في اليمن حيث تتقاطع السياسة بالمجتمع وتشتبك الأحلام مع جراح الحرب، لم تكن المرأة الإصلاحية يومًا على الهامش، بل كانت في قلب المعركة منذ لحظة الميلاد الأولى للحزب. فمنذ العام 1990م، لم تدخل هذه المرأة ميدان السياسة مترددة أو خجولة، بل جاءت وهي تحمل رؤية ورسالة، لتثبت أن العمل الحزبي ليس حكرًا على الرجال، وأن صوت المرأة يمكن أن يكون ركيزة للتغيير لا مجرد صدى بعيد.
على مدى ثلاثة عقود ونصف، سارت المرأة الإصلاحية في طريق شاق، محفوف بالتحديات والقيود، لكنها لم تتراجع، صنعت حضورها في لحظات الانتصار والخذلان، بين مؤتمرات الحوار ومخيمات النزوح، بين قاعات التشريع وأروقة العمل الإغاثي، لتكتب فصلًا استثنائيًا في تاريخ المرأة اليمنية، وتجعل من نفسها رمزًا للشراكة والصمود.
ولم تكن المرأة رقمًا هامشيًا في صفوف الحزب، بل شريكًا أصيلًا في مشروعه الوطني والفكري والاجتماعي، ومع تطور التجربة الحزبية في اليمن، برزت المرأة الإصلاحية كركيزة أساسية في هياكل الحزب وفعالياته، ولعبت أدوارًا محورية في اللحظات السياسية المفصلية التي عاشتها البلاد، بما في ذلك المواجهات الكبرى مع الاستبداد، ومراحل التحول الديمقراطي، وتحديات ما بعد الوحدة.
هذا الاستطلاع يتتبع مسيرتها الحافلة، منذ انطلاقتها الأولى وحتى أدوارها الراهنة، كاشفًا كيف تحولت من شريكة في التأسيس إلى قائدة في التغيير، وكيف واجهت السقوف الزجاجية والمجتمعات التقليدية، لتظل حاضرًا لا يمكن تجاوزه في معادلة المستقبل.
حضور فاعل منذ التأسيس
تقول سارة قاسم، عضو الدائرة السياسية في التجمع اليمني للإصلاح بتعز، إن "المرأة في فكر الإصلاح تحظى بمكانة واضحة من حيث التنشئة الفكرية والوطنية، وتمثل قاعدة صلبة من القيادات النسائية القادرة على خوض العمل الاجتماعي والسياسي بثقة واقتدار."
وتؤكد شادية الصبري، مسؤولة شعبة الحقوق بدائرة المرأة في الأمانة العامة للإصلاح، هذه الرؤية بقولها: "الإصلاح ينظر إلى المرأة نظرة متوازنة تنطلق من المفهوم الإسلامي، فهي شقيقة الرجل وشريكته في المجتمع، ولها دور فاعل في النهوض بالفرد وبناء مجتمع يمني جديد."
انطلاقة غير مسبوقة
منذ اللحظة الأولى، أفسح الإصلاح المجال لإنشاء دائرة خاصة بالمرأة، في خطوة غير مسبوقة بين الأحزاب اليمنية آنذاك. وقد منحت هذه المبادرة المرأة حضورًا مؤسسيًا راسخًا، لتصبح جزءًا أساسيًا من الأجهزة التنظيمية المركزية والفرعية، وعضوًا فاعلًا في المكاتب التنفيذية والمجالس المحلية، إضافة إلى نشاطها المؤثر في مختلف القطاعات؛ التعليمية، والصحية، والاجتماعية، والنقابية، ومنظمات المجتمع المدني.
تصف أمة السلام عبدالله، عضو مجلس شورى الإصلاح، ذلك الحضور المبكر بأنه كان لافتًا، مشيرة إلى أن ما بين 300 و400 امرأة شاركن في فعالية إشهار الحزب.
وتضيف: "منذ ذلك اليوم بدأت النساء ينتسبن للحزب بوعي ونشاط كبير، لتتحول مشاركتهن من حضور رمزي إلى وجود مؤسسي فاعل، تمثل في إنشاء دائرة خاصة بالمرأة، وزيادة تمثيلها في المكاتب التنفيذية ومجلس الشورى بنسبة تجاوزت 30%".
هذا التوجه لم يكن مجرد إجراء تنظيمي، بل انعكاسًا لفلسفة الحزب ورؤيته لدور المرأة. تؤكد أمة الرحمن عارف، الصحفية والناشطة السياسية، أن الإصلاح أدرك أهمية المرأة منذ تأسيسه، فأدرج في نظامه الأساسي مبدأ أن "النساء شقائق الرجال."
وتضيف: "للمرأة حضور فاعل في مجلس الشورى، حيث تطرح آرائها وتشارك في صناعة القرار. ولولا ظروف الحرب لكانت قد وصلت إلى منصب الأمين العام أو مواقع قيادية عليا."
