تختلف الأنظمة الانتخابية من حيث كيفية إدلاء الناخب بصوته ومدى ما يتمتع به من حرية وسرية في اختيار المرشح، ويرجع ذلك إلى اختلاف التشريعات الانتخابية في انتقاء نظام معين من بين الأنظمة الانتخابية يتناسب مع الظروف السياسية لكل دولة, والأنظمة الانتخابية في الدول الديمقراطية تتردد بين الانتخاب الفردي، والانتخاب بالقائمة، نتناولهما بصورة موجزة فيما يلي: أولاً: الانتخاب الفردي: هو ذلك النظام الذي يقوم فيه الناخبون بانتخاب شخص واحد من بين المرشحين في الدائرة الانتخابية بهدف شغل أحد مقاعد المجلس النيابي أو المحلي.ويرتبط نظام الانتخاب الفردي بنظام انتخابي آخر هو نظام الأغلبية (النسبية أو المطلقة) وذلك كما يلي: أ - الأغلبية النسبية: وفيه يعتبر المرشح الحاصل على العدد الأكبر من أصوات الناخبين الصحيحة فائزاً في الانتخابات. ب- الأغلبية المطلقة: وفيه يجب أن يحصل أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة للأصوات الصحيحة المشتركة في عملية الانتخاب, وإلا فإنه يتحتم إعادة الانتخابات مرة ثانية بين الاثنين الحاصلين على اعلي الأصوات. ومن أهم مزايا الانتخاب الفردي انه يتيح للناخب الفرصة لكي يختار المرشح الأصلح في نظره من بين المرشحين في الدائرة الانتخابية التي تكون صغيرة الحجم, مما يجعل المرشحين معروفين من غالبية الناخبين معرفة شخصية بحيث يتمكن من المفاضلة بينهم واختيار من يراه أكثر صلاحية لتمثيله, ويتميز أيضا الانتخاب الفردي بالسهولة والمرونة وتحقيق مصلحة الأقليات في بعض الأحيان, وذلك عندما تكون لهذه الأقلية اغلبيه واضحة في بعض الدوائر الانتخابية. ثانيا: الانتخاب بالقائمة:هو الانتخاب الذي يقوم فيه الناخب باختيار قائمة تضم أكثر من فرد من بين القوائم المتقدمة للانتخابات في الدوائر الانتخابية,وفي الانتخاب بالقائمة يختلف مدى ما يتمتع به الناخب من حرية التصويت والاختيار بحسب ما إذا كان الانتخاب بالقائمة المعمول به هو القائمة المغلقة أو القائمة مع التفضيل أو القائمة مع المزج أو القائمة بالتمثيل النسبي وذلك كما يلي: أ- القوائم المغلقة: يلتزم الناخب في هذا النظام بالتصويت لصالح إحدى القوائم الحزبية جملة وتفصيلاً دون أن يكون له الحق في إجراء أي تعديلات سواء بالحذف من أسماء المرشحين أو بإضافة غيرها أو إعادة ترتيبها. ب- القوائم مع التفضيل: يسمح هذا النظام للناخب أن يبدل فيما بين الأسماء المدرجة في القائمة وتعديل ترتيبهم في القائمة. ج- القوائم مع المزج: يقوم الناخب في هذا النظام بالمزج بين القوائم الحزبية حيث يكون له الحرية في تقديم قائمة مرشحين خاصة به يختارهم من مجموع القوائم المتقدمة. د- القائمة بالتمثيل النسبي: يوجد ارتباط قوي بين نظام الانتخاب بالقائمة ونظام التمثيل النسبي الذي يتلاءم مع نظام الانتخاب بالقائمة ولا يصلح مع نظام الانتخاب الفردي,ويقصد بالتمثيل النسبي توزيع المقاعد المحددة للدائرة الانتخابية على أساس نسبة عدد الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها كل قائمة,ولتوضيح كيف تتم عملية توزيع المقاعد في نظام القائمة بالتمثيل النسبي نسرد المثال التطبيقي التالي: نفترض أن الدائرة (س) فيها خمس قوائم للترشيحات من (أ) إلى (ه) تضم كل واحدة منها عدداً يساوى عدد الأعضاء الواجب انتخابهم في