يُخطئ من يعتقد أن المبعوث الأممي لليمن اسماعيل ولد الشيخ قد نجح في ما أخفق فيه جمال بن عمر. مكمن الخطأ في هذا الاعتقاد هو في الخلط بين المهمة الموكلة لابن عمر والمهمة الموكلة لولد الشيخ!. كي نطلع أكثر على طبيعة هذه المهام يكفينا فقط أن نعرف من هو المسؤول عن الملف اليمني وعن كل الملفات السياسية في المنظمة الدولية وفي مجلس الأمن على وجه التحديد، إنه السفير السابق للولايات المتحدةالأمريكية في بيروت مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السابق لشئون الشرق الأوسط "جيفري فيلتمان" الذي عُين في 2011م مسئولاً عن الشئون السياسية في المنظمة الدولية، ليُصبح بذلك المسئول المباشر بطبيعة موقعه هذا عن المبعوثين الدوليين لحل النزاعات والصراعات بين الدول الأعضاء في المنظمة أو في إطار الصراعات الداخلية لأية دولة من الدول الاعضاء. مهمة ابن عمر التي نجح في تنفيذها على أكمل وجه كان مؤشر نجاحها إيصال البلد برمته إلى هذا المشهد الدامي وإلى هذا الجحيم المستعر المتقدة جذواته منذُ أكثر من عام وحتى اللحظة، إذ ما من فرصة توفرت لهذا المبعوث الاممي إلا ووظفها في إذكاء النار؛ طالما كان مقيد في مهمته من قبل الدبلوماسي الامريكي "فيلتمان" برفع منسوب أي خلاف بين الفرقاء في الساحة للدرجة التي لا يجد عندها هؤلاء الفرقاء من حلٍ لخلافاتهم غير الذهاب إلى الحرب وإلى تدمير ما يمكنهم تدميره بحيث تتهدد هذه الحرب دول الجوار من خلال طبيعة توجهاتها وامتداداتها الخارجية فيضطر هذا الجوار للتدخل المباشر بذريعة الدفاع عن نفسه وهنا بيت القصيد من وراء مهمة بن عمر وهو الزجّ بالمحيط الإقليمي لليمن في هذا المعترك الدامي؛ بغية وضع اليد الأمريكية على المدخرات والودائع والموارد الخليجية الهائلة في مقابل مدّ دول الخليج بما تحتاجه من سلاحٍ ومن المتطلبات اللوجستية لخوض هذه الدول أطول معركة في تاريخها وأطول صراع دموي منذُ نشأتها. من المنظور الأمريكي لقد نجح بن عمر نجاحاً غير مسبوق في تاريخ المهمات الدولية لحل الصراعات والنزاعات بين الدول أو بين القوى المتصارعة على السلطة في إطار القُطر الواحد، هذا النجاح الذي سيظل مثار اعجاب مهندسي الاستراتيجيات الأمريكية؛ طالما استطاع بدهائه الشديد اشعال الحرائق في اليمن من أقصاه إلى أقصاه ومن ثمّ جرّ دول مجلس التعاون الخليجي إلى أتون هذه الحرب بذريعة خطورة هذا المشهد الدامي في خاصرتها الجنوبية على ممالكها وإماراتها وعلى أمنها واستقرارها إن هي ظلت دون تدخل عسكري مباشر ودون حراك. حتى هذه اللحظة ما يمكنني فعله هو تصحيح الاعتقاد السائد بنجاح ولد الشيخ على حساب فشل بن عمر، إذ ما هو صحيح وواقع ملموس على الأرض أن بن عمر نجح في مهمته التي رُسمت له من قبل "فيلتمان" بينما اسماعيل ولد الشيخ لازال يراوح في مكانه ومازال يبذل جهداً شاقا ومضنياً في سبيل اطفاء الحرائق التي اوقد لها بن عمر. نجاح ولد الشيخ في اخماد الحرائق اليمنية يتوقف على مدى اشباع الغريزة الأمريكية من عائدات صفقات الاسلحة التي ابرمها "البنتاجون" الأمريكي مع دول الخليج