مخطىء من يعتقد إن اليمنيين وحركة التاريخ سيقولون للمجازر والممارسات العدائية التي قامت بها السعودية وحلفاؤها في اليمن " عفا الله عمّا مضى " فالأمر المؤكّد حيال هذه القضية هو إن الأحداث الإجرامية بحقّ هذا الشعب المتمثّلة بقتله وحصاره وتدمير مقدّراته ، ومخاطبته والتحدُّث عنه بلغة القُدرة والاستعلاء، لن تسقط بالتقادم وستحثُّ العقل والضمير اليمنيين حاضراً ومستقبلاً ، على عدم التغاضي والتخلّي عن الحق ، أوتناسي الآلام والمواجع والأحزان الجماعية التي فُرِضت عليه من جيرانه وبمساعدة عناصر داخلية ، مهما كانت حجج ، هذه الأخيرة ومظلوميتها، فهي عارعلى أصحابها وغيرمقبولة ، وتظلّ ،في نظر الناس عناصرخائنة ،انتهازية تحمل قيم نفاق ، نافقة،زائفة مسخّرة لخدمة الخارج وأطماع الوصولية ،بغض النظر أن كان ثمنها مدفوعاً من سيادة الوطن، أو من كرامة ودماءوثوابت أبنائه ،ولعل أحداث هذا العدوان قد اثبتت إن كل هوءلاء الذين استقووا بالخارج وصفّقوا لجرائمه لا يهمّهم من تلك الثوابت والمبادىء شيئاً ، بقدر مايهمهم تحقيق أهداف رخيصة، ولا مشكلة عندهم أن كانت وسائلهم لتحقيقها بالصعود على جماجم أبناءجلدتهم ، أوبالتآمر والدوس فوق كل من اعترض طريقهم في الوصول للقمة . بالفعل المجتمع اليمني معروف عنه عبر التاريخ إن لديه قدرة عالية على تجاهل الألم وتفهّم الأحداث وأسباب الخلاف ،سواء كان داخلياً ، أم خارجياً، لكنه في حالة العدوان من خارج الحدود لم يكن يوماً متفهّماً ومتسامحاً، ومن الطبيعي إنه اليوم لن يكون كذلك مع نتائج عدوان (10) دول شقيقة انتهكت سيادته بأكثر من (200) طائرة حديثة تملأ سماءه ليلاً ونهاراً وتلقي فوق رؤس أطفاله ونسائه وشبابه ومصانعه ومزارعه آلاف القنابل والصواريخ ،التي تُدمّر وتقتل وتُرهب وتُحاصر، ومعها - أيضا - صواريخ وطوربيدات عشرات السفن والقطع العسكرية الحربية التي تنتهك هي الأخرى حرمة مياهه الاقليمية وتقوم بضرب الأرض والإنسان والعمران في كل موضع ، اضافة لمهمتها في منع وصول السفن المحملة بالغذاء والدواء والنفط والمساعدات الإنسانية لموانئه ، ليس لشيء ، إنما لضمان تجويعه وإذلاله وتركيعه ،وقتله إما بالصواريخ ، أو بالجوع والكمد . نعم اليمنيون عُرِفوا بالجلد والحكمة والذكاء ومن ذلك الموازنة والتفريق بين الضرورات والأحكام ، الأصدقاء والأعداء ، المقبول وغير المقبول من الأشياء، واليوم ها هم يقدمون صورة جديدة من تلك الصور يدهشون بها العالم، وهذا ما دفع بالكثيرين في المنطقة وخارجها يتساءلون أمام كل هذه الظروف التي يعيشونها والتي تبدأ بالحرمان والحصار وتوقف وسائل النقل ،ولا تنتهي بالترهيب وأصوات الانفجارات والقتل والترهيب: كيف يستطيع هذا الشعب الوقوف في وجه كل هذه العواصف؟ كيف يصمد ويمارس حياته مستعيناً بالفُكاهة والخاطرة والحِكم والأمثال ، وعينه وروحه مع التلاحم الشعبي اللافت ،أي سيرة وسيرورة مطوية فيه ؟ أي شعب هذا بأقل الأشياء يعيش وبأعظم وأقوى الإرادات يقاوم ؟ كيف يستطيع أن ينهض من بداياته ؟ وهو في قلب الصعب ومع هذا لا تجده يشكو ولا يستنجد بأحد مهما كانت أوضاعه بائسه ، والتحديات به محدقة ، والأعداء عليه متكالبون، لا يتقهقر أمام الخطوب ،بل يُثبت فرادة وتميزاً حينما يتحرك ،أويتعاطى مع الأحداث بكل عنفوان ولياقة ، يُبدع ويُفكّر، لا يضيّق الخيارات على نفسه ، أويستسلم .