وعن فهم ما يجري أقول: أمامنا مشهدان متوازيان؛ الأول ضيق، محدد، وحاد، متمثل في سلسلة معارك قتالية شرسة وقاسية ومميتة بين مقاتلي أنصار الله، حصراً دون مشاركة أي من أنصارهم أو حلفائهم من جهة، وبين علي محسن ومجاميعه والقاعدة حصراً من جهة ثانية، مع ملاحظة أن علي محسن ومجاميعه ظلوا يتدثرون بعباءتي الدولة وحزب الإصلاح إلى وقت قريب، حيث نزعت عنه الدولة عباءتها مع حرب دماج، ونزع عنه حزب الإصلاح عباءته بعد معركة عمران، الأمر الذي جعله ومجاميعه مكشوفين سياسياً ومعنوياً. في هذا المشهد، مشهد المعركة الدموية المميتة، لا الدولة ولا المجتمع ولا أي من الأحزاب السياسية مشاركون فيها. المشهد الثاني العريض والواسع: هو عبارة عن معركة سياسية شاملة، ومع أنها سلمية، إلا أنها قاسية وشرسة حد المكاسرة. في المشهد الثاني، مشهد المعركة السياسية، كل الأطراف والمكونات السياسية والاجتماعية منخرطون ومشاركون فيها، من خلال شبكة معقدة ومتداخلة من التحالفات، البرامجية منها والانتهازية، إلى حد يجعل من غير الممكن رسم خطوط فاصلة ومحددة بين التحالفات المشتركة في هذه المعركة السياسية. أنصار الله هم الطرف الأكثر تأثيراً والأكثر وضوحاً في المشهدين مع اختلاف جوهري في هدفهم وأهداف الأطراف الأخرى من المشاركة في المعركتين. ففيما هدف كل طرف من أطرف المعركة القتالية المميتة هو إنهاء وجود الطرف الثاني، فإن هدف كل طرف من الأطراف المشتركة في المعركة السياسية هو إعادة رسم الخارطة السياسية وتثبيت وجوده ودوره أو المحافظة عليهما لدى البعض، وصبغ لونه الخاص على النظام السياسي القادم بمجمله. المعركة السياسية بالرغم من قساوتها الحالية، إلا أنها ستشهد الكثير من التذبذبات في الحدة والقساوة، كما أنها ستشهد تغييراً وتبديلاً في شبكة التحالفات بين فترة وأخرى. المعركة السياسية طويلة المدى، ولا أحد يستطيع أن يتوقع نتيجتها، لكن ما هو معلوم بالضرورة أنها لا تهدف ولن تؤدي إلى إزالة أو إنهاء وجود أي من الأطراف المشاركة فيها. اللون النهائي الذي سيصبغ به النظام السياسي القادم، لن يشبه لون أي من الأطراف المتنافسة، لكنه سيكون أقرب إلى لون الطرف الأكثر لياقة وفعالية، والأكثر كفاءة في التكيف مع المتغيرات، والأكثر مهارة في إدارة التحالفات. سيستغرق الأمر من خمس إلى عشر سنوات قبل أن يتضح ويستقر لون النظام السياسي القادم. والله أعلم * فيسبوك