أن الله «تدخل فى الانتخابات الأمريكية ليفوز بها دونالد ترامب» من أجل إنقاذ أمريكا بالطبع، وقد رددت بالين مقولاتها، قبل ذلك، في 2008، إبان استعار الحملة الانتخابية بين باراك أوباما وجون ماكين، غير أن «تدخل الرب» المزعوم لم يحل دون فوز أوباما آنذاك. هكذا إذن يتقدم الخطاب الديني في إعادة تشكيل الخطاب السياسي الأمريكي، متكئاً على معتقدات شعبوية لملايين المسيحيين الإنجيليين الذين يميلون إلى اعتناق عقائد ذات علاقة بتنبؤات الكتاب المقدس، وبالتفسيرات الغيبية وأخبار آخر الزمان وملاحمه. وهؤلاء المسيحيون الإنجيليون، أو المسيحيون الجدد، هم الوريث الآيديولوجي ل«البيوريتانت/التطهريين» الذين خرجوا من «إنكلترا القديمة» على فترات، في القرن السابع عشر، بسبب الاضطهاد الذي عانوا منه من قِبَل المؤسستين: الكنسية والملكية، فهاجروا، ليؤسسوا «إنكلترا الجديدة» أو «نيو إنكلاند» متقمصين شخصيات «بني إسرائيل» في العهد القديم، عند خروجهم من مصر، ورحلتهم إلى «أرض الميعاد» حسب رواية الكتاب المقدس. وعلى الرغم من ذوبان «التطهريين» في تيار الزمن، إلا أن كثيراً من أفكارهم عن الدين والمجتمع والحياة والسلطة والثروة تسربت، وذابت ضمن رؤى جديدة إلى أن وصلنا إلى «المسيحيين الإنجيليين» الذين يمكن النظر إليهم مع شيء من التحفظ على أنهم نسخة منقحة من «التطهريين» القدماء، بعد أن خرج «التطهريون المحدثون» بخلطة يجتمع فيها الدين والسياسة والأفكار القومية، والتاريخ والحاضر في آيديولوجيا مسيحية ترى أن دونالد ترامب هو «منقذ المسيحية» كونه «منقذ أمريكا» التي تعد في نظرهم «حامية المسيحية» والمبشرة بتعاليم «السيد المسيح». قد لا يبدو التوظيف السياسي للدين في الولاياتالمتحدة خطيراً، عند البعض، في مراحله الحالية، نظراً لقوة المؤسسات المدنية والديمقراطية، لكننا اليوم إزاء موجة «تدين سياسي» أو لنقل: «تدين مرضي» يبالغ في تقديس الغيبيات، مع محاولة تحويلها إلى حِسّيات، وتحويل الظنيات إلى يقينيات، تدين يغترف بشكل كبير من قاموس غزير من التراث الثيولوجي المسيحي، ويمشي بخطى حثيثة إلى «الأحادية» التي تمثل ضرباً من «الديكتاتورية الثيوقراطية» التي يمكن إذا ما قدر لها أن تتسع أن تكون كارثة على النموذج الأمريكي الذي يرى كثيرون أنه لم يعد ملهماً، أو محفزاً على الأحلام والطموحات. ومع الزمن قد نصبح إزاء خلطة من تحالفات رجال الدين والسياسة والاقتصاد التي تعلن أنها تتصرف باسم الرب، وتلتف حول أيديولوجيا دينية قومية، لها تفسيرها الخاص للدين والقومية والاقتصاد والسياسة، آيديولوجيا تؤمن بأنها هي الحق وما عداها باطل، وتسعى لتشكيل تحالفات ولوبيات جديدة، تحت مسمى محاربة اللوبيات التقليدية التي تشكل أسس وأنساغ الدولة العميقة في الولاياتالمتحدة، لا لكي تتخلص من سطوة الدولة العميقة وقبضتها المحكمة على مناحي الحياة المختلفة، داخل وخارج الولاياتالمتحدة، ولكن لكي تغدو اللوبيات الجديدة نسخة من اللوبيات التقليدية، في الخصائص والصلاحيات، مع توليفة ينصهر فيها الدين بالتوجهات القومية المتعصبة، أو يصبح معها الدين ممزوجاً بالجين، ويغدو الموروث الثيوقراطي معجوناً بالتعصب القومي، ونصبح إزاء «مسيحية بيضاء/شقراء، مسيحية عرقية/جينية، مسيحية نقية/تطهرية، أو مسيحية أمريكية» مسيحها دونالد ترامب، وحواريوه رجال ونساء يفكرون، على طريقة مايك بنس وسارة بالين. *القدس العربي 1. 2. 3. 4. 5. * أمريكا * ترامب موضوعات متعلقة * النص الكامل لقرار الرئيس الأمريكي ''ترامب'' بإعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية * " ترامب " يعيد تصنف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية" * " بن سلمان " يهنئ ترامب و يبلغه عن خطط لاستثمار 600... * "إطلاق وزير خارجية سوريا مزحة عن ترامب يلفت أنظار الحضور في منتدى... * الحوثيون يسعون لكسب ود إدارة ترامب: مبادرات جديدة لإثبات حسن النوايا * طالب بإنهاء الحرب فورا.. ترامب: سأقدم ل اقتصاد روسيا الذي... * تصرف مفاجئ من بايدن تجاه زوجة ترامب يثير تفاعلاً واسعاً على مواقع... * ليس الحوثي .. الزعيم الوحيد الذي تحدى ترامب وتوعده بعقوبة مرعبة * ظن أنها زوجته.. فيديو مثير يوثق تصرف مفاجئ من "بايدن" مع "زوجة... * مستقبل تيك توك في أمريكا.. ترامب يدعم شراء إيلون ماسك للتطبيق الصيني * قال إنه غبي وقتل الكثيرين في الشرق الأوسط.. ترامب يسحب الحماية... * عالم سياسة روسي لا يستبعد اغتيال ترامب.. تعرف علي السبب