صباحكم طيب. صار الراتب ومنذ اشهر عديدة هو بداية وختام حديث الناس جميعا، بعد ان جرى تفكيك وتدمير الطبقة الوسطى ، وبعد ان سقطت شرائح اجتماعية وسطى ودنيا من طبقة من كانوا يعتبرون انفسهم قريبين من الحكام، الى قاع المجتمع، وصار حديث الراتب يدخل في تفاصيل تفاصيل حديث وحكايات الجميع، تفاصيل حياتهم الصغيرة والكبيرة، وكان من اوجب الواجبات ان يتصدر تصريحات، وبيانات واجتماعات الجميع: قيادات الاحزاب، والنخب الثقافية والسياسية، ومنظمات المجتمع المدني، التي حلت(بعضها) بديلا يقوم بدور الاحزاب وقياداتها (كما حدث في مجلس الامن قبل عدة ايام) قيادات الاحزاب التي إستقالت عن دورها، ومهماتها وواجباتها، مع ان الراتب والحق فيه، هو من اولى الحقوق واعظمها واقدسها بدون منافس، فعلى الراتب(الاجر المعاش، المشاهرة) تقوم وتتأسس الدول، وتبنى المجتمعات السوية المستقرة المتضامنة، وبدونه تكون الحرب وبداية الخراب العظيم. إن مفردات ومفهومات، ومسميات: الدولة، والنظام، والشرعية، والعمل، والانتاج، والراتب(الاجر)هي ترميزات مفهومية، صارت متداولة ولها معان متقاربة متكاملة، متضامنة،او مشتبكة مع بعضها البعض، إن لم تكن جميعاً تلتقي لصياغة منظومة معرفية، قانونية فلسفية واحدة، يجمعها في نهاية القراءة او المطاف جامع واحد مشترك. إن امعنا او عدنا للقاموس اللغوي او الفلسفي او السياسي، او القانوني، او الاقتصادي والاجتماعي، سنجد خيطا رابطاً بين هذة المعطيات او المفردات او المفاهيم : الدولة، النظام، الشرعية، العمل الإنتاج، الراتب(الاجر)خيط ناظم يجمعها وينتظم سير حركتها وعملها، في نهاية اي قراءة او عملية ممارسية..،اي قراءة لكل منهما على حدة، او مجتمعين. حين نقرأ او يرد ذكر أحدها، يتوارد في ذهن الباحث المعني: السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفلسفي، والقانوني،ترابط او تداعي ذكر المفردات والمفاهيم الاخرى، ذلك أن الجامع والناظم المشترك الموحد لمعانيها جميعاً، هو العمل، وخلاصته النهائية؛ الراتب او الأجر. فالدولة تتكون من العديد من المعطيات والمفردات، والمفاهيم الأولية: الشعب، الارض، الجيش، والإدارة ويضاف اليها في الدولة المعاصرة، منظومة فلسفية، حقوقية، قانونية، تكمل مفهومها ومعناها المعاصر، وجميعها جاءت لتؤكد وتكرس الحق الأعلى للناس في الراتب، لانها جميعا لاتعني شيئاً، بدون العمل،الذي يعني (الجهد الانساني المبذول في إنتاج اي سلعة كانت)والذي تعني به وتسميه كل القواميس، وفي كل اللغات وفي كل المجتمعات(إقطاعية راسمالية إشتراكية وغيرها) بمسمى الراتب..، فقط الانظمة العبودية المطلقة التاريخية هي التي فصلت الانسان وغربته عن ناتج عمله وانتاجه، وراتبه بصورة مطلقة، بعد ان حولته الى شيئ (سلعة تباع وتشترى) فهل نعود ونحن على مشارف تجاوز العقد الثاني من الالفية الثالثة الى العبودية والقنانة، باثر رجعي . إن الراسمالية(البرجوازية) والإشتراكية، والنظم الانسانية الحديثة، جعلت من العمل، والإنتاج، والراتب(الاجر الذي يتضاعف ولايعدم) قيمة اخلاقية وانسانية عظمى. وجرى الصراع في أجزاء هامة من التاريخ ، حول قضية العمل، والاجرة والعلاقة التناسبية المطلوبة فيما بينهما لصالح العمال،او من يواجهونهم في الموقف الآخر. إن العمل والإنتاج، والراتب كمحصلة قيمة عمل واجبة السداد طوعا وكرها،هو ما تتأسس وتقوم عليه اي دولة او نظام، فالراتب، الاجر، يعني العمل والإنتاج على اي مستوى كان..