ارتفاع ضحايا الغارات الاسرائيلية على صنعاء والجوف    إسرائيل تحقق في فشل عملية "قمة النار" بالدوحة    رئيس إصلاح الجوف: قدمنا ثمناً باهظاً من التضحيات في المعركة الوطنية (حوار)    الإصلاح.. 35 عاماً من الحضور والعطاء    البيض: خطوة الزبيدي التصعيدية كشفت عمق الخلافات داخل مجلس القيادة ونجاحها مرهون بموقف التحالف    توقف مصنع سجائر محلية الصنع وسط انتشار انواع من السجائر المهربة    توقف مصنع سجائر محلية الصنع وسط انتشار انواع من السجائر المهربة    الإصلاح.. ثلاثة عقود ونصف من النضال السياسي وصناعة التحولات الوطنية    التاريخ يعيد نفسه… هولاكو جديد    عقوبات أمريكية جديد على 32 فردًا وكيانًا وأربع سفن على صلة ب"أنصار الله"    شعب إب يلاقي شباب المعافر وأهلي تعز يواجه وحدة التربة في ربع نهائي بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشيخ عبدالصمد علي الخطيب    ضرب اهداف في "النقب ومطار رامون" بصاروخ و3 مسيرات    تدشين توزيع مادتي الديزل والاسمنت لدعم المبادرات المجتمعية في مأرب    "يويفا" يختار ملعب أتلتيكو مدريد لاستضافة نهائي دوري أبطال أوروبا 2027    الرئيس الزُبيدي يصدر قرارا بتعيين الدكتور محمود شائف حسين مديراً لمكتب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي    سهم "أرامكو" يتراجع 17% ويسجل قاعا سنويا جديدا للمرة الثالثة هذا الأسبوع    المجرم "طارق عفاش" يقتل الآباء ويهدي أبناءهم الأيتام حقائب مدرسية    اختتام أعمال المؤتمر العلمي الخامس لأمراض القلب في إب    "عربدة "    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    مجلس المستشارين بالانتقالي الجنوبي يبارك قرارات الرئيس الزُبيدي ويؤكد التفافه خلف القيادة السياسية    تواصل عمليات الانقاذ والاخلاء جراء العدوان الصهيوني بحي التحرير    مركز الهدهد يدين العدوان الصهيوني على المتحف الوطني بصنعاء    اختتام بطولة الحباري لقفز الحواجز بمناسبة المولد النبوي    "القسام" تدعو الأمة للتضرع إلى الله الليلة لاستمطار الفرج لأهل غزة    هل يستعيد العبادي المساحات المنهوبة تحت غطاء قوانين "النفوذ"    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور مستشفى الشيخ محمد بن زايد التعليمي بشبوة    الارياني: عودة 16 قطعة أثرية إلى اليمن تتويج لجهود حكومية ودبلوماسية    نائب وزير الأوقاف يناقش سبل تعزيز دور القطاع    هيومن رايتس: صحفيو اليمن يتعرضون لانتهاكات جسيمة وندعو للالتزام بحماية حرية الصحافة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    "يمنات" يحصل على أسماء بعض ضحايا الغارات الإسرائيلية على صنعاء والجوف    الأرصاد يحذر من العواصف الرعدية خلال الساعات القادمة    الأخضر يكتب التاريخ باللقب الخليجي    عربية السلة.. سيدات العلا يكسبن القرين الكويتي    إصلاحيون على العهد    عدن .. أزمة السيولة بين قرارات البنك المركزي وعجز الحكومة عن صرف المرتبات    مواجهتان حاسمتان في ختام الدور ربع النهائي لبطولة بيسان الكروية    هيئة الآثار توجه نداء عاجل لليونسكو بشأن الغارات على منطقة التحرير    المنتخب الوطني للشباب وصيفا لكأس الخليج العربي وعادل عباس أفضل لاعب    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور مركز اللغة السقطرية للدراسات والبحوث    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إصلاح حضرموت ينعى القيادي وعضو محلي المحافظة حمد عمر مدي    محافظ حضرموت يتفقد الأعمال الإنشائية في جسر المنورة    جنيف: ندوة حقوقية تدعو الى ممارسة الضغط على المليشيات الحوثية لوقف الانتهاكات بحق التعليم    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    العثور على مدفن عمره 5500 عام في ياقوتيا الروسية    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    نهب البنك المركزي وأسعار الصرف بصنعاء وعدن وفضيحة "الإعاشات"    ضبط 86 متهماً بإعانة العدوان و7 مطلوبين للعدالة في الضالع    مدير شركة مصافي عدن: الأسابيع القادمة ستدخل الوحدات الانتاجية للخدمة    الاطلاع على تنفيذ عدد من مشاريع هيئة الزكاة في مديريات البيضاء    62 تغريدة صنعائية في حب "التي حوت كل فن": من يبغض صنعاء فإن له معيشةً ضنكًا*    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    مرض الفشل الكلوي (20)    للمعاندين: هل احتفل الصحابة بالمولد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام    حلاوة المولد والافتراء على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح.. مسيرة ثلاثة عقود في خدمة الشعب والجمهورية
نشر في الصحوة نت يوم 12 - 09 - 2025

