لو أن كل ما كتب ويكتب بالشأن السياسي الموجه على وجه التحديد للسياسيين وأصحاب القرار, لما وصل الأمر إلى هذا المستوى من التردي, والاستمرار في نزيف الدماء والإمكانيات, ولما تنامى الحقد, واهتزت أواصر الثقة بين أبناء الشعب الواحد. وأقصد هنا ما يكتب وينشر من قبل الحريصين على أمن وسلامة الوطن والمواطن, والعيش الجماعي، في جو من العدالة والمشاركة، والتسامح والإخاء، والتعاضد والتنافس من أجل القضاء على الفقر والتوسع نحو منابع العلم والتعليم، وإقامة دعائم البناء والتنمية، بعيداً عن الخطاب التحريضي المدمر . الكثير قيل وكتب ونشر، بشأن المخاطر التي تلقي بظلالها على حياة المواطن وتسبب له الكثير من المعاناة والخوف والقلق وتكلفه حياته في الكثير من الأحيان, دون أن يكون له طرفا في أي صراع سياسي, وكل ذلك سببه الأهواء والنزوات السياسية والأفكار، ونزعات الانتقام، والمحصلة مآسٍ إنسانية، وتدمير أوطان . مسكين هذا المثقف أو الإعلامي الذي يتمنى ويحلم أن يكون لكلمته شيء من الصدى والتأثير الإيجابي بين أوساط من يمتلكون قرار السلم والعنف، غير أن كل ذلك، يظل مجرد أمنيات، فالواقع يسير باتجاه آخر، تفرضه لغة القوة ، والتعصب الأعمى، وهكذا يظل كاتب الحرف والكلمة يغرد في جوه المثالي الذي لا يهتم به صاحب البندقية والصاروخ. وصدق شاعرنا اليمني القديم عمرو بن معد يكرب كأنه يصف واقعنا الراهن بقوله : لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارٌ نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرمادِ أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مُراد أليس واقع الحال يكاد ينطق بهذه الكلمات البليغة، إذا ما جدوى ما تتضمنه الكتب من عبر ودلالات من التاريخ، وما جدوى المواعظ والنصائح، وما فائدة التحليلات، والأبحاث والدراسات، والاستطلاعات، وما جدوى المعاهدات والمواثيق، وأيضا ما مصير الحوارات والتفاهمات التي تنفق من أجلها مئات الملايين من الدولارات، وينتهي مفعولها بين عشية وضحاها ؟؟؟؟ صحيح أن الأوضاع السياسية أفضت إلى كل هذه المشاهد المربكة والمزعجة، وليس بمقدور أي مثقف أو إعلامي تجاهلها، فهي معركة الساعة، لكن المشكلة في الطرف الآخر الذي لا يرى إلا رؤيته ومصلحته، وهذا ما يصيبنا بالإحباط . أليس من العبث الاستمرار في العك غير المفيد والاصطفاف خلف الخطاب السياسي الذي لا يضيف أي منفعة للمواطن ؟؟ أليس من الأجدر أن نتجه كإعلاميين ومثقفين الى المواطن مباشرة ؟ ، نتفهم مشاكله ومعاناته ، ونعمل جهادين على استيعابها، ونحلل أسبابها وخطورتها، وأبعادها على البنية الاجتماعية، ونكشف عن الأخطاء والخطايا التي ترتكب بحق الوطن والمواطن ونتتبع مصادرها، بأسلوب حرفي ومهني ,ونعمل على تعزيز الثقة بين الإعلامي المثقف، وبين المواطن البسيط من خلال التواصل بالمعلومة المفيدة والأفكار النافعة ، ونترك السياسة والسياسيين بشأنهم ؟؟ وما علينا إلا أن ندعو لهم بالهداية، ونقول لهم اتقوا الله بحق هذا الشعب الطيب المتطلع لحياة هادئة ومستقبل أفضل. "الثورة"