في ثالث أيام سقوط صنعاء 21 سبتمبر (الرئيس هادي قال أنها لم تسقط ، وحسب تعبير الكاتب المثير مروان الغفوري: إما أنه لا يدري أين تقع صنعاء أو لا يدرك معنى السقوط) كتبت مقالاً بعنوان "الحوثي والإصلاح.. حقيقة الانتصار والهزيمة" فندتت فيه فكرة اعتبار سقوط الفرقة المدرعة وجامعة الإيمان وبعض القوى المشيخية هزيمة للتجمع اليمني للإصلاح. وهدِف المقال المساهمة في إيقاف تداعيات مخطط واضح المعالم كان يستهدف أحد الأحزاب اليمنية العريقة والقضاء عليه، بما يحدثه ذلك من أضرار كبيرة لعملية التوازن السياسي في اليمن. ورغم أني قد تطرقت في مقالات عديدة سابقة – بشكل مباشر أو غير مباشر - إلى ضرورة إصلاح شؤون حزب الإصلاح (من تلك المقالات: تثوير الأحزاب وتشبيبها ، الاجتماع السري لمرسي ، فوز حزب أردوغان نموذج يستعصي على الإسلاميين العرب ، أحزاب ما بعد الأيديولوجيا ، أحزابنا والشراكة فاقد الشيء هل يعطيه؟)، إلا أني أرى في هذه اللحظة الراهنة عدم صوابية إجراء الإصلاح لمراجعات متعجلة ومرتجلة وغير مدروسة في إطار مطالبات كثير من أعضائه بذلك، بعضها ظهر كانعكاس للضربات الموجعة التي تلقاها الإصلاح وبعض أعضائه إثر الاقتحام المذكور للعاصمة صنعاء. ذلك أن القرارات التي يتخذها الإنسان – أي إنسان - وهو يعاني من ألم عارض قد تفقد قراراته البعد الاستراتيجي، وربما تبعدها عن الغاية السليمة التي تهدف للوصول إليها ، لكن ذلك لا يعني بالقطع إيقاف حزب الإصلاح للحديث عن المراجعات المطلوبة والاصغاء للرؤى الخاصة بذلك التي تقدم من داخل الحزب، مع التمعن في غيرها من الطروحات النقدية التي تطرح من خارجه، فالآخر – خصوصاً غير الكاره – قد يلفت نظرك إلى مثالب لا تراها أو تفضل أن تتعامى عنها. نعم قد تجعل مرارة الإحساس بالغبن الواحد منا يفرغ جام غضبه على المحيطين به رغم عدم علاقتهم بما حدث له، لكن يفترض على قيادة الإصلاح أن لا يجعلها خوفها من القادم المجهول في إطار مستقبل غير واضح المعالم وتحيط به المؤامرات من جهات عدة منظورة وغير منظورة، أقول لا يجعلها ذلك تتحول إلى قيادة مرعوبة ومتسلطة تحرم أعضاء حزبها حتى من ممارسة الأنين حسب تعبير للأستاذ زيد الشامي. وهذا يقودنا للحديث عن الاعتذار الذي سارعت الأمانة العامة للإصلاح بتوجيهه للمبعوث الأممي بن عمر ومعه السفير الأمريكي الذي لم تسمه بصفة مباشرة، لتتبرأ من مداخلة طرحها النائب الدكتور منصور الزنداني في قاعة البرلمان هاجم فيها الرجلان، حتى أنها في ذلك الاعتذار قد نزعت عنه صفة نائب رئيس كتلة الإصلاح البرلمانية ووصفته بالعضو فيها (ربما للتقليل من حجم منصبه التنظيمي ليقبل الآخرون الاعتذار). وكان يكفي أن يقال على لسان أحد أعضاء البرلمان الإصلاحيين بأن ذلك يمثل الرأي الشخصي للزنداني ولا يعبر بالضرورة عن رأي الإصلاح وكتلته البرلمانية، وذلك ما تفعله كثير من الأطراف السياسية في اليمن لتبرر تصريحات أشد