يمثل التجمع اليمني للإصلاح، الذي تأسس في 13 سبتمبر/أيلول 1990، أحد أبرز الفاعلين في المشهد السياسي اليمني، وتتسم مسيرته بمساعي متواصلة لدعم الدولة ومؤسساتها عبر مختلف المراحل التاريخية التي مر بها اليمن منذ تحقيق الوحدة.

لم يكن التجمع وليد تلك اللحظة، بل هو امتداد طبيعي لحركة إصلاحية تجديدية عريقة في اليمن، والتي برزت عبر رموزها في مواجهة الحكم الإمامي الطبقي والاستعمار الأجنبي، وهي امتداد لحركة إصلاحية ضاربة في جذور التاريخ اليمني الحديث. هذه الخلفية التاريخية ليست مجرد سجل للأحداث، بل هي الأساس الأيديولوجي الذي يوجه مواقف الحزب اليوم، خاصة في مواجهته للمشروع الحوثي الذي يُنظر إليه على أنه عودة للحكم الإمامي الذي ثار عليه اليمنيون في ثورة 26 سبتمبر1962م.

منذ التأسيس كان الإصلاح قاعدة صلبة للثوابت الوطنية ويؤكد برنامجه السياسي على ثوابت أساسية، من بينها الحفاظ على الوحدة اليمنية كخيار وحيد للأمن والاستقرار، والنظام الجمهوري كأفضل نظام لتحقيق الاستقرار، بالإضافة إلى الدفاع عن سيادة البلاد واستقلالها. وكان طوال ذلك في السلطة أو المعارضة مضلة لحماية هذه الثوابت بمختلف أزمات البلاد وحروبها الداخلية؛ وحريصاً على حماية الهوية الوطنية الجامعة، فهو الحزب الذي يملك قاعدة جماهيرية شعبية في كل المحافظات والمدن بمختلف خلفياتهم الفكرية.

هذه ليست مقدمة للتقرير فقط بل هي أساس ما سيبنى عليه قراءة تاريخ الإصلاح منذ التأسيس حتى اليوم.



أولاً: الدفاع عن الوحدة والدولة (1990-1994)

منذ تأسيسه كأحد ثمار إعلان الوحدة، أظهر التجمع اليمني للإصلاح التزاماً راسخاً بالحفاظ على الوحدة اليمنية، والتعددية السياسية التي خلقها النظام الجديد على الرغم من الخلافات التي تنامت بين شركاء الوحدة: المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، حيث عمل الإصلاح على تقريب وجهات النظر بين الشريكين لتجنيب البلاد تفاقم الأزمة السياسية التي تفاقمت بحدوث صدام مسلح.

عندما وصلت الأزمة في حرب صيف 1994م، وجد الحزب أمام خيارين استراتيجيين: إما أن ينأى بنفسه عن الصراع ويترك الدولة لتواجه مصيرها، أو أن يلتزم بثوابته ويشارك بفعالية إلى مؤسسات الدولة الشرعية. وقد انحاز الحزب إلى الخيار الثاني، معتبراً أن التشطير هو خيار الشعب ولن يتم بالقوة العسكرية ونتيجة صراع طرفين على السلطة. وكان الحزب في ذلك متناغماً مع إرادة الشعب الرافض للانفصال والداعي إلى حل الخلافات بالحوار. ويعتبر الحزب أن "الوحدة هي أهم المكتسبات اليمنية على الإطلاق".



