الفوضى السياسية والاقتصادية وكذا الاضطراب الإعلامي الذي تركه دونالد ترامب رئيس أمريكا خلفه بعد زيارة عاصفة إلى الشرق الأوسط وبالتحديد زيارته إلى مشارف الجزيرة والخليج قد أقامت الدنيا ولم تقعدها وأثارت شجون السياسيين والقوى الاجتماعية وكذا عملت على هز المكونات الإعلامية والوجاهات السياسية والمجتمعية التي مازالت تعيش توابع ذلك الاهتزاز القوي لزيارة أثمرت في رفد الخزانة الأمريكية وأتخمت البنوك الأمريكية بتريليونات الدولارات. وجاءت زيارة ترامب وكأنها إهتام الراعي الأكبر على القطيع العربي فقد تسابق العرب على إقامة الضيافات والكرم الحاتمي بشكل مبهرة فبعضهم فرش السجاد الأحمر وبعضهم حول السجاد الأحمر إلى لون سوسني هادئ مراعاة لنفسية ترامب والوفد المرافق له.. وبعضهم جهز الخيول العربية للاستقبال وبعضهم رش عطر العود الباهظ الثمن وأضاف البخور الجاوي المعتبر والمُر والصبر السقطري لصرف عيون الحساد.. وعمل العرب من هذه الزيارة منعطفاً خطيراً في حياة الأمة وفي تاريخ المنطقة.. ولم تتردد الفضائيات العربية الملونة على التغطية المباشرة وعلى تجسيد الاهتمام الإعلامي حتى صارت علامة فارقة في تاريخ الاعلام.. فانبرى المحللون والمتابعون يتهافتون على هامش الزيارة ويطلون على الناس ليؤكدوا ان ما قبل الزيارة كان شيئاً وان ما بعد الزيارة شيء آخر.. في هذه الزيارة التي جاءت على أخبار أشلاء أطفال غزة وعلى أنين وبكاء اراملها وعلى ارتعاشات عجائزها وعلى مخاوف كبار السن فيها.. جاءت لتؤكد على مزيد من العجز العربي ومن التسليم والانبطاح العربي وعلى أشلاء منظومة عربية تهاوت من كل تماسك وتاهت في دهاليز اللحظات المؤلمة ..جاءت وطائرات الكيان الإسرائيلي تدك المناطق العربية وتغتال شرفاء الأمة وتهتك عرض العرب فيما المشهد العربي يزداد ضعفاً ويزداد تبعية ويصاب بمزيد من التبلد الذي يجب ان يسميه البعض من الأعراب الحياد والصمت وانتظار ما سيأتي طالما فراشه لم يداس وعبايته لم تبلل، وقميصه لم ينزع بعد وطالما انظمتهم لم يطالها العبث الإسرائيلي ولا الفوضى السياسية التي ضربت وتضرب المنطقة. وكانت زيارة ترامب محفوفة بالنعومة وبالغزل السياسي واحياناً الغزل غير العفيف المباشر ولا سيما بعد أن تأكد ان التريليونات من الدولارات قد انهالت على الخزانة الأمريكية وان السوق الامريكية تحت مسمى الاستثمار قد وصلها أكسير الحياة خاصة إذا أدركنا ان ديون الإدارة الامريكية قد وصلت الى ارقام قياسية وفلكية وان أمريكا دون المال العربي معرضة للانهيار.. ولا مانع من ان تتحول الإدارة الأمريكية الى مقاول للقتال والى قوى مستأجرة تنفذ أجندة أنظمة ورموز قيادية ومنظمات.. وقد قيل الكثير وكتب الكثير في هذا المضمار وعلى خلفية هذه الزيارة التي يحب كثيرون بوصفها زيارة تاريخية مع انها كانت اشبه بحفلة مزاد جرى فيها استنزاف الموارد العربية عنوة ولم يصل من خيرها الى المنطقة غير الرماد البركاني الضار.. فالمنطقة تسبح في بحور من الفوضى ومن التدمير ومن التدمير الممنهج.. والفقر والافقار يحتوي معظم أنظمة المنطقة.. وسياسات التحالفات المشبوهة تجري على قدم وساق.. والصراعات تنتشر من محيطها إلى خليجها.. بدءاً من مشكلة الصحراء في المغرب ومروراً بالاحتقانات في ليبيا الى الاقتتال في السودان وتهتك النسيج الاجتماعي في سوريا وتفرعن النظام في تونس.. والفاقة التي اصابت مصر والأردن.. واضطراب الرؤى والاتجاهات في العراق إلى احتدام التمزق الجغرافي في اليمن.. إلى الصراع الهندي الباكستاني الذي تفجر إلى دموية مهلكة إلى خنق الشعب الإيراني في موجة حرب اقتصادية فاتكة إلى أسئلة غامضة تغطي خليج العرب.. إلى محاولات تسعير حرب أهلية في لبنان جراء الأوتاد والدبابيس التي وضعت في دولاب الحركة فيها. ومع ذلك فان الموارد العربية وثروات العرب جاء من ينهبها ويستحوذ عليها، بل ومن يبقي الحنفية مفتوحة لتستمر في النزيف وفي إفراغ الخزائن العربية مما فيها وما يحز في النفس ويثير الريبة النتائج المرجوة من هذه الزيارة التي كانت أشبه بفقاعات صابون طارت في الهواء وتبعثرت.. إذ لم نجد أي تعاطف حقيقي أمريكي أو غربي مع مطالب الشعب العربي، بل حتى مع مطالب المنظومة في المنطقة العربية وتحديداً "الخليج" الذي تفضل ترامب لأطلاق تسمية الخليج العربي وكأنه جاء بالذئب من ذيلهٌ كما يقول إخواننا في السحول!!! وفي ذات الوقت كانت حملة الإبادة تجري بكل إصرار ضد إخواننا في غزة وشلال الدم لم يتوقف.. والانتهاكات تطال الجنوب اللبناني والجنوب السوري والصهاينة المتطرفون في تل أبيب مصرون على انهم يغيرون من ملامح الشرق الأوسط.. ويفرضون رؤيتهم حتى تمادى نتنياهو الى تحديد السياسات العربية في المنطقة.. وكل ما في الأمر ان ترامب مصر على التطبيع وعلى الاتيان باتفاقات ابرهام كاستراتيجية أمريكية إسرائيلية.. حتى تصبح إسرائيل هي المرتكز وهي المحور وبقية أنظمة العرب مجرد موظفين لدى الكيان الإسرائيلي ومن يستعصي عليه الفهم سوف يجبر بالعصا النشم الغليظة.. وهكذا تحولت المنظومة العربية الخليجية إلى مجرد جابية للثروات لكي تسلمها إلى البيت الأبيض وإلى شرايين الكيان الإسرائيلي وتبقى هي أنظمة مرتهنة تحت الطلب ليس إلا.