تكتل اللقاء المشترك علامة مميزة وفارقة في التاريخ اليمني المعاصر, أبانت عن نضج القوى السياسية اليمنية, واستشعارها للمسؤولية الوطنية, وترفعها عن المصالح الحزبية الضيقة لصالح مشروع اليمن الجديد الموحد الذي تسوده العدالة والمساواة, وتقوم إدارته على دولة المؤسسات. استطاع (المشترك) أن يجمع شتات المعارضة اليمنية ويوجّه طاقاتها وإمكاناتها في الاتجاه الصحيح, بعيداً عن الفوضى والعبث والتخريب والانتقام, وتعامل بحنكة وحكمة مع مختلف القضايا, وتحمل المعاناة والآلام حرصاً على سيادة الوطن وسلامة المواطن, جسد الحكمة اليمانية, وفرض احترام الداخل والخارج, وهو أحد أسباب توحّد الموقف الإقليمي والدولي من القضية اليمنية, بينما ظل ذلك الموقف إزاء الدول العربية المماثلة متقلباً ومتعارضاً وسبباً في تعميق معاناة شعوبها. لقد استوعبت أحزاب اللقاء المشترك أسباب الصراعات اليمنية قديماً وحديثاً, وسلكت طريق النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات, وسعت بصبر وتؤدة لبناء دولة النظام والقانون؛ آمنت بأهمية وضرورة الشراكة الوطنية في تحمل هموم الوطن, فحرصت على إشراك مختلف القوى السياسية معها في تحمل المسؤولية. عام 2006م قدم (المشترك) المهندس المستقل فيصل بن شملان - رحمه الله - مرشحاً عنه لرئاسة الجمهورية تأكيداً لنهج الشراكة الذي سار عليه, وبعد اندلاع الثورة الشبابية السلمية دعا لتشكيل المجلس الوطني ليكون معه حاملاً لمشروع التغيير, وعند تشكيل حكومة الوفاق الوطني أسند رئاسة الحكومة للشخصية الوطنية المستقلة المناضل محمد سالم باسندوة, وأعطى وزارات سيادية مهمة لكفاءات ليست من أحزاب المشترك, كممارسة عملية لما ظل يدعو إليه - ومهما تعالت أصوات المختلفين مع المشترك - ستحفظ ذاكرة الأجيال هذا السلوك النبيل لأحزاب اللقاء المشترك التي لم تزعم – في أي وقت – احتكار الحقيقة, ولم تسعَ للعزل السياسي لأي قوىً سياسية اختلفت معها, بل قبلت بالشراكة في الترتيب وبناء المستقبل مع من أذاقوها الويلات وحرموها من كل الحقوق. المسؤولية الوطنية تفرض على أحزاب المشترك أن لا تسترخي اليوم, أو تنشغل عن التعاضد والتعاون لبناء دولة المؤسسات, وتحقيق أهداف ثورة الشباب الشعبية السلمية, وعليها أن تدرك أن المشروع الوطني الذي حملته, واستطاعت أن تصل به إلى مراحل متقدمة, هو اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى المزيد من العمل والجهد, منها أولاً؛ والتنسيق مع جميع القوى التي تؤمن بالشراكة الوطنية ثانياً, من أجل الوصول باليمن إلى بر الأمان ( وعند الصباح يَحْمَد القومُ السُّرَى )... إن أصحاب المصالح الخاصة, وذوي المشروعات الصغيرة, وجميع المتضررين من التغيير لن يتوقفوا عن نشب مخالبهم في جسد المشترك لإضعافه ومحاولة تفكيكه, وزرع الشكوك بين مكوناته - ولا عتب عليهم - لأنه أفقدهم مصالحهم وحرمهم من التَّسَيُّد والاستحواذ على السلطة والثروة, لكن المشترك الذي ينظر إلى الأمام ويحمل الهمّ الوطني – ولا يحتكره – عليه أن يدرك أنه ما زال في بداية الطريق, وأن ما بقي عليه أكثر مما أنجز , وأتمنى على وسائل الإعلام التي وقفت مع الحقوق والحريات ومصالح الشعب العليا – خلال الثورة وما قبلها وما بعدها – أن لا تنزلق إلى وهدة الناقمين على وحدة اللقاء المشترك, الكارهين للتغيير والمتضررين منه, نرجو منهم أن لا يوجهوا سهامهم لهذا المنجز العملاق الذي أصبحنا نفاخر به في المجتمعات العربية والمحافل الدولية, بل صار حُلماً تتطلع إليه القوى اليسارية والقومية والإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي, مع أن أحزاب المشترك مجتمعة ومنفردة لا تدَّعي العصمة من الخطأ, ولم تقل باحتكار الحقيقة, ولديها كامل الاستعداد لسماع النقد البناء الذي يبني ولا يهدم, يُصلح ولا يُفسد, ينصح ولا يُشَهّر, يعاتب ولا يتشَفَّى ... لقد عشت تجربة رائعة في اللقاء المشترك أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2006م, واختزنتْ ذاكرتي مواقف وطنية لا تُنسى لقيادات أحزاب المشترك, ما كان لي أن أصدّقها لولا أني عشتها مع هؤلاء العظام الذين نفخر بحكمتهم وعطائهم وتضحياتهم من أجل المصالح العليا للوطن, والشكر مفتاح المزيد الذي نتوقعه منهم, كما إن محبيهم على يقين أنهم سيظلون على مستوى المسؤولية؛ والواجب عليهم أن يعمّقوا التجربة عند قواعدهم التي قد لا يدرك بعضهم حجم الإنجاز الذي حققه المشترك خلال الفترة الماضية!! وفي نهاية هذا المقال لابد لي أن أخص بالذكر الحزب الاشتراكي اليمني – أحد أهم مكونات اللقاء المشترك - لما يتعرض له وبعض قياداته من حملة تشويه وتشكيك, وهو المستحق للتقدير والإعزاز لمواقفه الوطنية, وقدراته السياسية, ومرونته التي تجاوزَ بها المحن والظروف الصعبة, واستطاع أن يرتفع فوق الجراح, وأن يظهر انحيازه الكامل لوطنه وهوية شعبه ومصالح المواطنين على امتداد الأرض اليمنية, وتقدير خاص لأمينه العام, الاستثنائي والحكيم الدكتور ياسين سعيد نعمان. [email protected]