العاصفة السعودية الهوجاء التي تمرّ باليمن، حدثٌ قديمٌ سبق له أن حدث. ليس في ما يجري أيّ عنصر مفاجأة للوجدان أو العقل. كانت هناك من قبل ( عاصفة صحراء) عصفت بالعراق في تسعينات القرن الماضي. السعودية قادت من ( حفر الباطن) تحالفاً عربياً- دولياً لتحطيم العراق لإعادة الشرعية ( لأمير الكويت المقيم في الرياض اليوم مثل الرئيس اليمني هادي). لكن اليمن ليست الكويت، وهادي عبد ربه ليس أميراً. إنه دمية سعودية شاءت الأقدار أن تترّبع على عرش بلقيس. ما أشبه اليوم بالبارحة، الناعقون آنذاك وفي كل مكان، كانوا يبتهجون لأصوات القصف المدّمر. سُلخ لحم العراق ولحمه لأجل الشرعية؛ بينما اتضحّ – تالياً-أن (الشرعية ) لم تكن سوى القشرة الرقيقة لعملية تحطيم بلد عربي ومحوه كدولة. اليوم، تعود العاصفة السعودية الهوجاء من جديد، والذريعة ذاتها : عودة الشرعية لهادي وإلاستقرار إلى اليمن. كانت الأهداف الكاذبة في ( حفر الباطن) تتلخص في الفكرة ذاتها أيضاً: أن يتخلص العراق من ( ديكتاتوره) وينعم ب( الاستقرار والديمقراطية والأمن). في النهاية غطس العراق في الوحل بفضل العاصفة السعودية. فماذا سيحدث لليمن إذن؟ هاكم بعض الملاحظات الأولية لأي تحليل نزيه :
أولاً : كل ما يُزعم عن وجود ( لجان شعبية ) موالية لهادي في الجنوب، هو تضليل وتزّييف للوقائع. ليس هناك ( قوى مسلحة حقيقية في الحراك الجنوبي) قادرة فعلياً على خوض مواجهات قاسية وشرسة مع الجيش اليمني وأنصاره. هناك عناصر القاعدة التي تدفقت سراً من تركيا وقطر والسعودية وتغلغلت باسم الحراك واستولت على جزء من مطار عدن. ولذلك، فالمعارك الدائرة في عدن، هي بين الجيش المدعوم من اللجان الثورية لأنصار الله وبين جماعة القاعدة التي تقدّم نفسها على أنها ( لجان شعبية) . انا أعرف اليمن جيداً، وأستطيع أن أؤكد بشكل قاطع، أن النواة الصلبة في اللجان الشعبية هي جماعات قاعدية- داعشية يقودها ضباط من بلاك ووتر ومخابرات النيتو. لقد جرى استغلال مشاعر الشباب اليمني الجنوبي واجتذابه لصراع عبثي، تماماً كما حدث في العراق وسورية وليبيا.إنه أيضا، حدث سبق له أن حدث.
ثانياً : وما يزعم أنهم مقاتلون من قبائل شبوة ومأرب، هم في الحقيقة تنظيم داعش الذي يقود الحرب ضد الدولة والجيش تحت ستار ( الثورة ضد الحوثيين وإيران). وهذا ما يعيد تذكيرنا ب( ثوار العشائر في الرمادي) عندما اتضح انهم تنظيم ( داعش) الذي تنكرّ في أردية شيوخ القبائل. فجأة اختفى ثوار العشائر والقبائل وظهرت داعش والقاعدة وسقطت الموصل وتكريت وديالى. على اليمنيين أن يتوقعوا رؤية مناظر قطع الرؤوس وانتهاك الأعراض وسبي النساء. سوف تختفي اللجان الشعبية الموالية لهادي وترتفع – بدلاً من راياتها- رايات داعش. ما أشبه الليلة في اليمن بالبارحة في العراق.
ثالثاً : الجيش والحوثيون قادرون على ( تفكيك) داعش والقاعدة في شبوة والبيضاء ومأرب وعدن. وهذا هو مسرح المعركة لا أكثر. يمكن تفكيك المنظمات الإرهابية بسهولة وحتى تحت القصف الذي تقوم به السعودية. بالطبع، سوف تستمر العاصفة الهوجاء لأيام وربما لاسابيع أخرى، ولكن دون اي نتيجة. لن تتمكن السعودية وحلفاؤها من خوض اي حرب برّية. الحرب البريّة ستكون كارثة للسعودييين وحلفائهم. على الرياض أن تدرك أن حربها ضد اليمن هي حرب أخرى فاشلة. أنها حرب سابعة ضد ( شياطين صعدة) وعليها أن تستريح من العبء كما استراح الرّب في اليوم السابع. رابعاً : على اليمنيين أن يتجمّلوا بالصبر . لا جدوى من أي قصف. المعركة الحقيقية سوف تدور على أرض اليمن ولوقت طويل بين الجيش والحوثيين ضد داعش والقاعدة . الحوثيون لن يرّدوا على القصف بشكل إنفعالي.قصف سريع رداً على قصف.هم أعقل من أن يفعلوا ذلك. سوف يصبرون. لديهم خيار آخر: استراتيجية توسيع رقعة الصراع مع داعش والقاعدة في عدنوشبوة والبيضاء ومأرب. إنها أفضل خيار لتحويل العاصفة إلى مجرد ( زوبعة) هوجاء.
رابعاً : الجيش اليمني برغم كل أكاذيب ( العربية والجزيرة) لايزال متماسكا بوجه العموم. لا يوجد ( جيش منشق) وليس هناك جيش يدعى ( قوات صالح). هناك جيش يمني حكومي واحد لا مجرد قوات أو كتائب تتبع الرئيس السابق صالح. هذا يذكرنا بمصطلحات زائفة روجّها الإعلام السعودي: كتائب القذافي، كتائب الأسد، جيش المالكي الخ الخ. الجيش اليمني مدعوماً من حركة أنصار الله، جيش موّحد يخوض معركة ردع العدوان الأمريكي، ومواجهة ( مخلوقاته ) المتوحشة. الحوثيون في المجتمع اليمني هم اقوى قوة مسلحة يمكن لها أن تضع القاعدة وداعش (داخل قفص حديدي). لكنهما سوف تستثمران المساندة السعودية الجوية، بهدف احتلال مدن ومطارات وموانئ، تماما كما فعلت داعش والقاعدة في العراق.
خامساً : الحملة سوف تفشل بكل تأكيد. والعمليات البرية ستكون كارثة للمشاركين فيها. الفشل هو عنوان الحملة التي يجب أن تسمى منذ الآن ( عاصفة الفشل ) بدلاً من ( عاصفة الحزم).