وفقا للمعارك الدفاعية الإسلامية الممنهجة بنصرة المستضعفين تشكل في أدبيات الحروب أن لا تقتلوا وليدا ولا أمرأه ولا شيخا ولا مسالما ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا حجرا ولا تروعوا ولا تتجبروا ولا تنقضوا عهدا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تعتدوا ولا تظلموا ولا تستكبروا .. وغيرها من القيم الحربية قيم الفروسية الناصعة فليس من قيمها تدمير المساجد "المحضن الثقافي" والبيوت "إفسادا بغير حق" والترويع والتعالي والقسر والإرهاب ... هذا كان مع المخالفين دينيا أما الخلاف السياسي فلا يؤدي الى استحلال الدماء عقائديا حيث تكمن الخطورة في تكفير النساء" يسمى في العقيدة الزيدية "كفر التأويل" وفي المنهج السلفي "البدعة". ومن مما ورد في التراث أن قاتل الزبير بين العوام التميمي "عمرو بن جرموز" بشر علي بن أبي طالب باغتيال خصمه السياسي فكان الوسام الذي يستحقه " بشر قاتل ابن صفية بالنار" لأن القاتل ظن بذلك أنه يتقرب بقتل المخالفين سياسيا بفكرة اعتقادية توجب المخالفين للإمام "علي رضي الله عنه" القتل بعد انتهاء المعركة "استباحة العقيدة" فخشي الأمام رضي الله عليه أن يستخدم الدين في الصراعات السياسية بأبعاد عقائدية لما لها من آثارها السلبية على تدين العامة وعقائدهم. كان خروج علي ابن أبي طالب في معركة صفين ضد الجبروت السين وهو المنهج الذي سار عليه الحسين ومحمد النفس الزكية والإمام زيد وغيرهم من الأئمة كما خرج إلى جوارهم أئمة السنة والإباضية والمعتزلة وهذا الأجماع تولد من المبادئ الكلية التى كانت تتحكم في توجهاتهم الحنفية وإخلاصهم لله "ولم تكن الجزئيات المختلف فيها تخرجهم عن إطار الاجماع فالاختلاف في المدنس" الدنيا" لا يعطي تبرير للاختلاف في المقدس" المبادئ الكلية الدينية" لكن السؤال كيف تشكلت العقيدة السياسية الصفوية . كانت الدولة الفاطمية التى يعود مؤسسيها إلى منطقة الأهواز من أعمال فارس ويرجعون إلى "ميمون القداح" كما ورد عن كثير من علماء الأنساب ومنهم النسابة الشيعي "جمال الدين في كتابه عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب" و أعمال فارس التى تمتد إلى أواسط أسيا كان منهم الجنس التتري كما ان هذه المنطقة اختلطت بكثير من الأجناس الهندو أوربية والصينية كما اختلطت بكثير من العقائد البوذية والطاوية والمسيحية واليهودية والهندوسية والزرادشتية والمانوية وتتشابه العمليات القتالية لأن محور الصراع القائم كما جاء في العقيدة الزرادتشية المانوية وبعض طوائف البوذية والحلولين والتناسخ من الطاوية والهندوسية والمسيحية كل هذا قسم العالم قسمين وهو التقسيم المعاصر في أدبيات السياسة الدولية صراع الخير والشر. لهذا كانت العقيدة التترية تعتمد على القوة العسكرية بينما لم تكن لديها أهداف ثقافية دينية لهذا كانت عقيدته القتالية همجية وحشية تدمر البنيان وتحرق المزارع وتستبيح الدماء "سياسة الأرض المحروقة التى تتبعها إسرائيل وكان الرعب الإعلامي الذي تنامى إلى أمراء العرب الممزقين المختلفين جعلهم يستسلمون أو ينهزمون أو يدخلون في الطاعة والجندية حتى كانت معركة "عين جالوت" التى تصنف بأنها معركة العلماء بقيادة " العز بن عبد السلام" فقط العقيدة هي التى انتصرت وليس السياسة فانحسر المد التتري عن المنطقة وكان لهذه القوة دورا في دخولهم الإسلام ومع كثرة العدد لم تستطع الثقافة الإسلامية أن تحتضنهم وتدمجهم في الإسلام فكان لهذا نتائج سلبية أفرزت كثيرا من العقائد المختلطة واتسع المارد الشيعي ليشكل اعتقادات جديدة مناوئة للخلافة العباسية . كان النسب هو العقدة التى تحول دون شرعية الحكم لهذا كانت الأمارات تسمى السلطنات ومنها السلطنة العثمانية والسلاطين المماليك . فما هو الحل بالنسبة للجنس الفارسي كي يكتسب الشرعية؟ التطور العقائدي للشيعة. لم يكن مفهوم التشيع له مدلولا عقائدي وإنما تطور سياسيا ثم أضفي عليه طابع العقيدة وبدت سلسلة التطورات تمتد تاريخيا وتتنوع حتى أدخلت الإمامة كأصل من أصول الدين وبهذه الرؤية الجديدة استطاع الشيعة أن يخرجوا عن أجماع المسلمين. وبهذه الشرعية تأسست الدولة العبيدية في المغربي العربي ثم تحولت إلى مصر وكانت عقيدتها القتالية تقوم على الأصول التترية أو المجوسية فالنار المقدسة يحتاج إلى مراسم أثناء الفتوحات لهذا كانت سياسة الأرض المحروقة جزء من الاعتقاد للدولة العبيدية الفاطمية. لم تكتمل أركان الدولة الثيوقراطية ما دامت الخلافة العباسية قائمة في بغداد وبما أن العباس من آل البيت فقد كانت إشكالية كبرى تعيق اكتمال شرعية الشيعة ولهذا السبب كان التأصيل لمفهوم النسب الفاطمي "على غرار نسب بني إسرائيل إلى هارون عليه السلام" واكتملت الثيوقراطية الشيعية. لكنها أيضا تحتاج إلى شرعية سياسية وتحقيق ذلك يأتي عن طريق المال والقوة وبهذا أصبحت مقومات الدولة الفاطمية مكتملة الأركان هيئت لها ظروف الغزوات الصليبية وانشغال المسلمين السنة بحروب الشام في توسيع نفوذها على حساب الدولة العباسية حتى كانت فتوحات صلاح الدين في مصر وانتهت الدولة الفاطمية وانحسرت عن مصر سياسيا وعقائديا وكأن مصر لم تكن من قبل دولة شيعية لأن الوسيلة التى استخدمها الفاطمي " السيف والمال" وهو ما اطلق عليه "الحسب والنسب". الدولة الصفوية . ينتسب "إسماعيل ميرزا الصفوي " إلى الجنس التركي الصوفي في منطقة أردبيل" من أعمال فارس ونفس المنهج الذي العبيدي "الفاطمية" استخدم لمواجهة السلطنة العثمانية ممثلة أهل السنة واتبع أيضا سياسة الرعب التتري والأرض المحروقة وسياسة الثيوقراطية الفاطمية بالإضافة إلى الكرامات" السحر" وتمددت أعماله العسكرية بسرعة الريح إلى فارس والعراق وأجزاء من الشام وكان مصاهرا لملك البرتغال ومستعينا به بل كان تهديداته لأمراء الأقليات المنتسبة إلى السنة" إذا لم تتنازل عن الحكم وتسلم الدولة لأجعلن جمجمتك إناء للخمر يحتسي منها ملك البرتغال" القوة والرعب وسياسة التدمير وأحراق الأرض مكن له من تهديد مقر الخلافة العثمانية وكاد أن يسلمها الخليفة العثماني حتى اجتمع علماء السلطنة من السنة على المذهب الحنفي وأقرو شرعية سلم الأول الذي انتصر في معركة " صحراء جالديران في شرق الأناضول" وفر إسماعيل ميرزا الصفوي إلى اذربيجان" ثم توقفت الدولة العثمانية عن مواصلة توغلها في فارس لانشغالها في حربها ضد الصليبين . بالمقارنة بين تأسيس الدولتين الصفوية والفاطمية نجد أن الشيعة يبرزون على الساحة عندما تتهيأ لهم الظروف التالية: الانشقاقات والأطماع السياسية بين قادة أهل السنة وأثناء الغزو الصليبي الغربي على الأراضي الإسلامية واليوم الظروف تتشابه مع الأمس: حروب الصليب الأمريكي الغربي في العراق وفي أفغانستان وفي مالي والعمليات العسكرية في اليمن والحجاز كل هذا أسهم في ظهور التمدد الإيراني في المنطقة العربية : وسوريا – العراق- اليمن- أفغانستان – لبنان- وفي طريقه إلى الخليج العربي. تتسم العمليات العسكرية الشيعية بالقوة الإعلامية والتوغل العسكري وسياسة التدمير والأرض المحروقة . تفتقد الحركة الشيعية في كل أشكالها إلى قوتها في العمق العقائدي السلمي الواعي فهي قائمة على أساس العاطفة ومظلومية الحسينيات والتجهيل للاتباع لضمان الولاء والطاعة المطلقة. أن التوسع العسكري المستمر وكسب الأنصار لن يدوم وسياسة الاستفزاز لمشاعر السنة والطوائف الأخرى ستؤدي إلى خدمة التيار السني وتلاحمه وتماسكه وأن العنف لن يؤسس دولة مستقرة . لن يتوقف التوسع الشيعي في المنطقة الإسلامية إلا بقوى عقائدية سنية متماسكة ومتلاحمة " متطوعة- أو قوة نظامية" على غرار شواهد التاريخ وسنن التدافع القرآنية. *باحث متخصص في الشؤون السياسية والفكر السياسي