، ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه، ليرده عنه طبعُهُ الطَّيب الأصل إلى الموادة والمصافاة، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم. فالدفع بالتي هي أحسن على ثلاث درجات: أدناها أن تصفح عن سيئة، وما فوقها أن تحسن إليه إحساناً ما، وأعلاها أن تبذل الإحسان إليه. وهذه الدرجة ، درجة دفع السيئة بالحسنة ، والسماحة التي تستعلي على دفعات الغيظ والغضب، والتوازن الذي يعرف متى تكون السماحة ومتى يكون الدفع بالحسنى .. درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان، فهي في حاجة إلى الصبر، وهي كذلك حظ موهوب يتفضل به اللّه على عباده الذين يحاولون فيستحقون. فمن الناس من لو قوبل بمثل فعله ازداد هياجاً وغضباً وتبجحاً ومروداً، وخلع حياءه نهائياً، وأفلت زمامه، وأخذته العزة بالإثم. غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد، وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها، حتى لا يصور الإحسان في نفس المسيء ضعفاً،! ولئن أحس أنه ضعف لم يحترمه، ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقا. وقد تكون التي هي أحسن من جنس العنف إذا يأت من ورآها إصلاح، فليس كل أحد ينزجر بالرفق، بل هناك من يعتدل مزراجه ويعود إلى الطريق القويم بالشدة والعنف، ألم ترى أن اليد تحن على أختها فتغسل كل ما يعلق بها من قذر وأوساخ، وقد تجفوا عليها وتقسو إذا كان الذي علق بها لا يزال بالرفق واللين، بل وقد يكون من جرا التنظيف خدش وجرح وذلك ليس لشيء إلا لتردها كما كانت صافية نقية. فمن الناس من لا تصلح معه الملاينة إذ يحسبها ضعفاً ويتمادى في سيئاته، فمثل هذا تستعمل معه المخاشنة بعد فشل استعمال الملاينة، وذلك في حدود الضوابط الشرعية، وهكذا المعتدي الصائل الذي يعرف منه الشر والفجور، فإن اللين معه يزيده طغيان، ويظن من الطرف الآخر الخوف والذل فهذا يصد بالتي هي أحسن: وهي القوة لعوده إلى صوابه ويعرف قدر نفسه ويعرف أن هناك من سيقومه إذا حاد عن الصراط القويم. والفكرة تدفع بفكرة أخرى صحيحة تدمغها، أو تزيلها لترد أهلها إلى صوابهم ورشدهم، ولا تدفع بقوة وعنف لأنه يزيد من تمسك أصحابها وتشبثهم بها. فينبغي لطالب الحق النبيه العاقل أن يبني أمره مع المخالف في رأيه وفهمه على أربعة أوجه: على اللين والبذل، ثم الكيد، ومن بعد ذلك المكاشفة، وبالخرق ينقلب الصديق عدواً كالطعام الذي هو غذاء الإنسان وقوام جسده إذا أساء المقدر له في تقديره وأفرط في تناوله صار داء وانقلب أذى.