هاهي قوى أحزاب معركة الخندق تحتشد و تتألب من جديد و ذاك حيي بن أخطب يمشي متبخترا بين الصفوف يُمَنٌيهم و يعدهم. في غزوة الأحزاب، أو غزوة الخندق، لم تأت تلك الحشود التي حاصرت المدينة بصورة عفوية، و إنما كان هناك كير الفتنة، و تراكم تاريخ الغدر الضارب عبر الزمن لدى يهود،حتى قبل أن يقدّموا رأس نبي الله يحيى بن زكريا غدرا ؛ مهرا لبغي من بغايا بني إسرائيل..!!
كير الفتنة هذا توارثه يهود، عبر الأزمان، و تلقفه في المدينةالمنورة حيي بن أخطب الذي خطط يوما لاغتيال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، فكان غدره ذاك سببا لطرده من المدينة.
كان لفشل حيي في تنفيذ مخططه الإجرامي أن زاد الحقد استعارا في نفسه ، فأخذ يفكر و ينسج حبال غدر و مكر جديدة. فاستعان بالشيطان، و حمل كيره ، و مضى ليستعين بشياطين الإنس أيضاً.
و لّى وجهه شطر قبيلة غطفان، ينفخ في كير غدره، تحريضا فيهم بضرورة القضاء على محمد؛ لما يمثله من خطر، ثم لا ينسى أن يسند نفخ كير الغدر و الإثارة بالإغراء ، فتعهد في أن يمنح قبيلة غطفان ثمار سنة من تمر خيبر.
و راح حيي يهمس في أذن زعيم غطفان عيينة بن حصن مُكررا و مؤكدا بأن عليهم أن يستأصلوا محمدا و أصحابه. ثم تواثق الطرفان، بعد أن أخبر حيي زعماء غطفان أنه متوجه إلى قريش للغرض نفسه، و هناك في قريش ألقى في مسامعهم نتائج مكره الذي خرج به مع زعماء غطفان، مؤكدا لهم شعار الحملة العسكرية المحددة باستئصال المسلمين.
لم تهدأ نزعة الحقد و الانتقام لدى حيي بن أخطب بعد ، فما أن وصلت جموع الأحزاب إلى مشارف المدينة،حتى تسلل ابن اخطب إلى آخر قبيلة من قبائل يهود كانت ماتزال متمسكة بعهدها مع الرسول، فجاء حامل الكير ينفخ فيه كما نفخ به سابقيه، و أخذ يُمَنّي زعيمها، و يحرضه، و يستفزه، و يثيره، و يقنعه بأنه جاء يوم استئصال محمد و المسلمين، حتى بث فيه ماضي أسلافه و موروثه منهم؛ من الحقد و البغضاء، فنقض العهد و انضم إلى الجيوش المحاصِرة للمدينة من كل جانب.
و اليوم، يزداد فرح حيي أن قيصر حاضر بقوة، و متجاوز كل قيم الأخلا، و المبادئ السماوية و الإنسانية و القانونية، و حتى كسرى حاضر بدموع التماسيح، و مناورات التصريحات التي تكاد تتكشف وراءها صفقة ماكرة في ظل غفلة البلهاء المتفرجين، و من دسوا رؤوسهم في التراب فيما بدت بقاياهم ظاهرة تذروها الرياح.
حيي بن أخطب - اليوم - ينادي مرارا و تكرارا، أنه لا بد من الاستئصال، استئصال غزة.
و من حولها ترى من يردد خائفا فزعا: إن بيوتنا عورة، و هناك قد تسمع من يكرر ما قاله أمثاله من قبل: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا.
و لكن: هناك تسمع بكل قوة و ترى بكل دقة، و تشاهد، و يشاهد و يسمع معك العالم كله من يصرخ بكل قوة، و يقول بكل فصاحة:" هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما".
ألا تسمع؟ ألا ترى؟ ألا تشاهد؟ إنه طوفان الأقصى،« لا يضرهم من خذلهم»، إنهم من أهل : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".
و كفلق الشمس سيأتي اليوم أو غدا: ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا * وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيئ قديرا).