لم يكن إعلان الوحدة في ال22 من مايو 1990 إنجازاً استثنائياً للثنائي علي صالح وعلي البيض كما يحلو للكثيرين وصفه، فمثل هذا الاعتقاد يسيئ للوحدة كهدف سامٍ ناضل من أجله أجيال في الشطرين. إعلان الوحدة لم يتم بشطارة علي عبدالله صالح ولا بطيبة علي سالم البيض. الوحدة إرادة شعب، وكان تحقيقها أمراً حتمياً مؤجلاً إلى حين. ومن سوء حظ اليمنيين أن الوحدة تمت في عهدهما. أثبت "العليان" أنهما اسم بلا مسمى، وظهرا في الحقيقة مجرد قزمين ينوءان بحمل منجز الوحدة الضخم بحجمه وكتلته. فالخطوات التي سبقت إعلان الوحدة كانت متسرعة وارتجالية بحسب اعتراف الكثيرين. لم تؤطر الوحدة بالضمانات والإجراءات التي تتناسب مع قيمتها وحجمها كحدث تأريخي بالغ الأهمية والحساسية. التسرع والارتجال في الإجراءات التي سبقت إعلان الوحدة، وما تلاها من سياسات عبثية وسلوكيات أنانية حمقاء، أدت إلى تحويل الوحدة في نظر قطاع كبير من الشعب إلى ورطة ينبغي الخروج منها بأي ثمن، حتى وإن كلف ذلك التخلي عن الهوية اليمنية للأرض والإنسان. ها هي الذكرى ال24 للوحدة تمر على اليمنيين فيستقبلها البعض وكأنها الذكرى ال24 للورطة، بينما يحتفل بها البعض الآخر على طريقة احتفال أتباع المذهب الجعفري بالإمام الغائب عجل الله فرجه الشريف. يواصل اليمنيون هوايتهم في هدر الوقت وقتل الزمن.. لا تزال عقارب الساعة متوقفة عند ظهيرة ال22 من مايو 1990، وعلى مدى 24 عاماً، فشل دعاة الوحدة في دفعها إلى الأمام، كما فشل دعاة الانفصال في إعادتها إلى الخلف. يشعر المرء بالخجل عندما يتعامل الوحدويون والانفصاليون مع الوحدة من منطلق اقتصادي بحت لا يمكن إنكار الدور الاقتصادي المعول على الوحدة ولكن، ليس من السياسة أو الاقتصاد، ولا حتى من الإنسانية، النظر إلى اليمنيين أو سواهم من بني البشر وكأنهم أسراب من الجراد وظيفتهم الأساسية التهام الأخضر واليابس في طريقهم. فمثل هذه النظرة تثبت قصوراً معرفياً لدى النخب السياسية في الطرفين والتي تختزل السياسة والاقتصاد في بيع النفط أو تلقي المساعدات والقروض الخارجية، وبناء على ذلك، يرفعون شعار "الوحدة أو الموت" في مواجهة شعار "الانفصال أو الموت". الثروة الحقيقية لليمن تكمن في طاقات أبنائها، في الشباب الذين افترشوا الساحات والشوارع لعام كامل، الشباب الذين تسابقوا نحو الموت وواجهوا الرصاص بصدورهم العارية.. في أولئك الذين قطعوا مئات الكيلومترات في "مسيرة الحياة". أولئك الشباب ليسوا أسراب جراد، إنهم فتية آمنوا بربهم وبوطنهم وبوحدتهم.. وأولئك هم الثروة الحقيقية لليمن وليست حقول النفط والغاز في شبوة ومأرب وحضرموت. [email protected]