الدائرة ونفرض أنه (16) عضواً، وأن عدد الناخبين المسجلين هو (131000 ناخباً) صوت منهم (118000) وعدد الأصوات الصحيحة المعبر عنها (108000) صوتاً ولنفترض أن القائمة (أ) حصلت على (16000) صوتاً، واللائحة (ب) على (45000) صوتاً والقائمة (ج) على (15000) صوتاً والقائمة (د) على (30000) صوتاً، والقائمة (ه) على (2000) صوتٍ، نقوم أولاً باحتساب عتبة القابلية للانتخاب وهى ما يحددها القانون عادة ولنفرض أنها (3%) من (108000) تساوى (3.240) صوتاً، وبما أن القائمة (ه) وحدها حصلت على أقل من هذا العدد فإنها لا تشارك في توزيع المقاعد ويطرح عدد الأصوات الذي حصلت عليه من الأصوات المعبر عنها قبل احتساب القاسم الانتخابي أى 108000 – 2000 = 106000، وبذلك يبقى أمامنا فقط أربع قوائم.
كيفية توزيع المقاعد: نقوم أولاً باحتساب القاسم الانتخابي وهو العدد (16) عدد الأعضاء المطلوب انتخابهم نقوم بطرح عدد الأصوات (106000) على عدد المقاعد (16) وهو يساوى (6625) وهذا هو القاسم الانتخابي. وبما أن: القائمة (أ) حصلت على هذا العدد مرتين فإنها تفوز بمقعدين, يسندان للمرشحين الأول والثاني في القائمة والباقي من الأصوات هو 2750. وبما إن القائمة (ب) حصلت على القاسم الانتخابي 6 مرات، فإنها تفوز بستة مقاعد تسند للمرشحين من 1 إلى 6 في القائمة والباقي من الأصوات هو 5250. وبما إن القائمة (ج) حصلت على القاسم الانتخابي مرتين فإنها تفوز بمقعدين يسندان للمرشحين الأول والثاني في القائمة والباقي من الأصوات هو 1750. وبما إن القائمة (د) حصلت على القاسم الانتخابى أربع مرات فإنها تفوز بأربعة مقاعد تسند إلى المرشحين من 1 إلى 4 فى القائمة، والباقى من الأصوات هو 3500. إلى هنا نكون قد وزعنا 14 مقعداً من 16، يبقى إسناد المقعدين الباقيين للقوائم التي حصلت على أكبر بقية من الأصوات بالترتيب التنازلي وهى القائمة (ب) تفوز بمقعد إضافي واحد والقائمة (د) بمقعد واحد. ويرجع الأخذ بنوع دون آخر من الأنواع السابقة إلى مدى الحرية التي ترغب النظم الانتخابية منحها للناخب في مواجهة الأحزاب السياسية التي أعدت القوائم ومقدار ما تريد تحقيقه من تماسك وأحكام في أنظمة الأحزاب السياسية.والميزة الأساسية للانتخاب بالقائمة أنها تجعل الانتخاب مفاضلة بين أفكار وبرامج حزبية، وليس صراعاً بين أشخاص كما يحدث في الانتخاب الفردي.الانتخاب بالقائمة يضاعف من حقوق الناخب بالسماح له بالاشتراك في انتخاب عدة نواب، وبذلك يثير الاهتمام بالشئون العامة ويزيد من الإقبال على الانتخابات. وأهم مزايا القائمة بالتمثيل النسبي بالقائمة هي: 1- يتناسب مع الدول التي تأخذ بالتعددية السياسية، فهو يحقق العدالة عن طريق إعطاء كل حزب عدداً من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات. 2- يشجع الناخبين من أنصار الأحزاب الصغيرة على ممارسة حقوقهم الانتخابية والإدلاء بأصواتهم، ويجعل الناخبين يدركون أن مصلحة أحزابهم تقضى بعدم التخلف لأن أصواتهم لن تضيع سدى، وبذلك يعبر التمثيل النسبي عن الرأي العام دون حدوث التشوهات التي تقع عند الأخذ بالأغلبية الذي يؤدي إلى تضخيم الأغلبية وتقليل أو إهمال الأقلية. 