لعل الفار المطلوب للعدالة عبد ربه منصور، لم يعرف هويات الأعضاء السبعة لقائمة ممثلي ما سميت "الحكومة الشرعية" لمؤتمر جنيف المقرر في ال14 من الشهر الجاري سوى من إعلام العدوان الغاشم (قناة العربية الحدث) التي انفردت بنشر الخير. ذلك ما يفسر الغياب الإعلامي لفريق العملاء المحيط بهادي، واكتفاء غرفة عمليات العدوان بتعليقات خبراء ومحللي النظام السعودي للتعليق على الحدث، كما يفسر خلو القائمة من الأسماء السياسية التي ظل هادي يقدمها بوصفها قاعدة الطيف السياسي المؤيد والمساند للعدوان الغاشم وأحياناً الكمبارس المؤدي لأدوار مدفوعة الثمن على شاكلة العتواني وبن دغر وما شابه.
كشفت هذه الخطوة في الواقع المُعد الحقيقي لهذه القائمة (واشنطنوالرياض) كما كشفت عن توجه قوى الوصاية لتحجيم دور الفار المطلوب للعدالة هادي في المرحلة القادمة بعدما أدى الدور المطلوب منه في شرعنة العدوان الهمجي على بلادنا. لقواعد لعبة بدت وشيكة مثلت القائمة السعوأميركية صعدة بالشيخ عثمان مجلي، وفي اللحظات الأخيرة استبعدت الرياض ذراعها الخفي خالد بحاح، وأعادت رياض ياسين خان إلى صدارة المشهد ذراعاً لقيادة دور جديد يُراد منه إجهاض جنيف من المهد، وعرقلة الوصول إلى حلول سياسية بما يبقي العدوان الهمجي خياراً وحيداً. واشنطن فعلت الشيء ذاته، فقدمت إلى القائمة السيئة السمعة أفضل خياراتها وهو وزير حقوق الإنسان في الحكومة المستقيلة عز الدين سعيد، الضليع في شؤون النشاطات المخابراتية المسيرة عبر طوفان المنظمات الحقوقية الدولية.
بن سعيد، قطعاً، ليس له أي أرضية سياسية سواءً بشخصه أو عبر حزب سياسي سوى ما عُرف عنه من نشاطات وتحركات خارجية فعلت الكثير لدعم مخططات الإخوان في السيطرة على نتائج الاحتجاجات في العام 2011 وكذلك دعم اجندات التنظيم بعد التوقيع على المبادرة الخليجية، ثم في نشاطه الذي ظهر مؤخراً مشابهاً لدور رفيق دربه المصري عمر حمزاوي.
لدينا في القائمة السعوأميركية وزير الثروة السمكية فهد كفاين، والذي حُشر ضمن الوفد رغم عدم امتلاكه أي رصيد سياسي سوى هروبه إلى السعودية بعد استقالة الحكومة وفرار هادي ومشاركته البائسة في مؤتمر الرياض السيء الصيت.
كفاين دُسَّ في القائمة مُمثلاً عن الجناح القطري لتنظيم الإخوان وهو كان أفضل الخيارات بعدما تقرر الإطاحة، أو بمعني أدق، معاقبة القيادات الإخوانية التاريخية رغم كل ما فعلوه لإنقاذ أنفسهم في مساندة وقحة ودعم فاضح للعدوان الغاشم. أحمد الميسري حُشر، أيضاً، في قائمة جنيف ممثلاً للجناح المنشق في حزب المؤتمر فيما بدا تدشيناً من الرياض لمرحلة سياسية جديدة تخطط فيها مملكة العدوان الغاشم، عبثاً، لرسم خارطة سياسية جديدة تريد فيها إلغاء أي دور أو حضور للرئيس السابق علي عبدالله صالح بعدما فشلت في عزله بالقوة الغاشمة.
أما الحميقاني، أمين عام حزب الرشاد السلفي، فقد أدرجته الرياض ضمن القائمة ممثلاً رسمياً لنظام آل سعود الذي يُعدَّ هذا الحزب المتطرف لوراثة الإخوان (حزب الإصلاح) بعد التهاوي المريع الذي سجلوه في العامين الأخيرين، وتحولت فيه قواعد الإصلاح إلى عصابات لمقاولات إشعال الحرائق وحروب المدن وفي أحيان أدوات لدعم إعلامي ومخابراتي للعدوان الغاشم.
