اعتصم الآلاف من شباب الثورة لمدة عامين في الساحات, لكن أحد لم يصدر فتوى بالجهاد. وخرج شباب الثورة في مختلف محافظات الجمهورية في مئات المسيرات الإحتجاجية السلمية, وسقط منهم أكثر من (1500) شهيداً, وما يربوا على (22) ألف جريح, عدا المئات من المعتقلين والمخفيين, ولم نسمع أحد يعلن الجهاد أو يفتي به. ورغم البطش الذي سُلط على الشباب وآلة القمع التي حصدت أرواحهم في مجازر بشرية مروعة, إلاّ أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ولم يعتدوا على جندي واحد أو بلطجي من الذين أرسلهم النظام السابق للترصد بهم وقتلهم في الشوارع والأزقة بدم بادر, ورغم دمائهم التي أهرقت في مجازر وحشية نعرفها جميعا, إلاّ أنهم مع ذلك ما أعتدوا على مؤسسة حكومية ولا اقتحموا جهازاً أمنياً, ولا بحثوا عن فتوى بالجهاد ضد القتلة والمجرمين.
وعندما اعتصموا مرة أخرى ولمدة شهر كامل أمام مقر النائب العام للمطالبة بإطلاق رفقائهم المعتقلين, لم يرموا حجراً واحداً على مقر النائب العام, ناهيك أن يفكروا باقتحامه, فأين الثرى من الثريا ؟ شتان بين الثورة والصراخ, بين ثائر يناضل لحرية بلده, وغوغائي يصنع من سيده قيداً على بلده. يكفي شباب الثورة فخاراً أنهم ماخرجوا لأجل دعوة عنصرية أو طائفية أو سلالية, وإنما خرجوا لأجل قضية وطن وشعب, ويكفي ثورتهم المباركة أنها ما تلطخت بنصرة العملاء وشبكات الجسس وأعداء الوطن.
لكن ما رأي السادة القضاة ورجال القانون بفتوى الحوثية تلك, وإعلانها الجهاد المقدس على الدولة ونظامها ومؤسساتها, وما هو التكييف القانوني للفتوى؟ وما الموقف القانوني لمن أطلقها؟ وما رأي الأحزاب السياسية التي لطالما نادت بعدم اقحام الفتوى في مسائل السياسة وعدم إخضاع الدين للأهواء وجعله طرفاً في الصراع السياسي؟ ماذا سيقولون ياترى لمن أفتى بجهادهم باعتبارهم جزء من المنظومة التي تشكل منها النظام السياسي القائم؟
وماذا ستقول المنظمات الحقوقية بشأن هذه الفتوى, وهل ستعدها إعتداء صارخ على حياة 25 مليون يمني, أم سيكون فيها نظر كون الفتوى صدرت عن مراجع دينية تنسب نفساها لسلالة الطيبين الطاهرين؟ ألا تعني مثل هذه الفتوى استحلال دماء اليمنيين وجعلهم أهدافاً مستباحة للحوثيين, ألا تعطي الفتوى (مجاهدي) الحوثي حق قتل مخالفيهم باعتبارهم عملاء ومارقين من الدين, وبالتالي يصير اليمنيون, وفق فتوى الجهاد الحوثية, في مرمى بنادق الحوثيين, ويغدوا قتلهم جهاداً وعبادة تقرباً إلى الله.
عندما أعلن الحوثيون العداء (ظاهرياً) لليهود والنصارى ورفعوا شعار الموت لأمريكا وإسرائيل, عادوا ليقولوا بأنهم لا يعنون حقيقية الموت والقتل, وإنما يقصدون بالشعار موت السياسة الأمريكية فقط, لكنهم عندما اختلفوا مع إخوانهم اليمنيين من أهل القبلة أعلنوا على الفور الجهاد ضدهم, وهو ما لم يفعلوه مع أمريكا وإسرائيل. حتى أن مفتي الحوثيين قال محرضاً: جاهدوهم بأسنانكم وبنادقكم, فإن لم تجدوا إلاّ التراب فجاهدوهم به فقد صار الجهاد فرض عين على كل قادر! الآن صار الجهاد فرض عين ضد اليمنيين ونظامهم (الكافر), أما غيرهم فليس لهم حظ من جهاد الحوثيين سوى صرخة فارغة وشعار خالي الوفاض!!
أليست فتوى الحوثيين بجهاد اليمنيين دعوة للفتنة والاحتراب ومحاولة للهروب من استحقاقات الحوار الوطني, أليست تحريض على العنف وإشاعة للفوضى وتهديد للسلم الإجتماعي ونبذ لقيم التعايش والقبول بالآخر, ومحاولة لإسكات المخالفين وإرهابهم بالحديد والنار. أي ثورة هذه التي يتشدقون بها ويزايدون بشعاراتها واستكمال أهدافها بينما هم يجوزون لأنفسهم توجيه بنادقهم إلى صدور اليمنيين وإسقاط دولتهم التي توافقوا عليها بعدما انطلقت عجلة التغيير وصارت ثورتهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق كامل أهدافها.