في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة، وتحديات معيشية متفاقمة، يعيش المعلمون في وادي حضرموت كغيرهم من زملائهم في مختلف المحافظات، واحدة من أسوأ مراحلهم المهنية، وسط بيئة تعليمية تفتقر إلى مقومات البقاء والتطور، لا سيما وأن الرواتب لا تكفي للحد الأدنى من احتياجاتهم. رئيس نقابة المعلمين بوادي حضرموت، الأستاذ ياسر طناف بن طالب، سلط الضوء عن حجم المعاناة التي يكابدها المعلمون، متحدثًا عن أبرز التحديات، والإنجازات التي حققتها النقابة، وموقفها من الإضرابات، ورؤيتها المستقبلية لتحسين التعليم.
وقال بن طالب في حديثٍ خاص مع "الصحوة نت"، إن النقابة لا تنظر لنفسها كجهة مطلبية فقط، بل تسعى إلى التحول لمنصة تطوير بيئة التعليم والنهوض بالمعلم، مؤكدًا أن الدفاع عن حقوق المعلمين لا يتعارض مع استمرار العملية التعليمية، بل هو ضمان لاستمرارها وتحقيق أهدافها.
معاناة المعلمين وتدهور أوضاعهم أوضح رئيس نقابة المعلمين أن واقع المعلم في وادي حضرموت يعكس الحالة المزرية التي وصل إليها قطاع التعليم في عموم البلاد، مشيرًا إلى أن الراتب الشهري لم يعد يغطي الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية.
وأكد أن هذا الوضع أجبر شريحة واسعة من المعلمين على البحث عن أعمال إضافية لتأمين لقمة العيش، وهو ما انعكس سلبًا على أدائهم التربوي، وقلل من جودة العملية التعليمية التي تعتمد بشكل رئيسي على جاهزية واستقرار المعلم.
وأشار إلى أن البيئة التعليمية بدورها تعاني من تدهور كبير، إذ تفتقر كثير من المدارس إلى التجهيزات الأساسية والمستلزمات التعليمية، فضلًا عن غياب برامج التدريب والتأهيل المستمر التي يحتاجها المعلم لمواكبة التطورات.
وقال بن طالب إن أبرز التحديات التي تواجه المعلمين في وادي حضرموت اليوم تتمثل في الانهيار المستمر للعملة الوطنية، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ما أدى إلى تآكل القيمة الشرائية للرواتب الشهرية بشكل شبه كامل.
وأوضح أن الراتب الشهري للمعلم في الوادي لا يتجاوز ما يعادل 150 ريالًا سعوديًا، وهو مبلغ لا يغطي حتى أدنى الاحتياجات المعيشية، ويضع المعلم في موقف مالي صعب يعجز فيه عن الوفاء بالتزامات أسرته الأساسية.
واقع التعليم في حضرموت أشار بن طالب إلى أن الفروقات بين أوضاع المعلمين في حضرموت وبقية المحافظاتاليمنية تبقى محدودة، وتكاد تقتصر على بعض الحوافز التي تُصرف من قبل السلطات المحلية في عدد من المناطق، دون أن تمس الجوانب الجوهرية للأزمة.
وأكد أن المعاناة التي يعيشها المعلمون متشابهة إلى حد كبير في مختلف المحافظات، حيث يشترك الجميع في تدني الرواتب، وانعدام التأمين الصحي، وضعف البيئة المدرسية، وغياب أي خطط استراتيجية لتحسين واقع التعليم.
وكشف بن طالب عن عدد من الإنجازات التي حققتها النقابة خلال الفترة الماضية، مشيرًا إلى أن أبرزها كان تشكيل "مجلس تنسيق النقابات التعليمية" بوادي حضرموت، والذي ساهم بشكل كبير في توحيد الصفوف وتنسيق المواقف.
وأوضح أن هذا المجلس قاد حملة إضرابات واسعة استمرت نحو ستة أشهر، ونجح في إيصال صوت المعلمين إلى الجهات الرسمية، ولفت الأنظار إلى ما يعانونه من تهميش وإهمال متعمد لحقوقهم ومطالبهم الأساسية.