نجد في قائمة ما سميت "الحكومة الشرعية" وجهاً جديداً سجل صعوداً سريعاً في المشهد السياسي، وهو النائب عبد العزيز جباري، أمين عام حزب البناء والتنمية، وهو واحد من الأحزاب التي ليس لها أي حضور في المشهد السياسي اليمني. لم تكن مصادفة أن جباري وحزبه سجلا في الفترة الماضية حضوراً لامبرر له في العديد من الفعاليات السياسية التي لاحظنا فيها غياب الكبار وحضور الصغار، بل كانت سيناريوهات مكشوفة في محاولات مطابخ الأزمات صناعة القادة لتأهيلهم لأدوار تالية لصالح تنظيم الإخوان أو قوى الوصاية الخارجية.
لا يمكن قراءة قائمة ممثلي ما سمي "الحكومة الشرعية" إلى جنيف دون أن نلمح بوضوح التوجهات الجديدة لمطبخ العدوان السعودي الأميركي الغاشم والتي يبدو فيها بجلاء يأس قوى الوصاية (الرياضوواشنطن) من حرسها القديم ممثلاً بالفار المطلوب للعدالة عبد ربه منصور وفريقه أو الحرس القديم لتنظيم الإخوان رغم الخدمات الهائلة التي قدموها في إشعال الحرائق عبر المليشيا ومقاولي الحروب في المدن اليمنية وعبر خلايا القاعدة وداعش.
تخلت العصابة السعودية عن هؤلاء، رغم ما تسببوا فيه من عمليات قتل وإبادة جماعية وفردية لليمنيين وتدمير لمقدرات البلد وتكميم أصواته الإعلامية وتحويله إلى دولة منهارة تنهشها الحروب الداخلية، فضلاً عما قدموه من إسناد ودعم سياسي وإعلامي لإضفاء الشرعية على أعتى عدوان بربري تواجهه اليمن في تاريخها الحديث. النظام السعودي عندما وضع قائمة ممثلي ما سمي "الحكومة الشرعية" لمؤتمر جنيف بدا أنه لايزال مصراً على الإمساك بالملف اليمني في شقه السياسي، رغم ما مُني به من هزيمة وخسائر في الجانب العسكري ما يعني أننا ما زلنا في مربع الأزمة. المثير للشفقة في هذه المعادلة هو الحال الذي بلغته بعض القوى السياسية من اليسار والتي تساقطت في مارثون انهيار كامل بعدما انحازت إلى العدوان الغاشم وتمترست في صف أعتى الأنظمة الاستبدادية الوراثية بذريعة تصديها ل"المد الحوثي". هذه الأحزاب التي شاخت وتهاوت بفضيحة تاريخية وجدت نفسها اليوم خارج المعادلة السياسية تتباكى على تجاهلها من قوى الهيمنة والوصاية الخارجية بعد أن راهنت عليها لأداء دور سياسي صار في حكم المستحيل.
وهذا ليس تحليلاً، فالعاملون في مطبخ العدوان أفصحوا عنه جهاراً نهاراً، إذ اعتبروا أحزاباً عريقة مثل الناصري والاشتراكي أحزاباً ورقية وهامشية، بل "كيانات تشبه أحذية انتهت بالتقادم وأكلها الدهر".
العزل السياسي الذي تمارسه اليوم مملكة العدوان الغاشم على أحزاب اليسار وكل القوى التي ساندت العدوان ليس مفاجئاً قطعاً.. فهذا هو المصير الطبيعي لهذه القوى الفاشلة التي تحيا وتتنفس برئة خارجية.
يصعب على واشنطن ووكيلتها مملكة الإرهاب بعد اليوم عزل أو إلغاء أو تجاوز أنصار الله أو النظام السابق وكل القوى التي صمدت في وجه العدوان والثابت لدى القوى الوطنية اليوم أن أي شروط لن تكتب إلا بحبر يمني، وسوى ذلك لا يصلح إلا للخونة.