3- يؤدي إلى وجود معارضة قوية، وكذلك يحافظ على وجود الأحزاب الصغيرة ويصون استقلالها فى مواجهة الأحزاب الكبيرة. وبذلك تتعدد وتتنوع النظم الانتخابية, وهو ما يوجب على الدولة القيام بعملية انتقاء نظام انتخابي ملائم لأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, مع الأخذ بالاعتبار الحياة الحزبية في هذه الدولة,ولذلك تختلف الأنظمة السياسية من حيث النظام الانتخابي الذي تتبناه وتأخذ به، وذلك يرجع إلى عدة عوامل, من أهمها اختلاف الأسس والأيديولوجيات والفلسفات التي يقوم عليها كل نظام إلى جانب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات,بل وفي داخل ذات المجتمع الواحد من وقت إلى آخر بحسب درجة التقدم والوعي السياسي للناخب وقوة الأحزاب في الدول المختلفة. والنظام السياسي في اليمن يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية, وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً, ويحدد قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية القواعد والإجراءات اللازمة للتأسيس وممارسة النشاط السياسي،وقد اشتركت هذه الأحزاب في الانتخابات العامة ، وقد تنوعت النتائج النهائية وفقاً للنظام الانتخابي والذي كان له تأثير كبير على النتائج خصوصاً على الأحزاب السياسية, ومدى ملاءمته للحياة السياسية والبيئة المحيطة. وإلى جانب ذلك تلعب البيئة القبلية والعشائرية دوراً هاماً في الحياة السياسية في اليمن, وهى تمثل 85% من إجمالي عدد السكان, ولازالت تمثل حجر الزاوية في التركيبة الاجتماعية للمجتمع اليمني، وللقبيلة دور كبير في عملية التنمية من خلال دورها ومساهمتها في تطوير العمل التعاوني في اليمن بالإضافة إلى دورها في الحفاظ على الأمن والنظام داخل القبيلة، إلا أن ظاهرة الولاء للقبيلة تمثل ظاهرة اجتماعية وسياسية في حياة القبيلة اليمنية تطغى على الولاء للأحزاب السياسية, وفي استبيان قام به احد الباحثين حول نسبة الولاء للقبيلة في المجتمع اليمنى ,وكانت نتيجته أن الولاء الحزبي يحل محل الولاء للقبيلة بنسبة24.4% مؤيد و 75.% معارض ,وكانت النسبة ان الولاء للدولة يطغى على الولاء للقبيلة 26.4% مؤيد و 73.2% معارض,وهذا يشير إلى أن الولاء للقبيلة يطغى على الولاء للأحزاب السياسية، وبالتالي فإن الولاء للقبيلة خصوصاً في المديريات الريفية يجعل من العلاقة بين الناخب والمرشح علاقة شخصية تكون الفيصل في أغلب الأحيان. وبناء على ما سبق يكون النظام الانتخابي الأجدر بالإتباع هو ذلك الذي يصلح للتطبيق في ضوء ظروف وواقع المجتمع اليمني وطبيعة العلاقة القائمة بين كل من الناخبين والمرشحين, سواء بذاتهم في ظل الانتخاب الفردي أو من خلال أحزابهم في ظل الانتخاب بالقائمة، ولذلك يقترح تطبيق النظام الانتخابي الفردي بالأغلبية النسبية بالنسبة للمديريات الريفية والانتخاب بالقائمة بالتمثيل النسبي في المديريات الحضرية (مديريات العاصمة ومدن المحافظات) وذلك لعدة أسباب أهمها: 1- إن النظام السياسي في اليمن يقوم على أساس التعددية السياسية الحزبية والانتخابات بالقائمة بالتمثيل النسبي يجعل عملية الانتخاب مفاضلة بين برامج حزبية محدودة, وذلك يناسب المديريات الحضرية حيث تنخفض نسبة الأمية وترتفع نسبة الوعي الثقافي والسياسي والانتماء والولاء الحزبي, وبذلك تمثل الأحزاب السياسية بعدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات، مما يتيح لجميع الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية أن تلعب دوراً في الحياة السياسية ، فالانتخاب بالقائمة النسبية يعمل على إضعاف تأثير الانتماء القبلي والعشائري والأسرى ويؤدي إلى تقوية الأحزاب السياسية, وهو ما يناسب تطبيقه في المدن الحضرية. 