مظاهرات يوم أمس، فاجئت الجميع، سواء من حيث العدد أو من حيث الجسارة .. أو على صعيد الوعي سيما أدائها السلمي الراقي والمتحضر. ما حدث يوم أمس ولا يزال حتى كتابة هذا المقال يأتي على "متن" الياسمين التونسي، وليس على هامشه.. جاء ليؤكد أن سيرة "بني هلال" لازالت تعزز وشائج النسب والقربي بين الشعبين الشقيقين في السراء والضراء.. جاء يوم أمس تتويجا لاختبار "الصدمة التونسية" في مدن ومحافظات الوادي.. حتى في البوادي البعيدة حيث يعيش المهمشون بلا أية مظلة خدمات رسمية.. وبات الرهان على دعاوى "الخصوصية" والتباين بين النموذجين التونسي والمصري.. بات توريطا للقيادة السياسية المصرية، وتضليلا حقيقيا لها. ما شهدته وتابعته لحظة بلحظة مع شبكة مراسلي "المصريون".. كان شيئا مذهلا، ولا يمكن أن يكون بمثل هذا الزخم، لولا جرعة "الحنان" التونسية.. وهي الرسالة التي لن ينفع معها "العناد" و"المكابرة".. وعلى القيادة السياسية في القاهرة، أن تنزل عند مقتضيات "الفهم المبكر" قبل أن تجد نفسها مضطرة وبعد فوات الآوان إلى أن تقسم لشعبها وبأغلظ الأيمان وتقول له: خلاص فهمتكم! العناد هذه المرة لعبة خطرة، فالحشود "الشابة" التي تدفقت بالألاف في شوارع المدن المصرية، يعتبر حدثا غير مسبوق.. في الإسكندرية وبحسب تقديرات مدير مكتب "المصريون"، كان العدد مخيفا ومرعبا.. ولو كانت تلك الكتل البشرية المشحونة بالغضب والسخط في وسط القاهرة، لكانت مصر يوم غد شيئا آخر. لأول مرة تتسع "دائر الغضب".. لم تتظاهر قاهرة "النخبة" وحدها.. باتت سلالم نقابة الصحفيين، إرثا من ماضي ما قبل نسائم الحرية القادمة من تونس الخضراء.. الخطوات اتسعت وأشواق التغيير لم تعد حبيسة الصدور.. مدن ومحافظات "الهدوء" والمنسية خلف الجري وراء أحلام اليوم الواحد.. لأول مرة تتخلى عن كسلها .. وترد على "تحية" القاهرةوالإسكندرية ب"أحسن منها". الخيارات اليوم أمام القيادة السياسية باتت محدودة.. بل نكاد نقطع بأنه لن يعد أمامها إلا خيار واحد، وهو "الإصلاح".. فالبلد بدت يوم أمس مقبلة على منعطف تاريخي مفارق لربع قرن من الظلم والقهر والتجويع والمرض.. وإن لم تبادر النخبة الحاكمة إلى "التوبة" من كل الكبائر السياسية التي ارتكبتها والتي بلغت ذروتها في انتخابات 2010 فإن الاحتكام إلى "الشارع" يظل خيارا مشروعا لكسر هذا "الإصرار" المستفز على "العناد" و"الصلف" في التعاطي مع ملف الإصلاح. [email protected]