الدول الصناعية الكبرى المعروفة بمجموعة الثماني تبتدئ مؤتمرها اليوم في منتجع سي آيلاند بولاية جورجيا الأميركية. وتركز أعين وآذان العالم اهتمامها على ما يجري في هذا المؤتمر أكثر من أي مؤتمر سابق بسبب المأزق الأمريكي في العراق، وطموح إدارة الرئيس بوش بتوجيه أيديولوجي من المحافظين الجدد لإعادة ترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية وحتى الجغرافية للمنطقة العربية تحت شعار «الشرق الأوسط الكبير». ولعل النقاط التي سردتها مستشارة الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي الدكتورة كونداليزا رايس في مؤتمرها الصحفي امس، عن جدولة وأولويات هذا المؤتمر تعبر عن ما تأمل إدارة بوش في تحقيقه، وتفعيل ذلك في تجمع قواها وتعزيز ترسانتها، استعداداً لهجوم انتخابي كاسح، يسلط الأضواء على بوش في دور رئاسي ريادي، بينما يناضل منافسه الديموقراطي جون كيري من أجل الحصول على الفتات الإعلامية حسب قول الخبير الانتخابي والمحلل البارز إيجي ديونغ. وجاء موت الرئيس اليميني الجمهوري السابق، رونالد ريغان، رائد الفكر اليميني المحافظ وبطل العسكرة الأمريكية، لإعطاء المزيد من الأضواء للرئيس الحالي بوش، الذي شاءت الأقدار أن تجعل منه وريثاً لريغان في أعين القوى اليمينية المحافظة، ولتحرم منافسه الديموقراطي حتى من أسبوع ثمين في حملته الانتخابية زكي لا يظهر وكأنه انتهازي لا يبالي بالمشاعر التي تأججت بسبب موت ريغان حسب قول ديونغ. سيسعى الرئيس الأميركي جورج بوش أثناء المؤتمر إلى استرضاء الحلفاء الذين عارضوا حربه على العراق من ناحية، وتدشين خطته للتغيير في الشرق الأوسط المعروفة باسم الشرق الأوسط الكبير من ناحية أخرى. كما سيحاول بوش الاستفادة من رحلته إلى إيطاليا وفرنسا للمشاركة في احتفالات الذكرى الستين لانتصارات الحلفاء عام 1944 والتي اعتبرها آندرو كارد، رئيس موظفي مكتب الرئيس بوش في البيت الأبيض أنها قد مهدت الطريق أمام مهمته في قمة الثماني، خاصة بعد تبادل كلمات الثناء ودفء الحفاوة مع أشد الذين عارضوا الغزو الأمريكي للعراق من أمثال الرئيس الفرنسي جاك شيراك. ويجتمع قادة الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا وروسيا واليابان على مدى ثلاثة أيام في المنتجع وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث أغلقت المنطقة عن العالم الخارجي وانتشرت ألوف من الجنود والشرطة على شكل دوريات حراسة بالقوارب والمروحيات وحواجز طرق. الضيوف المراقبون وإلى جانب حضور الملك الأردني، وملك البحرين ورئيس اليمن، يحضر القمة بصفة مراقب الرئيس العراقي الانتقالي غازي الياور (إضافة إلى زعيمي دولتين مسلمتين أخريين هما تركيا وأفغانستان) ما يعكس الأهمية القصوى للشأن العراقي في القمة. ومن المتوقع أن تطلب واشنطن من المشاركين إلغاء معظم الديون العراقية البالغة 120 مليار دولار، كما ستطلب من الدول الأوروبية المشاركة بفاعلية في إعادة إعمار العراق، بعد تسليم السلطة في 30 حزيران الجاري. مبادرة الشرق الأوسط الكبير في الوقت ذاته، تضغط واشنطن من أجل استصدار قرار جديد من الأممالمتحدة بشأن العراق قبل نهاية الاحتلال الذي تقوده الولاياتالمتحدة رسميا في 30 حزيران الجاري. ويتطلع بوش إلى إبراز العراق كمثل يحتذى به للدفع بعجلة التغيير الواسع النطاق في الشرق الأوسط، حيث زمن المقرر أن يطرح الرئيس الأميركي مبادرته للإصلاح في المنطقة المسماة الشرق الأوسط الكبير. مكان بارز للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ويجدر بالذكر أن إدارة الرئيس بوش قد تراجعت بخطواتها عن خططها بهذا الصدد، بعد أن أغضبت المسودة الأولية التي ظهرت في شباط الماضي عددا من الدول العربية باعتبارها تمثل فرضا لمنظومة قيم غربية، كما انتقد الأوروبيون الولاياتالمتحدة وقالوا إنها تتجاهل جهودهم الخاصة بالإصلاح في الشرق الأوسط. ويحاول بوش الآن إعطاء مكان بارز للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة على ضوء إقرار وزارة شارون مبادرة الانفصال التي ابتكرها في إطار تعزيز وتشريع الاستيطان، حيث سرعان ما أشادت مصادر في الإدارة الأمريكية، الاثنين، بمصادقة الحكومة الإسرائيلية على خطة فك الارتباط الجديدة (وتسلمت الإدارة الأمريكية ، الترجمة الدقيقة لنص قرار الحكومة الإسرائيلية عصر الاثنين)، كما أن البيت الأبيض سيصدر بيانًا رسميًا يرحب بإقرار الخطة، هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى، فسيحاول الرئيس بوش طمأنة الحكام العرب بثبات مواقعهم حيث أنه سيوضح أن الإصلاح في المنطقة لا يمكن أن يفرض من الخارج.