وتشير الناشطة السياسية تهاني محسن إلى أن البرنامج السياسي للحزب: "يهدف إلى تعديل القوانين التي تميز ضد المرأة، وتحقيق العدالة بين الجنسين في الحقوق والواجبات"، مؤكدة أن هذه المبادئ تعزز حضور المرأة على المستويين التشريعي والسياسي.
أثر الحرب والأزمات
مع اندلاع الحرب وتفاقم الأزمات، برزت المرأة الإصلاحية في أدوار إنسانية واجتماعية محورية. فقد تصدّرت أعمال الإغاثة والتعليم والدعم النفسي للأسر النازحة، لتسد فراغًا كبيرًا خلفه غياب الرجال بين جبهات القتال وفقدان الحياة.
وتشير تهاني محسن إلى أن الحرب "أثرت بشكل كبير على نشاط المرأة الإصلاحية، إذ واجهت تحديات أمنية وقيودًا على الحركة، ما دفعها إلى تحويل أولوياتها نحو العمل الإنساني."
وتضيف: "المرأة أظهرت قدرة لافتة على التكيف، وابتكرت أساليب جديدة للعمل، مثل الاستفادة من التكنولوجيا، وأسهمت بدور بارز في دعم المجتمع."
وتقول أمة السلام عبدالله: "الحرب كشفت الوجه الحقيقي للمرأة الإصلاحية؛ فهي لم تكتفِ بدورها التنظيمي، بل تصدّرت قيادة المبادرات، وكانت في طليعة مواجهة الكارثة الإنسانية."
كما تؤكد شادية الصبري: "رغم الأعباء الكبيرة التي تحملتها المرأة خلال النزوح وفقدان معيل الأسرة، فقد حافظت على دورها في دعم المجتمع والمشاركة السياسية، لتصبح نموذجًا للصمود والمسؤولية."
الإنجازات والمساهمات
لم يقتصر دور المرأة الإصلاحية على العمل الإنساني، بل امتد ليشمل المجال السياسي والاجتماعي.وتقول أمة السلام عبدالله: "شاركت المرأة الإصلاحية في الثورة الشعبية السلمية عام 2011 ومؤتمر الحوار الوطني، وأسست جمعيات مدنية وخيرية، كما خضعت لتدريبات لتأهيل نفسها ولتدريب أخريات."
وتوضح تهاني محسن أن الإصلاح دعم المرأة في مجالي "التعليم والتمكين الاقتصادي"، مشيرةً إلى أنها لم تكتفِ بالتعليم الأكاديمي، بل لعبت دورًا رياديًا في نشر ثقافة محو الأمية وتعليم الفتيات، مما جعلها ركيزة أساسية في بناء الوعي المجتمعي وتعزيز فرص النهوض. كما برزت كقوة إنسانية في مواجهة تداعيات الحرب، من خلال تقديم المساعدات والرعاية الصحية والنفسية.
وتضيف الصبري أن المرأة الإصلاحية "أسهمت بصورة فاعلة في التثقيف المجتمعي، وتصدّرت قيادة المبادرات الإنسانية، بما يعكس التزامها العميق ومسؤوليتها تجاه المجتمع."
وتشير إلى أن حضورها تجاوز ذلك ليشمل المجال الحقوقي والقانوني، حيث وقفت إلى جانب قضايا المختطفين والمخفيين قسرًا، ودافعت عنهم في المحافل الحقوقية، كما أولت اهتمامًا كبيرًا بأسر الشهداء والضحايا عبر الدعم النفسي والاجتماعي، لتبرهن أن نضالها ليس إنسانيًا فقط بل حقوقيًا وعداليًا أيضًا.
مسيرة مستمرة نحو المستقبل
رحلة المرأة الإصلاحية ليست قصة عابرة في سجل حزب أو محطة في تاريخ بلد؛ إنها ملحمة إنسانية وسياسية رسمتها أجيال من النساء اللواتي كسرن القيود، وأثبتن أن العمل العام ليس امتيازًا، بل واجب ومسؤولية.
لقد واجهن حربًا شرسة، ونزوحًا مريرًا، وفقدانًا موجعًا، لكنهن حوّلن الألم إلى طاقة، والصعوبات إلى فرص، وحافظن على خيوط الأمل في مجتمع أنهكته الأزمات، ومثلما كنَّ يومًا شريكات في التأسيس، فهن اليوم على أبواب مرحلة جديدة، يطالبن فيها بالشراكة الحقيقية في صنع القرار وصياغة المستقبل.
وإذا كان الماضي قد شهد حضورًا مشرفًا وقيادة في الميدان الإنساني والسياسي، فإن المستقبل ينادي بمزيد من الجرأة والوعي والتمكين، لتكون المرأة الإصلاحية صانعة للتغيير لا شاهدة عليه.
ففي زمنٍ تتداخل فيه أقدار الأوطان مع إرادة الشعوب، تبقى المرأة الإصلاحية دليلًا حيًا على أن النضال لا يعرف جنسًا أو لقبًا، بل يعرف الإصرار على الحياة، والإيمان بأن الغد يصنعه من يملك الشجاعة للمضي قدمًا.