2- تكون الدوائر في المديريات الريفية صغيرة نسبياً من حيث عدد السكان والمقيدين بالجداول الانتخابية, ويغلب عليها الطابع القبلي من حيث العلاقة بين المرشح وناخبيه، ولذلك فإن الانتخاب الفردي يناسب المديريات الريفية, فهو يتيح للناخب المفاضلة بين المرشحين واختيار من يراه أكثر صلاحية لتمثيله لمعرفته الشخصية بهم، كما أن الولاء الحزبي يضعف في الريف مقابل الولاء للقبيلة أو العشيرة. وهذا ما يطلق علية النظام الانتخابي المختلط وهو يعني تنوع النظام الانتخابي حسب ظروف كل بيئة حضرية وريفية,وتعتمد ألمانيا نظام الانتخابات المختلط حيث تعتمد التمثيل النسبي على مستوى الدولة, ولكنها تعتمد أيضاً على تمثيل مناطقي للدوائر الصغيرة والتي تهدف بالأساس إلى أن يكون هناك اتصال بين ممثلي الشعب والمواطنين, وهذا التنوع يؤدي إلى تشجيع الناخبين على الاشتراك في العملية الانتخابية، فأنصار الأحزاب السياسية وخصوصاً الصغيرة منها سوف يندفعون لممارسة حق التصويت لأنهم يعلمون أن أصواتهم سوف تساعد أحزابهم في الحصول على عدد من المقاعد لتمثيلهم ، كما أن العلاقات الشخصية سوف تدفع بالناخبين إلى صناديق الاقتراع للتصويت لمرشحهم الذي تربطهم به علاقة أسرية أو عشائرية أو قبليه أو من الأقليات فى حالة إذا ما كانوا يمثلون أغلبية في دائرة انتخابية، وبذلك يكون الانتخاب بالقائمة بالتمثيل النسبي هو أقصر الطرق للأحزاب الصغيرة أو المعارضة ليكون لها تمثيل سياسي، كما أن الانتخاب الفردي سيعالج الظروف البيئية للمديريات الريفية، والتي توجد فيها أكبر كثافة سكانية كما يشير إليه كتاب الإحصاءات السنوية 2008 إن عدد سكان الحضر يشكل 29.0%,والريف71.0% من إجمالي عدد سكان اليمن. وبناء على ذلك تستند نزاهة الانتخابات بشكل رئيسي على قانون الانتخابات الذي ينظم عملية الانتخابات في مراحلها المختلفة بشكل عادل وفعال, ويتيح لكل أطراف العملية الانتخابية من ناخبين ومرشحين ومشرفين الوقوف على الكيفية التي يتم من خلالها إدارة الانتخابات والإعلان عن نتائجها، وأيضا لابد أن ينسجم مع التركيب الاجتماعي للمجتمع وعلى وضع يمكن معه تمثيل كل الفئات والجماعات المشكلة للمجتمع, فالنظم الانتخابية تتنوع باختلاف أوضاع وظروف كل دولة.وهذا كان محل الاهتمام في مؤتمر الحوار الوطني عندما قرر اعتماد مبدأ انتخابي يكفل لجميع القوى السياسية الاشتراك في الانتخابات والحصول على التمثيل النيابي الملائم والذي يتناسب مع حجمها في الحياة السياسية, وذلك عندما جاء في أهم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اعتماد القائمة النسبية كنظام انتخابي للدولة الحديثة مع إمكانية إعمال النظام المختلط وهو القائمة النسبية والانتخاب الفردي , وذلك حرصا على عدم إفساد الحياة السياسية وإشراك الجميع في السلطة والحكم و بحسب حجمه السياسي ,ويبقى الأمل في تنفيذ مؤتمر الحوار الوطني والتي أصبحت مطلب كل مواطن يمني يطمح في الخروج من الوضع الحالي إلى أفاق المستقبل. *أستاذ القانون العام المساعد المعهد الوطني للعلوم الإدارية