ثانياً، المشاركة السياسية.. سلطة ومعارضة (1993-2010)

فيما يتعلق بالمشاركة السياسية لحزب التجمع اليمني للإصلاح كحزب في السلطة والمعارضة خلال الفترة من 1993 إلى 2010، يمكن تحليل هذه المرحلة المفصلية من خلال عدة أبعاد، بما في ذلك تحالفاته، أداؤه الانتخابي.

الائتلاف الحكومي (1993): بعد أول انتخابات تعددية جرت في عام 1993 شكل ائتلاف حكومي من الإصلاح والاشتراكي والمؤتمر. هذه المشاركة اتاحت للاشتراكي والإصلاح التفاعل المباشر بشكل أوسع، وأظهر قبول كل طرف للآخر. من الملاحظ أنه لم تقع مصادمات أو خلافات في العمل الوظيفي بين ممثلي الاشتراكي والإصلاح ضمن هذا الائتلاف، بل على العكس، لوحظ أن العلاقات الشخصية بين ممثلي الطرفين كانت تتنامى بشكل إيجابي.
تعتبر هذه الفترة ذات أهمية بالغة ستحدد مسار العمل السياسي لاحقاً في اليمن، قبل الإصلاح والاشتراكي أن الأحزاب هي أطر سياسية وتنظيمية تعبر عن مصالح ورؤى مختلفة، وأن الاختلاف بينها يرتبط بتباين في هذه الرؤى والمصالح وجميعها تنعكس على خدمة المجتمع ولا علاقة له بالثوابت الدينية والفكرية التي تنطلق منه التيارات السياسية.

التحول نحو المعارضة وتداعيات حرب 1994: بعد حرب 1994 أدرك التجمع اليمني للإصلاح أن الرئيس علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام كان يتبعان سياسة إقصائية تجاهه، مشابهة لتلك التي اتبعها لإقصاء الحزب الاشتراكي. في مطلع عام 1996، ومع بدء الإعداد للانتخابات النيابية، تم تجاهل دور التجمع اليمني للإصلاح في اللجنة العليا للانتخابات وفي الائتلاف الحكومي. هذا الوضع دفع التجمع إلى التساؤل حول مستقبل الديمقراطية، الأحزاب، والتعددية. دفعه هذا التساؤل إلى خطوة جديدة نحو الانفتاح على الحزب الاشتراكي اليمني وكل القوى السياسية الديمقراطية. نتج عن هذا الانفتاح توقيع التجمع مع أحزاب مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة على "البرنامج التنفيذي لضمان انتخابات حرة ونزيهة" بتاريخ 27 أغسطس 1996، والذي يعتبر النواة الأولى لقيام اللقاء المشترك- كما تقول سارة فيليبس في دراسة (2007) حول الإصلاح السياسي في اليمن.
تأسيس اللقاء المشترك وقوة المعارضة (2003-2010): يعتبر هذا التحالف واحداً من أكبر الانعطافات السياسية في تاريخ اليمن وفي التجربة السياسية المعارضة في الوطن العربي وتجربة جديرة بالدراسة. حيث ضم هذا التكتل أحزاباً ذات أيديولوجيات متناقضة تماماً، مثل التجمع اليمني للإصلاح (الذي يتبنى فكراً إسلامياً)، والحزب الاشتراكي اليمني (الذي يمثل اليسار)، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري (الذي يتبنى فكراً قومياً(، حيث يمثل نقطة تحوّل جوهرية للإصلاح حيث تبنى "السياسة العملية" والمدرسة الواقعية بدلاً من الكلاسيكية التقليدية، وقيادة التحالفات المعقدة لتعزيز دور المعارضة في المناخ السياسي.
هدف اللقاء المشترك إلى ترسيخ النهج الديمقراطي والشوروي وضمان انتخابات حرة ونزيهة، وتحقيق التداول السلمي للسلطة. في عام 2005 أقرّ اللقاء المشترك 2005 لائحتين تنظيميتين: "اللائحة الأساسية المنظمة لعمل اللقاء المشترك" و"اللائحة المنظمة لعمل فروع اللقاء في المحافظات"، مما أوجد أطراً تنظيمية موحدة لعمل التحالف على الصعيدين المركزي والمحلي.

