بعد أن أحرق أرض الرافدين، بشرها وشجرها وحجرها، خرج للعالم من غرفته في البيت الأبيض قائلا لهم: " نأسف للشعب العراقي، فقد أخطأنا التقدير"، ثم مضى في طريقه ليتم مشوار المؤامرة المرتكزة على "الخطأ في التقدير" وقابل هذا التصريح تصفيقات عربية لا تفقه شيئاً مما يحاك ضدها.. وانتهى الأمر عند هذا. ولأن العرب واقعهم يعطينا رؤية وفكرة أننا شعوب لا تتعلم من أخطاء الآخرين ولا من أخطائها وتبادر دائماً لتصبح تجربة وخطأً يتعلم منها الآخرون من دون العربان، فقد نست تماماً ما حدث في أرض العراق وانجرت، بغباء مفرط، خلف أخطاء تقديرية حلت على الأمة العربية خلال ربيع 2011م وما تلاه، فأُحرقت ليبيا عن بكرة أبيها بطائرات أوروبية عربية، بل برغبات عربية وتصفيق وترغيب تحت منظور ومبرر "ثورة" بعد أن تم زعزعة أمن واستقرار تونس قبلها بأشهر.. ثم جاء الدور على مصر واليمن ومازال الأمر مشتعلاً في سوريا، فخلف لنا هذا الأمر مئات الآلاف من العرب قتلى وأضعاف الرقم جرحى وآلاف الأيتام وآلاف الأرامل والثكالى واقتصاداً وطنياً منتهياً وخراباً تنموياً وانهدام بنية تحتية وتسيباً أمنياً وتجزأ وسعياً للانفصال في ليبيا وجنوب مصر واليمن وتناحراً طائفياً وصراعاً سياسياً وفتناً دينية وانحلالاً أخلاقياً وهيجاناً شعبياً واضطراباً نفسياً ومجتمعياً، حتى تحولت هذه البلدان إلى نيران ما تأتي على شيء إلا جعلته كالرميم!! كل هذا كان في البدء بمباركة دول العالم الغربي الطامع للسيطرة على ثروات هذه الأرض، بل بطائراتهم وقراراتهم الأممية وضغوطاتهم الدولية وتصفيقاتهم وجوائزهم التي يدغدغون بها عواطف شبابنا.. وبعد أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم مع مطلع هذا العام، يأتي رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق (الذي كان أحد أطراف الخراب العربي) يصرِّح من على شرفته وهو يرتشف الشاي في الصباح وتحت نفحات نسيم الهواء قائلاً للعرب "لقد اخطأنا التقدير"، فلم يكن الربيع العربي ثورات شعبيه... إلخ تصريحاته في هذا الشأن.. لقد اخطأوا التقدير مرة أخرى وأحرقوا أوطاننا، ولكن هذه المرة ليست كالمرة التي اخطأ فيها (دبليو بوش) في العراق التقدير، فلم يسقط جندي أمريكي أو أوروبي هذه المرة، بل كانت بأيدينا نحن العربان اقتتلنا وتصارعنا وقدنا أوطاننا للتهلكة فطحنا الوطن وعجناه ثم رميناه لتلتهمه النيران ليصبح وجبة جاهزة سائغة للمحتل الغربي ونحن نصفق لهم مرة أخرى.. وهكذا يستمر التفوق العقلي الغربي على العقول العربية والتي دائماً وأبداً أؤكد أنها عقول محدودة في التفكير وليس لديها أي اهتمامات أكثر من إشباع البطن والجنس.. عقول توظفها لخدمة شهواتها وليس لها من السبق العلمي والتطور المدني نصيب حتى أصبحت مجتمعاتنا وأوطاننا حقولاً لتجاربهم العلمية والتي دائماً يخطئون التقدير في التعامل معها، ولكن بعد أن يلتهموا ثرواتها ويعيشونا في تخبط مستمر! لقد أخطأوا التقدير وسيعيدون حساباتهم وتخطيطاتهم من جديد ليعيدوا الكرة مرة أخرى وسننجر خلفهم دون أن نتعلم من اخطائنا فلا ضير في ذلك مادام أنهم في النهاية سيعترفون بأنهم "اخطأوا التقدير" مرة أخرى !! [email protected] * صحيفة المنتصف