مبادرات النقابة وخياراتها النضالية أطلقت نقابة المعلمين بوادي حضرموت عدة مبادرات خدمية، من بينها مبادرة لتوفير خصومات في المستشفيات والمرافق الصحية للمعلمين، بالإضافة إلى وضع تصورات متكاملة لمشاريع إسكانية وخدمية تهدف لتحسين حياة المعلم. بحسب حديثه.
وأكد رئيس نقابة المعلمين في وادي حضرموت وجود تواصل دائم مع السلطة المحلية، مشيرًا إلى حرص النقابة على بناء شراكة فاعلة مع الجهات الرسمية لتحقيق مطالب المعلمين وتطوير القطاع التعليمي.
موضحا أن النقابة طرحت مؤخرًا مبادرة تهدف إلى منح المعلمين امتيازات في المستشفيات الحكومية، وقد لاقت المبادرة وعودًا إيجابية من عدد من الجهات المحلية التي أبدت استعدادها لمتابعة التنفيذ.
وشدد على أن النقابة تعتمد طريق الحوار أولًا، وتسعى لرفع المطالب للجهات المعنية بشكل مستمر، كما تلجأ إلى استخدام وسائل الضغط المشروع في حال عدم الاستجابة.
وقال بن طالب إن النقابة اضطرت مؤخرًا إلى اللجوء للإضرابات، بعد استنفاد كل وسائل الحوار مع الجهات الرسمية، مؤكدًا أن النقابة تعتبر الإضراب وسيلة اضطرارية وليس هدفًا بحد ذاته، وتحرص أن يُدار بشكل منظم ومسؤول.
وأشار إلى أن المطالب التي حملتها الإضرابات تمثلت في تحسين الرواتب بما يتناسب مع غلاء المعيشة، صرف المستحقات المتأخرة، وتوفير بيئة تعليمية لائقة، إضافة إلى ضمان الرعاية الصحية والاجتماعية للمعلمين وأسرهم.
واقع المعلم ينعكس على جودة التعليم وأكد بن طالب أن النقابة تؤمن بأن التعليم رسالة يجب ألا تتوقف، ولكنها - وفق حديثه- "لا يمكن أن تبنى على أكتاف معلم منهك"، مشيرًا إلى أن النقابة تدير هذا التوازن بحذر شديد، وتضع المصلحة التعليمية في صلب أولوياتها.
وأوضح أن النقابة تعتمد مبدأ التدرّج في المطالب، فتبدأ بالحوار والمراسلات الرسمية، ثم تنتقل إلى التصعيد السلمي في حال عدم التجاوب، مع التأكيد على أن الإضرابات لا تعني إيقافًا شاملًا للعملية التعليمية.
وقال إن الوضع الاقتصادي الصعب في اليمن ترك أثرًا كارثيًا على التعليم في وادي حضرموت، مؤكدًا أن جودة التعليم لا يمكن فصلها عن واقع المعلم المعيشي والنفسي.
وأضاف أن المعلم الذي لا يجد قوت يومه، ولا يستطيع توفير احتياجات أسرته، ولا يتمتع بالاستقرار الوظيفي والمعيشي، لا يمكن أن يؤدي واجبه التربوي بكفاءة، مشيرًا إلى أن تدهور الأوضاع ينعكس على مستوى التعليم ككل.
الرؤية المستقبلية للتعليم والنقابة وفيما يتعلق برؤية النقابة وبرامجها في المستقبل، أشار بن طالب إلى أن نقابة المعلمين بوادي حضرموت تضع ضمن أولوياتها خططًا تطويرية لتحسين أداء المعلمين، وتهيئة بيئة تعليمية صحية ومحفزة.
وأوضح أن النقابة تعمل على تعزيز ثقافة التدريب والتأهيل المستمر، وتسعى لتوفير شراكات لتطوير البيئة التعليمية، إضافة إلى مشاريع خدمية تهدف لدعم الجوانب الصحية والاجتماعية للمعلمين وأسرهم.
وكشف عن وجود تنسيق فعّال مع باقي النقابات، لافتًا إلى أن التجربة أثبتت أن توحيد الصف النقابي يساهم بشكل كبير في تعزيز المواقف وتحقيق النتائج، وأن النقابة تقيم هذا التعاون بشكل إيجابي جدً