لقد دفع الإصلاح نفسه ومعه بقية حلفاءه إلى أن أحزاب سياسية تحديثيه (كما يقول الدكتور محمد المخلافي في دراسته آفاق الإصلاح السياسي في اليمن). أثبت هذا التحول قدرة الحزب على التكيف وقيادة تحالفات معقدة، ونجح في تحويل المعارضة من حالة "نقدية اعتيادية" إلى "معارضة جماهيرية" فاعلة.

في فبراير/شباط2009 اتفق اللقاء المشترك مع حزب المؤتمر الشعبي العام على وقف الانتخابات لمدة عامين من أجل احداث إصلاحات دستورية حيث كانت البلاد تواجه تحديات كبرى تهدد الكيان الوطني بالانهيار، بما في ذلك الانسداد السياسي، والانقسام الوطني (القضية الجنوبية وحرب صعدة)، والأزمة الاقتصادية، والفساد ونيّة السلطة التوريث. ولترسيخ مسار التحديث تبنى اللقاء المشترك في 2009 رؤية سياسية استراتيجية تهدف إلى إيجاد عقد اجتماعي جديد من خلال كتلة تاريخية للتغيير، وأصدر وثيقة "مشروع رؤية للإنقاذ الوطني". ركز هذا المشروع على العمل من أجل تغيير شامل في اليمن، يشمل إقامة دولة القانون، وتحقيق الانتقال الديمقراطي والتنمية والتحديث. كما اعتبر اللقاء المشترك أن حل القضية الجنوبية وقضية حرب صعدة هو المدخل العملي للتغيير. اقترح اللقاء المشترك تغييرات جوهرية في شكل الدولة والنظام السياسي لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وتبنى نظام الحكم البرلماني وثنائية السلطة التشريعية (مجلس النواب ومجلس الشورى)، مع تعزيز صلاحيتها الرقابية. كما ركز على إصلاح السلطة القضائية لضمان استقلالها التام، ودعا إلى تغيير النظام الانتخابي إلى النظام النسبي. كما أكد على حياد أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، والمال العام، والوظيفة العامة، ووسائل الإعلام في المنافسة السياسية. رفضت الحكومة الرؤية وزاد الانسداد السياسي في اليمن وهو ما أدى إلى ثورة 2011م.

المشاركة في الانتخابات النيابية وأداء الإصلاح (1993-2003): في الفترة ما بين 1993 و2003، شهد أداء حزب التجمع اليمني للإصلاح تراجعًا في عدد المقاعد التي فاز بها في الانتخابات البرلمانية، حيث انخفض من 66 مقعدًا في انتخابات 1993 إلى 53 مقعدًا في 1997 ثم إلى 45 مقعدًا فقط في انتخابات 2003. كشفت هذه النتائج عن سعي حزب المؤتمر الشعبي العام إلى التفرد بالسلطة، على الرغم من أن تقارير مراقبة الانتخابات أشارت إلى تنامي شعبية التجمع اليمني للإصلاح في المدن والمراكز الحضرية، مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي حيث كان له حضور أقوى في المناطق القبلية.
وتُعتبر الانتخابات الرئاسية لعام 2006 بمثابة اختبار حقيقي لقوة "اللقاء المشترك" وحزب الإصلاح، حيث قرر التكتل تقديم مرشح مشترك للمرة الأولى، وهو المهندس فيصل بن شملان، في مواجهة الرئيس علي عبدالله صالح. رغم أن النتائج الرسمية أظهرت فوز صالح بنسبة 77.2%، إلا أن حصول بن شملان على نسبة 21.8% من أصوات الناخبين كان بمثابة إنجاز كبير وأثار الدهشة. حيث اعتبرت أحزاب "اللقاء المشترك" أن هذه النتيجة كانت بمثابة رسالة واضحة لنظام صالح بأن حكم الحزب الواحد قد انتهى.



