الخوف صفة فطرية في المخلوقات, جعلها الله وسيلة تجنّبها الوقوع في المحاذير, وتجعلها تعدّ الأسباب التي تبعدها عن المخاطر, والإنسان من هذه المخلوقات التي تخاف على الحاضر والمستقبل, وتعمل على توقي الشر سواء جاء من البشر أو من غيره . لكن الخوف حين يتحول إلى إدمان تصبح الحياة جحيماً لايطاق, ويغدو الشك والتهويل أمراً يفقد الإنسان الثقة بكل شيء , ربما بأهله وأولاده وأقرب الناس إليه, يرى حركات الناس وأعمالهم ليست سوى حلقات مترابطة من التآمر والكيد والمكر, وربما دفعه هذا الهاجس إلى أعمال وتصرفات تضر بالآخرين, وقد يصاب باليأس والإحباط الذي يمنعه عن العمل والتعاون مع الآخرين لأنه يراهم شراً محضاً, وكتلة سوداء من الأحقاد والضغائن التي لايجدي معها سوى الحرب والعداء, وربما القتل والاستئصال, وفي أحسن الأحوال النزوع إلى الإنزواء والإنطواء !! لقد حمل ربيع الثورات العربية بشائر التحرر من الاستبداد والضعف والتخلف والهوان الذي عانت منه الأمة, وهذه الصحوة العربية – بالحب والتعاون والثقة والتعايش والقبول بالآخر – ستصنع مستقبلاً زاهراً, وستعيد للإنسان العربي الحرية والعدالة والكرامة التي حُرم منها ردحاً طويلاً من الزمن, لكن إدمان التخوف والشك بين القوى السياسية والاتجاهات الفكرية مازال يدفع بوضع العراقيل والصعوبات في طريق هذا التحول التاريخي, وهو ما يجب أن تتنبّه له هذه القوى لتبحث عن المتفق عليه وهو الكثير, وتؤجل المختلف حوله وهو القليل, وتعمل على تنمية الثقة, وتتناسى الماضي بمآسيه وآلامه, وربما كانت التيارات الإسلامية والتيارات اليسارية أكثر من عانى من الاضطهاد خلال القرن الماضي, ولكن لابد من تجاوز الجراح والآلام والتطلع للمستقبل, ولنا من الماضي دروس وعبر! لن أذهب بعيداً, ففي اليمن تجربة فريدة تمثلت في تكتل اللقاء المشترك الذي جمع قوىً سياسية, كان يصعب مجرد اللقاء بينها فضلاً عن تخيّل اتفاقها على عمل وطني مشترك يستهدف التغيير نحو الأفضل, لكن الحكمة اليمانية تجلّت في أبهى صورها من خلال البرامج والأفعال, وهي تجربة يحسن أن تتوسع لتشمل القوى الفاعلة من أحزاب وتكتلات, ونتطلع إلى تقارب يفضي إلى جلوس جميع فرقاء العمل السياسي باختلاف أطيافهم على طاولة واحدة تتفق على المصالح العامة والثوابت الشرعية والوطنية, وتعترف بالخصوصية, وتتجه لخدمة المجتمع, وبسط العدالة والمساواة وصيانة الحقوق وبناء دولة المؤسسات, ومع عدم القفز على الواقع فإن الإصرار على النجاح سيصنع ما يراه البعض مستحيلاً, والزمن جزء من العلاج كما يقول الإمام حسن البناّ رحمه الله . لا أرى مبرراً اليوم لكثرة التّخوفات التي يطرحها البعض عن المشترك - ومن الإصلاح والقوى الإسلامية بالذات - لاداخلياً ولاخارجياً, فقط علينا أن نُرسي قواعد العدل والمواطنة المتساوية والالتزام بالدستور والقانون, ونضع ضوابط تمنع الاستبداد وتحول دون استغلال السلطة للمصالح الخاصة, ونضمن الحرية والحقوق للجميع, وبعدها لن يصح إلاّ الصحيح, وسيكون التنافس شريفاً بين من يضحّي ويخدم الشعب أكثر من غيره . سير الأوضاع جعل كل الجهود تتّجه لتغيير النظام السابق بعد استحالة عملية إصلاحه, وجاءت الثورة الشبابية الشعبية بملاحمها البطولية لتدفع نحو التغيير, وبدأت عملية نقل السلطة باختيار رئيس جديد للجمهورية, لكن المسكونين بالخوف والشكّ أخذوا يبحثون عن تجمعات جديدة تقف في وجه قوى الثورة واتهامها بالتّخلي عن الأهداف التي خرج الشباب من أجلها, وكأنه قد كُتب علينا أن نظل في صراع لاينتهي, وحذراً من استبداد من الصعب أن يعود, ونكراناً لجهود وتضحيات لاينكرها منصف, وتحميلاً لأمور لاتحتمل, وتحاملاً لايليق, يعيق ويرمي بالأحجار في الطريق, يتجاوز القواسم المشتركة, وينسى المواقف العصيبة, ويسعى لقطع حبال المودة, نقدر لأمثال هؤلاء مخاوفهم, لكننا نعيب عليهم العيش في دائرة الشكّ, وأن يتحوّل الخوف عندهم إلى إدمان ندعوهم ليتحرّروا منه!! كل إنسان لديه نزعة خير علينا أن نبحث عنها, وعنده بذرة حب يحسن أن نسقيها, ولديه مخزون من القيم يجب أن لانغمض أعيننا عن رؤيتها, واليمنيون اليوم يصنعون التغيير, وعلى العقلاء والحكماء أن يجعلوه يسير نحو الأفضل, وأن تكون النُّخب منهم دعاة محبة ووئام, لامثيري كراهية وخصام, وأن يجعلوا التفاؤل منهجاً ليصنعوا منه مستقبلاً سعيداً لهم ولمن سيأتي بعدهم.. قال إيلياء أبو ماضي: إن شرّ الجُناة في الأرض نفسٌ تتوقّى قبل الرحيل الرحيلا ! وترى الشّوْكَ في الورود وتَعمى أن ترى فوقها الندى إكليلاً ! هو عبء على الحياة ثقيلٌ من يرى في الحياة عبئاً ثقيلاً ! والذي نفسُه بغير جمال لايرى في الوجود شيئاً جميلاً !! [email protected]