،وهي تحديداً من تعطي الشرعية، والمشروعية لقيام وإستمرار اي نظام ، والاعتراف به من قبل المجتمع او اغلبه الذي منحه حق الشرعية، وحق إستمرار مشروعيته من عدمها. العمل الذي يخلق فائض قيمة انتاجية، هو من يقوم عليه بنيان الدول، وتتأسس بموجبه الأنظمة، وتستقر المجتمعات وتزدهر، وبدون العمل ومحصلته الراتب، او الاجر، لاحديث عن اي شرعية، فالعمل والانتاج على اي مستوى كان(اداري نظامي ، سياسي، اقتصادي، اجتماعي، فني، عسكري، علمي امني) هو من تزدهر وترتقي الامم، والدول، ومن تتكئ عليه الانظمة، وهما : العمل والانتاج وخلاصتهما، الراتب، وهو ما تعارف القاموس الاقتصادي/السياسي، على تسميته بالاجر..، وهما العمل والانتاج، وليس الحروب وتجميع السلاح،وثقافة الغلبة، من اوصلت الدول والمجتمعات في صيرورة تقدمها العلمي والحضاري، إلى إكتساب وتشرب وتعلم معنى ثقافة الحوار،و الديمقراطية في تجليات ممارستها المعاصرة، انتخابات سياسية حقوقية، تؤسس وتكرس لمعنى المواطنة، والمساواة، ممارسة يقوم بها المنتجون للخيرات المادية في العموم: المنتجون على اي مستوى كان من الإنتاج : سياسي ثقافي إداري، اجتماعي إقتصادي، قانوني فلسفي امني عسكري علمي، وهي التي صارت اليوم عبر الإنتخابات، والممارسة الدستورية، من تعطي الشرعية، والمشروعية معاً ، لاي نظام او اي رئيس..، فهل يعقل ان يأتي بعد كل ذلك نظام حكم يقول عن نفسه انه يمثل الشرعية، ليقوم بالمساهمة والمشاركة في مصادرة حق الناس في ناتج عملهم(راتبهم/اجرهم) تحت اي ذرائع كانت..، حق المنتجون في الارض، بالراتب، لانه بذلك ينسف قواعد ومقومات شرعيته، ويصل حد إصدار حكم الاعدام بأهم اركان مشروعيته الاجتماعية، بعد ان شارك وساهم فعلياً في مصادرة حق جوهري واساسي لمن منحوه حق الشرعية، ومشروعية الإستمرار،وهو حقهم الشرعي في الراتب، وهو اهم عنوان تذهب اليه اي دولة او نظام في تاصيل معنى وجوده، كدولة ونظام حكم، ومن هنا ثغرة مقتله، او زواله، و مراكمة شروط مخاطر الثورة عليه. إن شرعية ومشروعية اي سلطة او نظام حكم(ديمقراطي/طغياني)تتمثل بحد ادنى من رضا الناس عنه، والقبول المشروط به، في تنفيذ شروط العقد ، وحين انت كنظام، او كرئيس وإن كنت شرعياً ، توافق وتشارك في إستمرار مصادرة حق الناس في الراتب(الاجر)فإن من حقهم حينها ان يجردوك في لحظة(طرفة عين) من اي معنى للشرعية منحوها اياك ولنظامك في لحظة توافق معين تضمنها، عقد بينكما،وحين تخل بشروط العقد فمن حقهم أن يسحبوا منك غطاء المشروعية الإجتماعية(الرضا والقبول)في بداية تلمسهم لطريق نقضك، في تململات النزول للشارع التي بدأت علائمها وملامحها ومؤشراتها، تتراء ، بهذا الشكل او الأخر، وحينها تفقد اي شرعية كل معنى قوتها، حين تصبح في مواجهة الناس، ومصائرهم ، ومعنى وجودهم..، تصبح انت وما تسميه الانقلاب شيئاً واحدا، لافرق بينكما، سوى في المسمى والشكل، مع توحدكما في الجوهر والمعنى والطبيعة، المتجسد في العداء لحق الناس في الراتب، حق الناس في الحياة. وعلى قيادات الاحزاب المهزومة من الداخل حتى العظم، ان تستفيق من سباتها وغفوتها الطويلة، وتستنهض الهمم، إما باستعادة الدور، والوظيفة والمكانة، او إعلان موتها السياسي،رالإنسحاب الكريم من المشهد، قبل ان تتحمل مسؤولية اخلاقية اعظم عن ما ستؤول اليه الاحوال، وهي كارثة محققة لاقدر الله وعلى جميع من يعنيهم الامر تدارك الموقف ببداية التحرك، ليس فقط من اجل الراتب وإنما من اجل استعادة حياة الدولة، وحيوية المجتمع، والبداية تكون في المقاومة لإستعادة المجال السياسي، وملئ فراغ السياسة، الذي تلطخ بالصخب والعنف والحرب، بعد أن احتل الجهل المقدس، بالحرب، كل فضاء السياسة، والثقافة، والمجتمع. المهمة مشتركة تعني الجميع، لان المسؤولية، بقدر ماهي فردية، هي كذلك مشتركة.
والله من وراء القصد. .... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet