اذا عناصر القاعدة قررت فيما هو واضح وبيِّن أن تنقل مقدمة جبهتها إلى مدينة العدين (الفرع) قريبا من إبالمدينة وعاصمة المحافظة. في تحرك واكب وزامن انتشار الحوثيين وإمساك اللجان الشعبية بالأمن في مدينة إب . إبالمدينة تقع وسطا بين جهتي وجبهتي انتشار القاعديين: شرقا إلى البيضاءورداع وشطر من دمت الضالع إضافة إلى أعمال لا بأس بها من بعدان إب بالخصوص السدة حيث معقل مأمون حاتم وأنصاره. ومنطقة احتكاك مع الحوثيين. وغربا إلى العدين وحزمها وإلى جراحي تهامة الحديدة ومنهما إلى جبال ريمة ووصابين ذمار. لدينا هنا معالم خارطة انتشار تقول وبوضوح إن ثمة معركة ستكون لا محالة، تتشكل أطرافها وجهاتها وجبهاتها وتعد لها عدتها. وبصددها كانت وتسارعت تحركات الحوثيين في كل من حجةوالحديدةوذمار وانتهاء بإب خلال الأسبوع الأخير. وعلى هذا فإن تعز لا تبدو مطلوبة بأهمية أو بكثرة لأنصار الله (الحوثيين)، بالنظر إلى الهدف وخارطة المواجهة والانتشار. تقع تعز خارج دائرة تمركز وانتشار أنصار الشريعة (القاعدة). منطقة ومسرح المواجهة هو ما يحدد منطقة الوصول والتمكن. هذا لا يعني ان تعز ليست مهمة، على الإطلاق.
ما بعد مجزرة تفجير ميدان التحرير بصنعاء الخميس الماضي تغيرت أشياء كثيرة وتسارعت أخرى واختصرت فترات وأوقات إلى تنفيذ تحركات أسرع على الآرض. هذا جانب موضوعي لا يغيب عن وعي المتابع والمتتبع لحيثيات وتفاصيل ما يحدث بوتيرة تبدو على عجلة من أمرها.
تأكد الآن أن جماعة من مسلحي القاعدة غادرت مرغمة وعلى عجل معاقلها ومواقها الجبلية الحصينة وتنفذت مساء الأربعاء في مدينة العدين"الفرع" مركز قضاء العدين؛ هاجموا مقرات الأمن والمجلس المحلي وكاك بنك وأقاموا نقاطا ورفعوا رايات سوداء.
في الأثناء تواردت معلومات عن نقاط للقاعدة أقيمت في الجراحي جهة الغرب وقريبا من الساحل وهي مدينة صغيرة بعد زبيد على خط الحديدةتعز ويصلها بالعدين وإب خط (طريق) معبد ومستخدم بكثرة.
ومن الجراحي إلى العدين تنتشر جيوب للقاعدة. كما تتوغل إلى الشرق منها عناصر القاعدة في انتشار يمتد من العدين إلى ريمة فوصاب بالتتابع المكاني جغرافيا.
وفي المقابل نفذ الحوثيون انتشارا واسعا يطوق مناطق وجيوب انتشار القاعدة إلى الداخل، حيث سرع الحوثيون تحركاتهم في الأيام الأخيرة من حجة إلى الحديدة والخط الساحلي جنوبا مارا بزبيد التي تفصل الحوثيين عن الوصول إلى الجراحي ومنها إلى العدين شرقا أو الاستمرار في الخط المؤدي إلى تعز جنوبا. وهنا في الجراحي توجد الآن نقطة لعناصر القاعدة نصبت مع تحركهم المسلح والعنيف في العدين بالتزامن.
بمعنى أن القاعدة يتخذ من العدين المدينة مركزا لتعسكره وتمركزه الآن في مواجهة انتشار عناصر انصار الله واللجان الشعبية للحوثيين في مدينة إب وتنسيقهم مع السلطة المحلية والدفع إلى تغيير مدير أمن المحافظة "العطاب".
إلا أن التواجد الأهم والأكبر لعناصر القاعدة وأنصار الشريعة الذين تدفقوا الأشهر الماضية من أبين وشبوة ومن الأولى خصوصا، خلال العملية العسكرية التي نفذتها قوات الجيش وتسرب عبرها المئات من عناصر أنصار الشريعة ومقاتلين كثر فيهم عناصر أجنبية بحسب شهادات وإفادات متواترة من محليين تباعا، بسيارات وأسلحة كثيرة إلى محليات تتوغل في أرياف العدين وصولا إلى الحزم شمالي مدينة العدين ومنها إلى منطقة الأسلوم حيث أحد أهم المعاقل الكبيرة للقاعدة نظرا للطبيعة الجغرافية التي تتسم بالوعورة في منطقة جبلية صعبة وتكثر فيها الكهوف والجروف ويسهل التخفي والتسلل وتعتبر تحصينات طبيعية ضد الطائرات والرصد والهجمات الجوية.
وكانت أجواء المنطقة والحزم طوال الفترة الماضية شهدت تحليقا متواصلا لطائرات بدون طيار (الدرون الأمريكية) التي صارت بصوتها المميز تقاسم المواطنين يومهم وليلهم في مهمة رصد لمعاقل ومناطق تركز عناصر القاعدة الذين وسعوا وتوسعوا نفوذا وتنفذا في مناطق الأسلوم وما ورائها إلى جمعة بني ساوى صلة الوصل الجبلية مع وصابين من أعمال محافظة ذمار. لكن من دون أي نتيجة تذكر. بقي أن اشير إلى أن المنطقة نفسها كانت واحدة من أهم وأسخن جبهات الاشتباك والالتحام مع "الجبهة" إبان حرب المناطق الوسطى في ثمانينيات القرن الماضي، وعموما فإن أنصار الشريعة توزعوا انتشارا تتبع بالاحتذاء مناطق وجبهات حروب الوسطى كاملة أو تكاد؛ من دمت ورداع وحتى العدين وتخوم التقاء جبال الحزم بوصاب العالي مرورا بجبال ريمة.