خلال أكثر من عام من تاريخ التدخل الخليجي المباشر في الصراع الدموي الدائر في اليمن. طموح الولاياتالمتحدةالأمريكية في استمرار تفوقها وفي استمرار التربع في قمة الهرم الدولي تطلب من هذه الدولة المحافظة على مراكزها المتقدمة في المجالات العسكرية والاقتصادية والمالية، هذا الأمر الذي لم يكن له أن يتأتى غير في محافظة هذه الدولة العملاقة على أهم مصادر مواردها اتساقاً مع تجديد هذه الموارد والدأب نحو مضاعفتها. من أهم مصادر الإيرادات للدولة الأمريكية ومن أهم مواقع الاستثمارات لهذه الدولة هي منطقة الخليج، فلكي تحافظ امريكا على موقعها هذا، وعلى استمرار تدفق مواردها وتنامي استثماراتها في هذه المنطقة الحيوية كان لزاماً عليها إيجاد رابط بينها وبين هذه المصالح وهو هاجس خوف انظمة الخليج من خطرٍ يتهددها.... ما هو هذا الخطر المناسب الذي سيقض مضاجع هذه الأنظمة؟ الجواب: إنه الخطر الإيراني سيما وأن طابعه مذهبي سبق لإيران أن هددت بتصديره إلى دول الجوار من خلال تصدير الثورة الإيرانية. رغم إقحام الولاياتالمتحدةالأمريكية لأنظمة الخليج في أكثر من بؤرة صراع في الخارطة الإسلامية وفي المنطقة العربية على وجه التحديد كأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، إلا أن هذا الإقحام لم يلب الرغبة الأمريكية؛ طالما لم يكن مباشراً ومقتصراً على العون المادي المحدود. لكي تضع أمريكا ودول الناتو يدها مباشرة على الثروات الخليجية كان لابد لهذه الدول من إيجاد بعبع حقيقي على تماس جغرافية الأنظمة الخليجية، هذا البعبع هو النظام الإيراني الذي استطاع في غفلة من حكام الجوار أن يجد له موطئ قدم في خاصرتهم الجنوبية من خلال الحركة الحوثية ومن خلال التحول في العلاقات المتينة بين الرئيس السابق ومملكة الجوار إلى علاقة فتور ومن ثم جفاء وعداء. بعد أن نجحت الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال بن عمر في إشعال الحرب في اليمن، وفي الزجّ بالمملكة السعودية وأنظمة الخليج إلى أتون هذا الصراع الدامي؛ بُغية ضمان استمرار استنزاف الموارد المالية الخليجية، السؤال هنا: هل الولاياتالمتحدةالأمريكية جادة في مساعيها لوقف هذه الحرب؟ وإذا كان الامر كذلك فلماذا سهلت وساعدت من خلال بن عمر على اشعال هذا الصراع؛ إذا كان الهدف منه إيقافه في الأخير؟! سؤال آخر: ماذا بيد الأطراف اليمنية الموجودة في الكويت من أوراق تخدم الحلّ؟ هل بيدها بالفعل مفاتيح الحل دون إيحاءات وتدخلات خارجية؟ أنا في حياتي متفائل جداً ومنفتح على جماليات الحياة... التشاؤم لا مكان له في ذاكرتي، لكن المعطيات على أرض الواقع هي من تجعلني وغيري كثير التساؤل عن الباعث لهذه الحرب القذرة وعن جدواها ومن المستفيد منها؟ في قناعتي مفاتيح حلّ هذا الإشكال الدامي هو في يد المستفيد وفي يد المخطط والمُسهل لهذه الحرب وبالتالي أجد أن فكّ هذا السحر هو في يد الساحر، السؤال هنا مرة أخرى: من هو هذا الساحر؟ اترك الجواب للقاري الفطن بالتحديد. [email protected] متابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet