نعم لا تزال الأحداث الجارية التي نشهدها المدمرة لأمتنا العربية والإسلامية، وهي ما يدور في المنطقة من الثورات الشعبية ضد الأنظمة مستمرة إلى كتابة مقالي هذا، حيث بدأت من تونس وامتدت إلى اليمن مرورا بمصر وليبيا، وتنتقل شرارتها من دولة عربية إلى دولة عربية. فمن قائل هو تغيير داخلي صنعته الشعوب مائة بالمائة، نتيجة الظلم والاستبداد واحتكار الأموال والوظائف والأعمال، وقد ملت وكرهت الشعوب الثائرة حكامهم يطالبونهم بالتخلي عن الحكم ، وفي الحديث عن عبد الله بن عباس وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أم قوماً وهم له كارهون،…) الحديث ورد عن نحو سبعة من الصحابة وهو صحيح، وفي الحديث الآخر: قال صلى الله عليه وسلم (شرار أئمتكم من تلعنونهم ويلعنونكم، وتدعون عليهم ويدعون عليكم…) الحديث وهو صحيح ومن قائل هو تغيير خارجي مائة بالمائة، القصد منه صناعة شرق أوسط كبير بالتقرب إلى الشعوب، ومساعدتهم في رد بعض اعتباراتهم، ومن قائل هو تغيير خارجي بدءا وتخطيطا ودعما لرؤساء أحزاب وشخصيات في الداخل، لهم صلة بهم، واستغل من الداخل، وحصل له تطور غير متوقع، ولكل وجهة نظر ورؤية وتحليل، ولا شك أن الإسلام كما أنه يصنع الفرص التي تخدم المسلمين فهو أيضا يدعو المسلمين إلى أن يبادروا في استثمار الفرص في صالح المسلمين.وهنا أستعرض بعضا من أدلة من يقول إنه تغيير داخلي، من أدلته التالي:أنه انفجار تولد من رحم الضغط الظالم، من الحكام المستبدين، وهو ناجم عن شدة الظلم والطغيان والفساد الذي ارتكبته الأنظمة الدكتاتورية:(والضغط يولد الانفجار)، ومن الأدلة أيضا أن هؤلاء الحكام هم أفضل من ينفذ أوامر القوى الخارجية، وقد لا يجدون مثلهم، فكيف يسعون لإزالتهم! وهم يقومون بدور الشرطة للقوى الخارجية.وأما أدلة من يقولون إن التغيير خارجي فهي أدلة كثيرة، منها: أنها ثورات سبقتها ما يسمى بوثائق الفضائح المتسربة من موقع ويكيلكس _ لزرع الحقد والعداء بين الشعوب والأنظمة، وتحريك التسويق الإعلامي وخصوصا (الفيس بوك) والذي من المعروف أنه يملكه يهودي،_ _ وكان ظهوره بجلاء مقترنا مع هذه الثورات، وهو من جملة الآلات التي تستخدم على حسب ضمير مستخدمها، ولكن صاحبته إشاعات مع هذه الثورات وتحركت دعوة إلى زلزال سياسي كبير يجري في المنطقة العربية، صرحت بذلك وسائل إعلامية إسرائيلية، وهي غير مكترثة لما يجري، ولا تحرك مندوبين لتفهم ما يدور، وكأنها تعلم به سلفا، ولنا أن نتساءل إن كانت إسرائيل غير مكترثة بما يدور حولها، وتمارس إجرامها واعتداءها ليل نهار على الفلسطينيين، لأنها أو ساستها من وضعوا الجدول مع المنظمة الماسونية التي تسعى لأجندة مدروسة تحقق من ورائها أهدافا، ولا يضرها أن تكتسب أو تحقق شيئا من المنفعة للمسلمين في بعض الجوانب، إن كانت المنظمة رابحة في مواصلة استعمارها، وتمكن للأعداء المصالح الكثيرة في المنطقة، ولو كانت تلك المصالح في الأمد البعيد.وقد استدل كذلك أرباب هذا القول بالدراسة التي أجراها الاستعمار من أن الجليد في القطب يتحول إلى ماء بسبب المناخ الحراري، وأن المناخ تغير، وبلدانهم مهددة بعدة كوارث، وأحسن مكان آمن للحياة الآمنة لهم وأجيالهم، مستقبلا هو البلاد العربية، لعدة أسباب منها نظرهم إليها أنها كانت وما زال أمنها المناخي واقعا ملموسا، ومنها وجود البترول لتأمين الاقتصاد، ومنها السلامة من الزلازل، ومنها الموارد المائية العذبة، والتي صرحوا في عدة دراسات أن المنطقة العربية غنية بالمياه الجوفية، والتي تحقق الحياة الآمنة، ومنها القرب من إسرائيل لبقائها والدفاع عنها، ومنها حسدهم للمسلمين ونشر ثقافاتهم وأخلاقهم وفسادهم، نسأل الله السلامة والعافية، وسوف يجعلون تلك المطالب تحت ذريعة الحرية والسياحة والألعاب والحماية لهم وغير ذلك، لأجل هذه الاعتبارات وغيرها من الاعتبارات يخطط الكفار أن يحتلوا البلاد العربية أكثر مما هم عليه الآن ويؤمنوا مستقبلهم ومستقبل أجيالهم، ليظلوا مستعمرين لها وينتقلوا إليها بحضور أكثر متى كانت الظروف مواتية.ومن تلك الأدلة على أن سياستها وافدة من الخارج أن تجارة السلاح ومصانع الأسلحة المكدسة لا بد لها من أجسام تنفجر فيها سواء للتجارة أو التجارب، ولا أحسن عند الأعداء من الأجسام الإسلامية والعربية،ويستدل أيضا على ذلك بأن كل ما يجري من ثورات هي تغييرات لا تخرج عن سيطرة الأعداء في النهاية، فزمام المبادرة بل تبقى أزمة الأمور بيد الأعداء وهم مستفيدون من قتل عدد من الشباب المسلم والعربي سواء من الشعوب أم من الأنظمة، تزهق أرواح وتراق دماء، وتهدر أموال، وتهبط المنظومة الاقتصادية، وتسوق الأسلحة وتعمل المصانع للأسلحة ليعيش موظفوها، وتبقى قوى الاستعمار كما هي دون تغيير، بل وتزداد، فقط قد يحصل شيء من التنفس للشعوب العربية ليكون ذلك أيضا يضيف فائدة في حسابات الأعداء، وهي محبة الشعوب للقوى الأجنبية أنها ديمقراطية، وتحقق الحرية، وتدافع عن الشعوب، وتعيد لها اعتبارها! ولكن في المقابل تشتد قبضة الأعداء بينما الرؤساء يذهبون بما يكفيهم من الأموال الطائلة، والتي يتولون استثمارها بمشاركة الأعداء، وقد يعلنون تجميدها لأي اعتبار من الاعتبارات، نسأل الله أن يجعل كيد الأعداء في نحورهم ويكفينا شرورهم.ثم إن النصوص التي تخبر عن ملاحم تحصل بين المسلمين والكفار لا يمكن تصورها إلا بتواجد متقارب أو مختلط بين المسلمين والكفار.تلك الدول الأوربية والأمريكية حين أصيبوا بالأزمات الاقتصادية، وقتل جنودهم في العراق وأفغانستان، وطلبوا من العرب المشاركة في القتال فوجدوا تلكؤاً في الكثير منهم، فقالوا لماذا ما نجعلها في وسطهم إذا استفدنا وقوع حروب أهلية وأزمات في وسط الدول العربية، وحتى تتقوى قبضتنا على الثروات وتسوق أسلحتنا، وتتنامى الحروب الطائفية والنزاعات، ويتم التجديد للإستعمار في صالحنا! ومما يقوى هذا الجانب أننا لا نجد أي نزاع مشابه لهذه الثورات في الدول الأوربية أو الأعجمية، أو حتى غير المستهدفة!وأما الشعوب العربية فقد وجدوا الفرصة المتاحة التي ينتظرنها، وتنادوا بأنها فرصة قد لا تعوض، فركبوا الموجة، والكثير منهم نحسبهم مخلصين حين خرجوا سعيا في إرساء العدل ونشر الصلاح ومحاربة الفساد، وقالوا هذه أحسن مناسبة لنقوم بدورنا في إبلاغ ما أوجب الله علينا، والكثير منهم إنما خرجوا لأجل الموافقة لمن يتوسمون فيهم الصلاح، وخرجوا يعبرون عن رغبتهم تحت إشاعة المناداة بتحسين الوضع، ومحاسبة الرؤساء والإطاحة بالأنظمة، وليخرج صاحب الحقد حقده وليخرج صاحب المطالب مطالبه، وليخرج صاحب الانتقام انتقامه، وليخرج صاحب الاحتجاج احتجاجه ولا يشك عاقل أنه اندس كذلك في تلك الثورات أناس يعملون لحساب الطابور الخامس، ولا ننسى أن المنطقة قد استعمرت قبل قرون من البرتغال والفرنسيين والبرطانيين وغيرهم، فما الذي يضمن -ولا يزال الكلام لمن يرى ويستدل أنها وافدة- ألا تكون هذه الثورات المفاجئة الغرض منها البدء في الانقضاض على تقاسم الكعكة، لا سيما ونحن نرى القوى الأجنبية في أمريكا وأروبا ومن يدور في فلكهم تستخدم الأساليب والأوراق التي تجعل الشعوب تستغيث بهم وتستنجد بهم، وتنتظر القرارات من مؤتمراتهم وقوانينهم، والكل يشاهد وسائل الإعلام أنه بمجرد أن يقوم أحد أولئك بمؤتمر تقطع برامجها وبثها، لتوجه كافة المشاهدين والمستمعين إلى ما يقوله، وما يجيب به عن أسئلة الصحفيين، وقد بات معلوما بشهادة الوحي المنزل من عند الله ثم بشهادة التاريخ أن الأعداء وبالأخص اليهود الصهاينة يسعون ليل نهار لزرع وبقاء النزاعات والاختلافات والحروب الطائفية والمذهبية والحزبية والثأرية، والتشرذم في البلدان المسلمة، فكيف والحالة ما ذكر يرجى منهم نصر وولاء للمسلمين، فيجب على المسلمين أن يطلبوا النصر من الله وحده، وبالأسباب التي تؤهلهم لا ستحقاق النصر من ربهم، وصدق الله عز وجل قال تعالى: (.. وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) وقال تعالى: ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقال تعالى: ( ولا تركنوا إلى الذي ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دزن الله من أولياء ثم لا تنصرون، وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين، واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرص إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين، وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) فسبحان الله الذي جعل كلامه معجزا، فهذه الآيات تصور لنا المشهد بكل بلاغة وإعجاز.والذي أريد أن أقول إن الأمة الإسلامية مكتفية من ناحية القوة الدينية والمنهجية الإسلامية في الوحي المنزل من السماء، وهو القرآن والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وإنما تحتاج الأمة الإسلامية إلى العمل الصالح المتطابق مع ذلك المنهج القرآني المعصوم، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم. ومهما يكن من أمر فما هو الدور الذي ينبغي أن يقوم به المسلمون، في هذا المعترك؟! أقول ينبغي استغلال الفرصة للكلام بالحق، واستغلال الفرص، يتمثل في أمور منها عقد لقاء في الرابطة الإسلامية، أو مجمع فقهي يدعى له كافة أو أكثر العلماء،الذين تجردوا لقول الحق، بعيدا عن كل الضغوط والمراهنات، ليتبادلوا الرأي والشورى في المصير الصحيح، وسيستدعون الظروف ويحللون المسائل، وينظرون في ترجيح المصالح، فيأخذون أعلا المصالح ولو بارتكاب أدنى المفاسد، أقول هذا وأنا أتفاءل بعودة الملكية للقرارات إلى المسلمين، لا سيما علماؤهم وعقلاؤهم، فعسى أن يكون قريبا، وعلى المسلمين أفرادا وجماعات من علمائهم وعقلائهم كل في دوره، من استطاع منهم أن يستغل الفرصة لإصلاح ما، ولو جزئيا، بطرق مدروسة ومستوعبة يستيقن فيها أو يغلب على ظنه ترجيح المصلحة، فمن توفرت له هذه الاعتبارات من المسلمين فقد وجب عليه القيام بذلك، (وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز)، وقد جاءت آية في كتاب الله في سورة النور جامعة لأسباب النصر والتمكين، وهي قول الله تعالى: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).ولا شك أن رحيل العملاء من العلمانيين والملحدين، في أي بلد كانوا وغيابهم عن مشهد التحكم في مصير الشعوب أمر يصب في مصلحة المسلمين، في كثير من الأحوال، أو في جلها إن لم يكن في كلها، لكن أقول هل هذا البديل هو خلافة إسلامية؟! نسأل الله أن يكون ذلك أول خطوة للوصول إلى خلافة إسلامية، ولا شك أن ألف خطوة تبدأ بخطوة.هذا وإن كان فيما يظهر أن الخطة المعدة من أعداء الإسلام والمسلمين لهذه الثورات الشعبية أنها تضيف إلى تضاعف الأحزاب في المنطقة تضاعفات أخرى، وتظل النزاعات والشقاقات مستمرة، تفعيلا لمبدأ ( فرق تسد)، إلا أنه ينبغي أن لا يغيب عنا أن الأعداء قد يريدون مكرا بالمجتمعات المسلمة، فينقلب الأمر ويصير حسرة على الكافرين، ويدب في قلوب الشعوب المسلمة الحب للنضال والجرأة في تنامي المقاومة، وينكسر حاجز الخوف، ومن أكبر الأمثلة على ذلك والتي خيبت خطة الأعداء حرب غزة، تلك البلاد المحدودة جغرافيا والتي حوصرت واقعيا، والتي أرادوا إطفاء جذوتها وتسليمها لعملائهم، إلا أنها كانت سببا في يقظة الشعوب، وتحركت المظاهرات والاحتجاجات من جاكرتا حى الرباط، ومن أنقره واسطنبول حتى أرخبيل جزر القمر، وخلقت في قلوب الشعوب المسلمة محبة غير مسبوقة للمقاومة، ويذكرنا ذلك بقول الله تعالى: ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب …. ) الآيات وبقوله عز وجل ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم)، فيكون الأعداء أرادوا بها التفريق فإذا هي تنتج التوفيق، وأرادوا بها زرع الاختلاف فإذا بها تحدث الألفة، وأرادوا بها المحنة فإذا بها منحة، ولله مشيئة كونية وشرعية تتجلى في كل ما يجري في الكون، لا نحكم أنه شاءها إلا بعد تحققها في الواقع، ولله الأمر من قبل ومن بعد ولا راد لحكمه، ولا غالب لأمره سبحانه وتعالى عما يشركون.