وكان جبل الأسلوم تحديدا، من امتدادات الحزم إداريا، هو محك الكر والفر بين الطرفين المتقاتلين ومن أمسك بقمته"القرن" سيطر على محيط ومنطقة واسعة في اتجاهات مختلفة.
ولا زلت أتسمع في أذني إلى اليوم وأنا طفل صغير اصوات الدانات وقذائف المدفعية بدويها المزعج تصل إلى قريتنا المشرفة من عل وعن بعد على منطقة القتال وفي مرمى أعيننا الصغيرة كانت قمة جبل الأسلوم تعني لنا نهاية العالم ... والحياة. كنا ننفق الصلوات والدعوات أن يعود من هناك في اليوم التالي ويفاجئنا في صف المدرسة أبي ليمنحنا مصروفا ونمنحه تقبيلا وفرحا وشكرا على سلامته. ومن ينسى تلك الصباحات المبكرة من عمر العمر؟؟
حسابات الميدان والجبهات
وتحصيلا؛ تكون النتيجة أن أنصار الله طوقوا تقريبا معظم مناطق ومعاقل أنصار الشريعة. وتكون إبالمدينة هي الفاصل الواصل بين جبهتين إلى الشرق وإلى الغرب حيث يتمركز مقاتلو القاعدة إنما بأكثرية في الشرق؛ البيضاء / رداع ودمت الضالع (كانت قبلها جزء من إب) والسدة ويقال الرضمة وأخريات من بعدان إب. وغربا فإن معاقل القاعدة في العدين والحزم وما بعدها متاخما لوصاب أو ما سايرها من التهائم وريمة، تشكل مخزن إسناد وإمداد استراتيجي لقاعدة البيضاء وما إليها. وبالتالي يضمن الحوثيون بالسيطرة والانتشار في إب قطع خطوط الإمداد وعزل الجهتين والجبهتين عن بعضهما فيسهل التعامل مع إحداهما وهي الرئيسية وميدان المواجهة الوشيكة غالبا، كما يسهل أيضا الانفراد بالأخرى وحصر اثر وخطر القادمين منها أو انتظارهم على مشارف العدين وحبيش والقفر وربما أطراف شرعب من تعز الملاصقة للعدين.
لن يذهب الحوثيون، هذا مؤكد بداهة، إلى وقائع استنزاف في الجبال وهضاب ريف العدين والحزم وحتى ريمة. سوف يعملون على معركة مباشرة يضطرون القاعدة إلى حرب حقيقية للمرة الأولى رجلا لرجل. ويعتمد الحوثيون أكثر على ضربات خاطفة ومركزة في غيرها.
من الإسراف في الكلام القول أكثر إن معركة حتمية تشكلت معالمها وتحددت خارطة أطرافها ومواقعهم وجبهات القتال. لا مرد. يطلب أنصار الله الانتقام في أكثر من دم ومقتلة وتفجير وهجوم بمفخخات وناسفات وأحزمة تراكمت طوال أعوام. ويطلبون الانتقام ثأرا لضحايا خميس التحرير بصنعاء ولا يزال الدم طريا ورائحته في الأرجاء. وقبلها بأيام حصدت هجمات عشرات الضحايا في كل من الجوفوعمران ونهم من عمران. ولآخرين قتلوا وتمت تصفيتهم في البيضاء الشهر الماضي. وكل هذا لا يجب أن ينسي أو يغني عن طلب القصاص والثأر لأربعة عشر جنديا يمنيا من عمران ذبحهم القاعديون في حضرموت وفصلوا رؤوسهم وبثوا تسجيلات وصورا لمشاهد النحر بتهمة التحوث. وكثير غيرها وغير هذه.
إذا كان مقاتلو القاعدة وأنصار الشريعة لم يختبروا عمليا حربا ومعركة حقيقية ومواجهة رجال لرجال فإنهم على موعد مع واحدة مصيرية وإجبارية بالنسبة للطرفين. متوقع أن يلجأ القاعدة خلال هذا إلى تفعيل جيوب وخلايا في العاصمة وغيرها لتنفيذ هجمات القتل السهل بالمفخخات والعبوات والأحزمة. وارد بكثرة. وغير وارد أن شيئا من هذا سيوقف معركة قادمة لا محالة.... ولا مرد.
تلقائيا فإن كل اشتباك جانبي سيحدث أو يُحدث هو إلهاء ولإلهاء عن الهدف. سيكون هناك من يحاول جاهدا منح القاعديين ومجاميعهم فرصا للإفلات من مصائر امتحان ومحك رهان ومواجهة فعلية لم يعرضوا عليها أو مثلها من قبل.
تفعيل أو تصدير أجواء شحن واستدعاء لمواجهة جانبية مع الحوثيين في تعز خصوصا مع إخراج قائد عسكري كبير ليصرح عبر العربية بمواجهة تنتظرهم ولم يكن لهذا من داع ولم يخرج قائد في الجيش خلال جميع المحافظات بما فيها العاصمة وبقي أن الجيش يلزم الحياد. لماذا لم يعد محايدا إذا؟ وهل خرج "الصبيحي" في العربية من تلقاء نفسه؟ مستحيل. وبما أنه عسكري، فإن أوامره يتلقاها من قيادة أعلى. على تعز أن تبقى آمنة وأن لا تكون اضحية تنحر على مسافة من ساحة وخيمة للانفصال جنوبا وساحة وخيمة للقتال شمالا.