الشرعية السياسية التوافقية والانتقالية إلتي أنتجتها جولات تفاوضية مكوكية فرضتها طبيعة الصراع السياسي على السلطة بين اللاعبين الرسميين في اليمن وعلى مدى ثلاث سنوات من عمر المسار التفاوضي وهو نفس الزمن الذي قضاه "عبدربه منصور هادي" كرئيس إنتقالي لليمن إذا ما أضفنا بالطبع زمن التحضير والتهيئة لانطلاق الحوار الوطني ، هي نفس الشرعية التي فرضت على اليمنيين ما بات يعرف ب " سياسة فرض الأمر الواقع " كخلاصة واضحة ونهائية لمآلات المصير الذي يبدو من أن اليمن يقترب منه شيء فشيء ، ليجد اليمنيون أنفسهم بلا دولة حلموا بها طويلا وفي مفترق طرق تتخاطفها استدعاءات – مناطقية ، ومذهبية ، وطائفية ، وسلالية – لم يعرفها اليمنيون على مدى الف عام مضى وأكثر ، بل ويقف على رأس كل شبح من هذه التداعيات نذر حرب ستأكل الأخضر واليابس ، وستخطف معها أرواح اليمنيين بلا رحمة ، ولم يكن كل هذا ما أراده اليمنيون سوى أنهم شعروا في لحظة من اللحظات أنهم بحاجة إلى دولة تلبي كامل تطلعاتهم وحقهم في الحياة ، فخرجوا جميعا للبحث عنها متسلحين بإيمانهم وقدرتهم على تحقيق ذلك . وكنت قد تحدثت في موضوع سابق من أن الأحداث الجارية على الأرض اليوم تضع المعادلة السياسية بالتأكيد تحت متغيرات جذرية جديدة ، ولا أقل من أن تعود إلى ما قبل 21 سبتمبر ، التاريخ الأسود والقاتم في مستقبل اليمن الذي أنتج اجتياح عاصمة اليمن "صنعاء" وسقوطها بيد المليشيات المسلحة الحوثية ؛ واستيلائها على مدن ومناطق يمنية أخرى ، فارضة إرباك جديد في معادلة الصراع السياسي وطبيعة موازين القوى التي أنتجتها ثورة 2011م وانتفاضة الحراك السلمي 2007م وبصورة شمولية إستعدائية لكل المكتسبات والنضالات التي ضحى لأجلها اليمنيون كثيرا ، وبظهور هذه النزعة الشوفينية الاستعلائية وطبيعتها الواضحة وتكريس ثقافة التفرد المبنية على الحق الالهي والارث السلالي للعائلة المقدسة ، وفرض الارادة الواحدة على التنوعات الاجتماعية المختلفة لمكونات المجتمع اليمني ونسيجه الوطني الواحد . ولكن وفي المقابل فقد تجلى رفض اليمنيين لهذا التآمر الواضح لقوى الهيمنة والاستكبار ومحاولاتهم المكشوفة لاستعادة هذا الارث المتحكم بالشعب اليمني بوقوفهم الكبير وراء الرئيس " هادي " والتمسك بالشرعية الدستورية التي يمثلها ، وقلب الطاولة على تآمرهم في إنتزاع شرعيته – كرئيس يمثل الغالبية العظمى من مكونات الشعب اليمني – واعادتها الى قوى الهيمنة في المركز المقدس ، وفي نهاية المطاف فقد أنكشفت خيوط التآمر بنزعتها الجهوية والمناطقية ومازالت فصول محاولاتها مستمرة ولن تتوقف الا بإعادة القراءة الواعية للمشهد السياسي ورص صفوف القوى المدنية والسياسية الوطنية بما يتلائم وطبيعة المرحلة القائمة . وصحيح هو الجهود المبذولة من كل الأطراف على رفع راية الحوار كخيار بديل لكل هذا العبث ،وأن لا بديل أمام الصراعات أو الأزمات والتوترات القائمة المبنية على الهيمنة والقوة والعنف وتفشي السلاح في كل مناطق وأجزاء اليمن سوى الحوار ولا بديل عن الحوار ، ولكن ما يجب أن يتنبه له الرئيس عبدربه منصور هادي هو ما بات واضحا اليوم بأن أطراف الصراع الرئيسيين في الشمال وإيصال البلد إلى ما وصلت إليه هو الاستهداف بشكل أساسي لمشروع الدولة الإتحادية ، وأن ما يتفق عليه جميعهم هو الرفض القاطع للتسليم بنقل صلاحية الحكم للأقاليم والمؤدي بدوره إلى إضعاف دور وهيمنة المركز المقدس الذي حكم البلاد على مدى التاريخ السياسي لليمن ، وهو ما يتأتى على الرئيس " هادي " اليوم إتخاذ مجموعة من التدابير اللازمة التي تتعاطى مع المتغيرات والزمن السياسي الذي نحن فيه الآن ومنها : - تعزيز الدور السياسي والقيادي للعاصمة عدن والتمسك بنهج فرضها كبديل مؤقت على الأقل حتى يتم تنفيذ كل الاتفاقات والالتزامات السابقة وما سوف ينتج عن ما تبقى من الحوار السياسي بين القوى السياسية بعد مؤشرات البوادر التي تلوح في أفق التقارب الأخير واتخاذ القرارات المنسابة المتفقة مع طبيعة المرحلة والمتغيرات السياسية والمؤدية بدورها لجعل عدن مركز القرار السياسي القوي حتى الوصول إلى الدولة الاتحادية الديمقراطية الضامنة ، وعبرها سيقرر اليمنيون وبكامل حريتهم الشكل والمكان المناسبين لعاصمة دولتهم الاتحادية . - على الرئيس "هادي " أن يدرك أن المعادلة السياسية في اليمن مبنية على القوة المرتكزة على تكديس السلاح وحشد المقاتلين – كما انتهجته حركة الحوثي "انصار الله " المسلحة وقوى الهيمنة والاستكبار- وفرض سلطة الأمر الواقع وليس على أدوات العمل السياسي واحترام قواعد اللعبة السياسية ، وعليه يجب أن يكون الجنوب اليوم والعاصمة عدن قوة موازية عسكريا إضافة إلى تمتعها بالشرعية السياسية والدستورية لإدارة البلد ، وفرض خيارات الشراكة وفقا لما تضمنته المرجعيات الأساسية للحوار الوطني . - الادراك الواعي لما تخطط له العصبوية – السياسية والقبلية – في المركز المقدس وكشف كل أدواتها المناهضة لمشروع الدولة الاتحادية الديمقراطية الحديثة حتى يسهل مواجهتا والتعامل معها على مختلف الاصعدة والخيارات الفارضة نفسها في معركة التحولات السياسية والوطنية المختلفة . - يتطلب من الرئيس " أيضا " وبصورة سريعة تشكيل فريق عمل وطني متخصص في " إدارة الأزمات " وقادر على إدارة المتغيرات السياسية المتسارعة والتعامل معها بحكمة واقتدار والأهم أن لا يكون على ارتباطات أو ولاءات مناطقية أو مذهبية أو حزبية أو ما شابه ذلك . - بناء منظومة إعلامية وطنية جديدة تدار من " عدن " تجسد التمثيل الوطني الحقيقي للشرعية الدستورية وتعلو من القيم الوطنية وأمن وإستقرار اليمن وادارة المرحلة الانتقالية الكاملة والشراكة الحقيقية بين كل القوى والتيارات السياسية حتى يقرر الشعب اليمني من يحكمه وعن طريق الممارسة الديمقراطية الكاملة . - ترجمة حقيقة الدعم والتأييد الشعبي الداخلي بمختلف قواه السياسية والمدنية والشبابية الذي يؤكد عليه اليمنيون كل يوم وتمسكهم بالشرعية الدستورية والجمهورية والسلم الأهلي عبر مؤسسات إعلامية محلية فاعلة تنطلق من العاصمة عدن بدلا عن المؤسسات التي أختطفتها المليشيات المسلحة الحوثية ،وبالصورة التي يعكس حجم وطبيعة هذا التأييد الشعبي الكبير، واستخدام كافة الوسائل الممكنة للتعامل معها كمؤسسات خارجة عن الشرعية الدستورية ووضع حد لها ، وعدم الاكتفاء بما تقدمه وتوثقه وسائل الاعلام الخارجية . - وضع حد لكل أشكال العنف والتعذيب والقتل والانتهاكات التي تمارسه مليشيا " عيال الله " ضد الناشطين والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتقديم كل المتورطين بإرتكابه إلى العدالة . - التعامل بشكل وطني وواضح مع الدعم والتأييد الاقليمي والدولي لحق الشعب اليمني بالحفاظ على وطنه وأمنه وعدم انجراره الى العنف والاقتتال الأهلي ومقاومة كل من يجر اليمن إلى هذه المالات بشتى السبل والوسائل الممكنة وبما يتوافق مع كل دعوات الخير والسلام والحق في الحياة والعيش الكريم والحرية والعدالة والمساواة التي تدعمه جميع شعوب الأرض قاطبة ، ودون تحيز .