أمره يثير السخرية والاشمئزاز في آن واحد، ذلك السيسي الانقلابي الغادر، فهو منذ أيام عصف بالدستور، وداس بقدميه على القانون، واعتقل رئيسًا شرعيًّا منتخبًا، وأطفأ جميع أنوار الحرية والعدالة، وقطع شريان ثورة 25 يناير بعدما أطلق عليها كلاب النظام السابق وأتباعهم من (القوى المدنية) والطائفيين وغيرهم. واليوم يطلب من المواطنين النزول بكثافة وملء الميادين عن آخرها، ليكون ذلك- في ظنه الآثم- تفويضًا له للحرب على الإرهاب، التي هي- في اعتقادي الجازم- حرب على الإسلام، وعلى المسلمين، قالها الصهاينة والأمريكان من قبل، وقالها سلفه الكارهون للدين، وهؤلاء جميعًا اتضحت نياتهم بعدما لاحقوا الدعوة وطاردوا الصالحين وعذبوهم وقتلوهم تحت مظلة هذا المصطلح.
وإذا كانت تلك الدعوة الطائفية الغرض منها الحصول على صك شعبي لقتل الإسلاميين، حيث لم يكتف بما فعله بهم خلال أسبوعين مضيا من قتل وتعذيب واعتقال، فإنه في الوقت ذاته يؤسس لتقسيم مصر، ومذهبتها، وتحويلها إلى (لبنان) أخرى، منشغلة طوال وقتها بالمعارك السياسية والحشد والانسحاب، ليس لديها أمل في استقرار الأوضاع وحلول الأمن ودوران عجلة الإنتاج.
وهذه الأمور المثيرة للاشمئزاز، ليست صادرة- كما يظن البعض- عن شخص ضحل الفكر جاهل بالسياسة لا يقدر عواقب ما يفعل ويقول، بل أرى أن كل هذه المؤامرات صادرة بشكل مؤسسي، وما هو إلا مبلغ لها، ولعل فلتات لسانه فسرت الكثير والكثير مما يدبر لهذا البلد ولأبنائه الوطنيين المخلصين، فهو- على سبيل المثال- عند الحديث عن الدكتور محمد مرسي، يؤكد أنه أبلغه منذ ستة أشهر أن (مشروعهم)- أي المشروع الإسلامي، لا يصلح في مصر، وهذا كلام يفسر لغز كلمة الإرهاب التي ذكرها في خطابه، كأنه يريد أن يطمئن شركاءه في الانقلاب والآمرين به إلى أن خطط المؤامرة على مصر وعلى الإسلام سوف تنفذ بحذافيرها، غير أنه لا بد من الحصول على موافقة شعبية كبيرة، يسبقها تغرير بهذا الشعب، وتصوير الأمور على أن ما يقوم به هذا الفرعون هو الوطنية ذاتها.
يبحث شمشون عن تفويض يقتل به خيرة أبناء شعبه، وسواء اجتمع له الناس، وكثير منهم مرتزقة، أم لم يجتمعوا فسوف يقوم بانقلاب جديد، في محاولة لتنفيذ خطة إبادة ضد الإسلاميين ومشروعهم الذي ادعى أنه لا يصلح في مصر.. في الانقلاب الأول لم يكن هناك هدف له سوى الإطاحة بالإخوان من الحكم، على حساب الشرعية والديمقراطية، وانقلابه الثاني سوف يستكمل به الإجراءات الدموية التي مازلنا نشاهدها كل ساعة فى ميادين العزة، وفي كلا الانقلابيين فإنه لا يعنيه- كما قلت- ذلك الحشد الجماهيري، إنما الذي يعنيه بالدرجة الأولى هو رضاء أمريكا والصهاينة عنه، سواء امتلأت الميادين أم لم تمتلئ.
وأنا لم أر في حياتي أغبى من هذا الرجل؛ لأنه لم يأخذ درسًا واحدًا من تاريخ من سبقوه، خصوصًا أن آخرهم مازال العهد قريبًا منه، ومازال قابعًا في السجن من جراء بطشه وخيانته، وثانيًا لأنه لا يرى الواقع كما يراه الأشخاص الطبيعيون، فهناك ملايين يعتصمون بالميادين منذ أسابيع، اعتصامات سلمية راقية، تطالب بعودة الشرعية، وتتمسك بمكتسبات ثورة 25 يناير التي ألغاها انقلاب هذا التعيس، ورغم ذلك لسان حاله يقول: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم، وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن (مصالحة وطنية وعدالة انتقالية) يسمح لأفراد جيشه بذبح المصلين، وقتل النساء والأطفال، ويطلق البلطجية يستبيحون كل شيء؛ الأموال والأعراض والأرواح، في مشاهد لا تقل بشاعة عن المشاهد التي نراها على الأراضي السورية.
مما لا شك فيه أن من نكث فإنما ينكث على نفسه، وأن الموت والخراب جزاء الغادر الفاجر، وما يفعله هذا الفرعون ليس سوى نشوة القوة الزائفة التي سرعان ما تخور أمام ثبات أصحاب الحق وأهل اليقين، ووالله لسوف تكون عاقبته سوءًا، ولسوف يلحقه جهله وكبره بمن سبقوه من التعساء الفاسدين.. ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبًا. *اخوان اون لاين