ثالثاً، الحراك الثوري والانخراط في الحوار الوطني (2011-2014)

فشلت السلطة بناء الإصلاحات الدستورية والمظالم، ووصل الانسداد السياسي إلى أسوأ نقطة بفعل مرواغة الحكومة، وهو ما أدى إلى خروج اليمنيين إلى الشوارع مطالبين بالتغيير في فبراير/شباط 2011. شكّل شباب التجمع اليمني للإصلاح "العمود الفقري" للثورة الشعبية السلمية التي انطلقت مما دفع بالقيادات الحزبية إلى الانخراط في الميدان بعد عقود من المساومات السياسية مع نظام علي عبد الله صالح. وقد ساهم الحزب في ترشيد مسار الثورة وتجنب الانجرار نحو العنف.

رغم تردد الإصلاح في البداية بشأن فكرة إسقاط النظام، إلا أنه انخرط في دعم المبادرة الخليجية التي نصت على نقل السلطة من صالح إلى نائبه هادي، وتشكيل حكومة وفاق وطني، والتي أعادته إلى ائتلاف حاكم ضم معظم الأطراف السياسية اليمنية وامتلك حزب المؤتمر نصف أعضائها.

في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي أعقب الثورة، قدم الحزب رؤيته للحكم الرشيد، والتي ارتكزت على مبدأ الفصل بين السلطات، ونظام اللامركزية، وإعادة التوازن بين الدولة والمجتمع؛ ونظام الحكم القائم على الأقاليم. كما أكد في رؤيته على ضرورة تبني نظام الحكم البرلماني وتحقيقًا للإدارة الجماعية التي تعبر عن الإرادة الديمقراطية للشعب. ومن أهم المطالب التي تقدم بها الحزب في المؤتمر كانت ضرورة بسط نفوذ الدولة على كافة مناطق البلاد، ونزع السلاح من جميع الميليشيات المسلحة، وخاصة جماعة الحوثي التي كانت تسيطر على مناطق واسعة في شمال اليمن.



رابعاً، المواجهة الوجودية ودعم استعادة الدولة (2014 - 2022)

بينما كانت البلاد في مرحلة انتقالية كان "تمرد الحوثيين" يبني خططه للسيطرة على البلاد واقتلاع العمل السياسي والديمقراطية. وحذر الإصلاح مراراً من تحركات الحوثيين، وفي يوليو2014 عندما اجتاح الحوثيون محافظة عمران طالب الإصلاح باعتبار الجماعة المسلحة حركة إرهابية. وكان الحزب في مقدمة المحذرين من زحف المليشيا الحوثية نحو صنعاء في عام؛ وبعد سيطرتهم على العاصمة، أدان الحزب الانقلاب فورًا وأعلن مساندته الكاملة للسلطة الشرعية. اعتبر الإصلاح هذا الانقلاب "أسوأ انقلاب في تاريخ اليمن" لأنه "أسقط الدولة وشن حربًا شرسة على الحياة السياسية".

أدى انتشار الحوثيين إلى إغلاق ومصادرة بعض أصول شبكة الإصلاح الكبيرة لأنشطة التعليم والعمل الخيري والإعلام. ظل حزب الإصلاح، يشارك في مفاوضات برعاية الأمم المتحدة مع معرفتها أن هدفها تثبيت انقلاب الحوثيين.

في مارس/آذار 2015 أعلن تحالف عربي تقوده السعودية دعمه للسلطة الشرعية التي انقلب عليها الحوثيون. كان الإصلاح هو الطرف الوحيد الذي أعلن دعمه الصريح لعمليات التحالف ضد الحوثيين. هذا الدعم استفز الحوثيين لملاحقة أعضاء الإصلاح في المناطق الخاضعة لسيطرتهم واعتقل الآلاف منهم. وبرز الحزب ك"أكبر طرف يمني مساند للسلطة الشرعية"، حيث كان في مقدمة المدافعين عن عدن وتعز ومأرب، وقاد أعضاءه وقيادته تشكيل المقاومة الشعبية التي حررت مساحات واسعة من البلاد.

ومع العمل المسلح يغيب الفعل السياسي إلا في تحريك المجتمعات من أجل حماية بنيان الدولة القطرية أو إعادة بناءها كما فعل الإصلاح. وانخرط أعضاءه مع مجتمعاتهم في المقاومة الشعبية دون اعتبار للانتماءات الحزبية أو الأيديولوجية أو المناطقية. تجمع مع الجميع تحت راية واحدة هي "المقاومة الشعبية" لحماية الثوابت الرئيسية "الجمهورية والوحدة" ضد عودة النظام الإمامي الذي ينخر لتدمير الهوية الوطنية الجامعة لصالح الطبقية والتمييز العنصري.

