لن تغيير روسيا موقفها من الأزمة السورية على خلفية الصراع الدولي في أوكرانيا، بل على العكس تماماً إن موقف الكرملين تجاه الحرب على سورية بات أكثر قناعة بأن الحرب الباردة تزداد سخونة من جبهة لأخرى. مفاجئة بوتين في القرم... جاء الدعم العسكري الروسي لسلطات شبه جزيرة القرم مفاجئاً للكثيرين، لكن من يعرف كيف تفكر القيادة الروسية، وكيف يفكر الرئيس فلاديمير بوتين، لم يستغرب، فالقضية بكل بساطة تخص الأمن القومي الروسي، وهو ما يعتبره الكرملين خطاً أحمر تجاوزه الانقلابيون في كييف، بدعم أورو-أطلسي، عندما أوصلوا النازيين الجدد إلى سدة الحكم في أوكرانيا. عقيدة الأمن القومي لا تعني فقط الحفاظ على الحدود، ومنع تقدم العدو الأطلسي نحوها لنشر منظومته الصاروخية، ومنها عناصر الدرع الصاروخية الأمريكية، إنما تعني الحفاظ على البعد اللغوي والديني في المناطق ذات الغالبية الروسية. الاتحاد السوفييتي خسر الحرب الباردة بشكل أساسي في الناحية هذه، عندما أصبح كل شيء ينتمي لهذه البلد من الدرجة الثانية، في حين بات كل ما هو أمريكي محبب. اليوم هناك إدراك تام لأخطاء الماضي والحاضر البسيط، لذا كان الموقف الداعم لسورية في وجه العدوان عليها الذي حمل طابع الغزو الصحراوي للهلال الخصيب، موسكو تفهم جيداً أن حماية الحلفاء هو حماية لحدودها وأمنها، وأن الغرب لن يفِ بوعوده والتزاماته، كما حصل في أفغانستانوالعراق وليبيا، وأخيراً في أوكرانيا التي دخلت منعطف الحرب الأهلية. لدمشق بعد استراتيجي يتجاوز العسكري ليطال صلب عقيدة الأمن القومي الروسي، من عمد الدولة الروسية قبل أكثر من ألف سنة كان كاهن أنطاكي سوري، وعليه تدرك موسكو جيداً أن جذورها الأرثوذكسية تعود إلى سورية، وأن محاولات تهجير المسيحيين تعني اقتلاع الحضارة الأرثوذكسية من جذورها، أضف إلى ذلك البعد الجيوسياسي في ظل تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب، والمحاور السياسية والاقتصادية، ناهيك عن أن سورية تعتبر اليوم خط الدافع الأمامي في مواجهة الإرهاب الوهابي، الذي لطالما كان يدور في فلك الصهيونية والصهيونية المسيحية، ويهدد خاصرة روسيا الجنوبية، أي القوقاز.
التشابكات السورية الأوكرانية... موسكو لا تفصل بين المعركة في أوكرانيا والمعركة في سورية، حتى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عن قصد أو غباء، شبه القضيتين عندما قال: إن شعبي هذا البلدين يتطلعان للحرية والديمقراطية، وغيرها من الكلمات التي باتت تثير الاشمئزاز لو ما نظرنا إليها من بوابات أفغانستانوالعراق وليبيا. كما أن السيناريوهات الغربية في توجيه الحرب الباردة لم تعد خفية على أحد، في الشرق الأوسط الاعتماد على إرهاب المجموعات المتطرفة دينياً، في أوروبا الشرقية على إرهاب المجموعات المتطرفة قومياً، وفي كلا الحالتين على الإرهاب وإن اختلفت الصلصة التي طبخ معها. الكثيرون أكدوا بأن بوتين سيقايض سورية مقابل ضمان أمن حدوده الأوكرانية، لكن الوقت تغير وقيصر الكرملين لن يقبل بمحاولات إذلال روسيا، لا هنا ولا هناك ولا حتى على سطح القمر أو المريخ، وعليه المعادلات في سورية لم يعد بإمكان أحد تغييرها. يجب فهم أن الأزمة الأوكرانية المتسارعة في تطوراتها تأخذ حيزاً كبيراً من العقل الروسي، فأوكرانيا خاصرة روسيا الشرقية وامتدادها ومطلّها الاستراتيجي على البحر الأسود، وما الاشتباك الروسي الأوروأطلسي في أوكرانيا اليوم سوى مؤشر متجدد على عودة الحرب الباردة، الغرب وحسب تأكيدات عقوله التكتيكية والإستراتيجية أراد كبح جماح روسيا من استعادة مكانتها في العالم، وهذا ما يجري عملياً اليوم عسكرياً واقتصادياً، وحتى اجتماعياً وثقافياً، فقرر منذ عام أو أكثر استخدام نفوذهم في أوروبا الشرقية، والضغط على روسيا في خاصرتها، في السابق نجحوا في صربيا عندما انتزعوا كوسوفو، واليوم يبكون عندما تتصرف روسيا كذلك في القرم. كما يرى المسؤلون الروس أن المقارنة بين الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش والرئيس السوري بشار الأسد غير منطقية، فحيثيات الأزمة السورية تختلف، وإن كان مضمون الصراع نفسه. الدولة السورية لديها نظام قوي وجيش ومؤسسات قوية، بينما يانوكوفيتش، كغيره من الرؤساء الأوكرانيين السابقين، سعى إلى جمع ثروة والانشغال بالأمور الشخصية. ما يمكن تأكيده اليوم مع دخول الحرب على سورية عامها الرابع هو أن المؤامرة هي من حلقات، وبدأت في يوغوسلافيا، ثم العراق وليبيا وسورية وأوكرانيا، ويجب مواجهة كل هذه المؤامرات. التاريخ يقول لنا ان يوغوسلافيا كانت دولة قوية وهم الآن يعيشون في دول ضعيفة وفقيرة. لذا فموسكو لن تتراجع عن دعمها للحل السياسي مع التأكيد أن الحل العسكري وإسقاط النظام بالقوة باتا من أحلام السقطة لدى البعض، وعليه جنيف 3 بالنسبة إلى روسيا يجب أن يحمل جديداً، أهمه توسيع قاعدة مشاركة المعارضة الداخلية، بعد إثبات أن الائتلاف لا (يمون) على المسلحين ولا يمثّل الشارع السوري. يجب أن يُعدّ المؤتمر لوجستياً لدعوة المعارضة في الداخل، الموجودة الآن في الحكومة، وإذا أرادت الدول أن توقف الحرب بصدق فعليها وقف دعم المجموعات المسلحة والإرهابية، والضغط عليها لوقف العنف، وليس الكلام فقط.