بكثير مما قاله الدكتور الزنداني، بغض النظر اتفقنا أو اختلفنا مع ما قاله. هذا الموضوع قد يجعلنا نستشف وجود رغبة لدى قيادة الإصلاح بتقمص دور التلميذ المؤدب والنجيب والمطيع أمام أساتذته لينال بعض عطفهم وإعجابهم، خصوصاً وهو يرى أن أساتذته منشغلون بالتقرب من زملائه في الفصل المنتسبين لأسر نافذة أو المنتمين لعصابات قد تؤذيهم في حال تجاهلهم لهم. وعلها مناسبة أن نُذَكّر تلك القيادات هنا بالمقولة التي قيل بأن الرئيس السابق صالح قالها يوماً لأحد المنشقين عنهم: أنا قلت لك تخرج من الإخوان مش من الإسلام!.. وذلك ينطبق على من يجعله خوفه لا يكتفي بالتخلي عن ثقافة الرفض والمقاومة فقط بل ويذهب لتقديم تنازلات أكثر مما يتوقع الآخرون منه. وتقول الحكمة: لا تستهتر بالمخاطر التي تحيط بك، ولكن أيضاً لا تجعل من مخاوفك سجن تحبس نفسك فيه. ما سبق لا ينفي حاجة الإصلاح الماسة لعملية إصلاح شاملة، وتلك الحاجة ليست وليدة ثورات الربيع العربي أو سقوط حكم الإخوان في مصر أو الاقتحام الحوثي المؤتمري لصنعاء، لكنها كانت مطلوبة ومطروحة من قبل ذلك التاريخ بكثير، وينتظر الإصلاحيون وغيرهم أن تتحقق تلك الإصلاحات من خلال المؤتمر العام المؤجل الذي يجب أن تبدأ الخطوات العملية لانعقاده إذا ما استقرت الأوضاع وسلمت الشؤون الأمنية لسلطات الدولة، ورفعت الميليشيات المسلحة يدها عن الشأن العام بناء على ما نص عليه اتفاق السلم والشراكة. محاور إصلاح الإصلاح تتمحور حول تجديد قياداته سواء المؤبدة منها أو التي بلغت من العمر عتيا أو تلك التي صارت مثقلة بالمصالح ، لأن استمرار تلك القيادات في ظل التغيرات المتسارعة سيساعد على شل الحزب وسيجعل قراراته وخطواته تبدو مترددة وخائفة ومرتعشة.. والحل يتمثل في تصعيد قيادات شابة ذات كفاءة ونزاهة تكون متحررة من كل تلك العوائق والقيود. ولن يستطيع الإصلاح الوصول لذلك إلا إذا فصل نشاطاته الدعوية والخيرية عن عمله السياسي والحزبي، فمن ينجح دعوياً وخيرياً ليس بالضرورة ناجحاً ومقبولاً سياسياً. إلى جانب إصلاح نظام الترقيات التنظيمية فيه وتيسيره، بحيث تتم بناء على ديمقراطية حقة، وتقدم أهل الاختصاص والكفاءة على أهل الثقة والوجاهة، وتجعل معيارها القدرة القيادية للعضو وحضوره المجتمعي ونتاجه الإبداعي والتخصصي، بغض النظر عما يحفظ من القرآن والأحاديث وغيرها من الكتب الدينية، وتُشعر كل أعضاء الحزب بأنهم يتمتعون بشراكة وطنية حقيقية وكاملة، وليسوا مجرد حشود لتكثير السواد عند المظاهرات وصناديق الاقتراع. آخر الكلام: الإصلاح كان ولا يزال وسيظل حزباً رئيسياً وكبيراً على الساحة اليمنية مهما كانت التطورات التي ستشهدها اليمن، لكن الخوف أن تحوله قياداته في ظل سيطرة هواجس ومخاوف خاصة وعامة تهيمن عليها إلى عملاق يتصرف بعقلية طفل، عندها فقط سيبدأ بالتحول إلى حزب ثانوي سيكون من السهل إزاحته عن المشهد اليمني.. وهو ما لا نتمناه.