ومنذ 2017 نشأ موقف حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإصلاح) من المجلس الانتقالي الجنوبي وهو موقف معقد ومتعدد الأوجه، يتسم بالرفض الأساسي لتوجهاته الانفصالية، وواحدية المعركة ضد الحوثيين. ولأجل ذلك تعرضت كوادر الإصلاح في جنوب اليمن، وخاصة في عدن، للاغتيال والمضايقة من قبل التشكيلات المسلحة ، مثل قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الشبوانية والحضرمية التابعة للمجلس الانتقالي.

يعتبر الإصلاح أن القضية الجنوبية يجب أن تُحل ضمن إطار الدولة اليمنية الموحدة، ويرفض التأكيد على القضايا التي تستند إلى الهوية في الجنوب، وأن يصادر فصيل واحد إرادة الشعب اليمني سواءً في الشمال أو الجنوب، مفضلاً التركيز على الحاجة للإصلاحات السياسية على المستوى الوطني بدلاً من تعزيز الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.



خامساً، التكيف مع التحولات السياسية (2022 - 2024)

رحب حزب الإصلاح بمشاورات الرياض 2022 التي دعت إليها دول مجلس التعاون الخليجي، معربًا عن تفاؤله بأنها ستقود إلى توحيد الرؤى وإنهاء معاناة الشعب اليمني. وقد أكد الحزب دعمه الكامل للمجلس الرئاسي باعتباره الممثل للشرعية، وسعى إلى توحيد كافة التشكيلات العسكرية تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية. كما انخرطت قياداته في حراك دبلوماسي، بما في ذلك لقاءات وفد من الحزب بقيادات صينية للتأكيد على دعم الإصلاح للشرعية ووحدة اليمن، وضرورة تحقيق السلام.

على الرغم من الدعم المبدئي للمجلس الرئاسي، تطور موقف الحزب من الداعم المطلق إلى الشريك الناقد. ففي سابقة هي الأولى من نوعها، وصف عضو الهيئة العليا في الحزب، عبد الرزاق الهجري، أداء المجلس ب"المخيب للآمال". هذا التحول يعكس وعي الحزب بأن الدعم المطلق لا يكفي، وأن دوره يتطلب ممارسة النقد البناء لضمان تحقيق أهداف استعادة الدولة.

ووجه الإصلاح وقادته عديد من الانتقادات للمجلس الرئاسي أبرزها "اعتماده على المحاصصة السياسية، وتعدد المشاريع السياسية الخاصة بأطرافه، مما أدى إلى ضعف أدائه"؛ وعدم تفعيل ودمج القوى العسكرية التابعة لأعضائه تحت قيادة واحدة، وفشله في تهيئة مدينة عدن لعودة مؤسسات الدولة بما في ذلك مجلس النواب. ولتحسين الوضع، اقترح الحزب توحيد الرؤية الوطنية، وتفعيل الأجهزة الرقابية والبرلمان، ومكافحة الفساد، ومعالجة الانهيار الاقتصادي.

خاتمة

تظهر المسيرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح التزامًا مبدئيًا وثابتًا بدعم الدولة اليمنية ومؤسساتها، بدءًا من دفاعه عن الوحدة في عام 1994، مرورًا بدوره المحوري في مؤتمر الحوار الوطني، وصولًا إلى تضحياته الكبيرة في مواجهة الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران. وقد أثبت الحزب قدرة على التكيف مع التحولات السياسية، من خلال دعمه للشرعية والمجلس الرئاسي، مع ممارسة دور الشريك الناقد والمسؤول.

إن مستقبل التجمع اليمني للإصلاح ومستقبل اليمن ككل يعتمدان على قدرة الحزب على تجاوز التحديات المحلية، والتدخلات الإقليمية. على مدى ثلاثة قرون من حركة الإصلاح، وأكثر من ثلاثة عقود على تأسيس التجمع اليمني للإصلاح فإن الهدف الأول للحركة والحزب هو المجتمع: حمايته ومكتسباته، والنضال من أجل حريته وحقوقه. ومن يضع الشعب اليمني نصب عينيه ويكون "الرائد الذي لا يكذب أهله" دائماً ما يحقق هدفه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.