تمدد المتمردون الحوثيون صوب البحر الأحمر بعد استيلائهم أمس الثلاثاء على مدينة الحديدة التي تعد واحدة من أكبر المدن اليمنية وعلى مينائها الاستراتيجي بالتزامن مع انتشارهم في مدينة ذمارجنوب العاصمة صنعاء في خطوة تؤكد استمرار المتمردين الشيعة المتهمين بتلقي الدعم من ايران بتوسيع رقعة نفوذهم في البلاد. وذكر مصدر عسكري يمني ل (الاتحاد) أن المتمردين الحوثيين دخلوا صباح الثلاثاء مدينة الحديدة غداة استيلائهم على مستودع أسلحة تابع للجيش في بلدة «باجل» على بعد 55 كم شمال شرق المدينة التي تقع على مسافة 230 كيلومترا الى الغرب من صنعاء. وأشار المصدر الذي يقود معسكرا للجيش هناك إلى أن الحوثيين استحدثوا نقاط تفتيش في شوارع المدينة التي يقطنها اكثر من مليوني نسمة د، مؤكدا أنهم ن تمركزوا أيضا في مطار الحديدة اضافة الى مينائها الاستراتيجي والعديد من مرافقها الحيوية. وقال: «دخل الحوثيون الحديدة دون مقاومة تذكر من قوات الجيش في سيناريو مماثل لدخولهم العاصمة صنعاء» في 21 سبتمبر الماضي بعد ستة أيام من القتال ضد قوات عسكرية محسوبة على حزب الإصلاح الإسلامي بقيادة الجنرال علي محسن الأحمر، الذي انشق عن الرئيس السابق علي عبدالله صالح إبان انتفاضة 2011 وغادر أواخر الشهر الفائت إلى المملكة العربية السعودية. ولفت المصدر إلى أن الحوثيين احتلوا فور انتشارهم في مدينة الحديدة منزل اللواء الأحمر الذي يعد الخصم اللدود للجماعة المتمردة في محافظة صعدة الشمالية منذ 2004، والتي خاضت منذ ذلك التاريخ ست جولات من القتال ضد القوات الحكومية في شمال البلاد. وذكر مصدر صحفي محلي ل (الاتحاد)، إن الحوثيين التقوا صباح الثلاثاء محافظ الحديدة، صخر الوجيه، واتفقوا معه على نشر لجان شعبية في شوارع المدينة لدواع أمنية، مضيفا:«هناك تساهل واضح من قبل السلطات إزاء تواجد وانتشار الحوثيين» الذين استولوا على مستودع أسلحة وذخائر في مدينة باجل كانت تحت أمرة الجنرال الأحمر. وأفاد شهود عيان أن المسلحين أقاموا نقاط تفتيش عند المداخل الرئيسية للمدينة وفي شارعها الرئيسي وقرب النقاط الامنية الرسمية التي بقيت مرابطة في مواقعها. وتسهم السيطرة على الحديدة في تعزيز الشبهات بسعي المتمردين للحصول على منفذ بحري مهم على البحر الأحمر ما يؤمن لهم السيطرة على مضيق باب المندب، الأمر الذي قد تستفيد منه ايران المتهمة من قبل السلطات في صنعاء بدعم الحوثيين. وقال مسؤول عسكري قريب من جماعة الحوثيين التي تطلق على نفسها اسم «أنصار الله» إن «الحديدة مرحلة أولى في طريق توسيع وجودهم عبر اللجان الشعبية على طول الشريط الساحلي وحتى باب المندب» على مدخل البحر الأحمر وخليج عدن. وبالتزامن مع سيطرتهم على مدينة الحديدة، أحكم المتمردون الحوثيون قبضتهم على مدينة ذمار الواقعة على بعد 99 كم جنوب العاصمة ويقطنها نحو 1.4 مليون نسمة. وقال مصدر قبلي في ذمار ل (الاتحاد)، إن المئات من المسلحين الحوثيين تمركزوا عند مداخل المدينة وفي شوارعها الرئيسية وأقاموا حواجز تفتيش، موضحا أن عملية انتشار الحوثيين في المدينة تمت دون معارضة السلطات المحلية وقوات الجيش المرابطة هناك. كما يسعى المتمردون إلى التقدم في اتجاه محافظة مأرب في الشرق حيث منابع النفط اليمني. وأكد مصدر قبلي لوكالة فرانس برس «وصول مسلحين حوثيين الى مأرب جوا من مطار صنعاء». يشار إلى أن مدن الحديدة، ذمار، ومأرب، تحتضن مراكز قيادات المناطق العسكرية الرئيسية للجيش (الخامسة – السابعة – الثالثة). وتعليقا على التمدد الحوثي المطرد في غرب ووسط وشرق البلاد، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالغني الماوري، ل (الاتحاد): «لا يمكن اعتبار سيطرة الحوثيين على مدن جديدة بأنها انتصارات، هناك انسحاب واضح من الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية». وأضاف: «الحوثيون ليسوا بهذه القوة حتى يفتحوا جبهات قتال عدة في مناطق مفتوحة لأن ذلك غباء عسكري»، لافتا إلى أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح والرئيس الحالي عبدربه منصور هادي «هما من يمتلكان الإجابة الواضحة عما يحدث في اليمن من تطورات». وشيع آلاف من مؤيدي المتمردين الحوثيين أمس الثلاثاء في صنعاء جثامين 43 شخصا قتلوا في هجوم انتحاري استهدف الخميس الماضي تجمعا لهم في العاصمة وأعلنت لاحقا جماعة أنصار الشريعة المرتبطة بتنظيم القاعدة في اليمن مسؤوليتها عنه. ويتهم خصوم الرئيس السابق الأخير، بدعم المتمردين الحوثيين نكاية بانتفاضة 2011 التي أنهت 33 عاما من حكمه للبلاد، في حين تصاعدت الانتقادات بشكل كبير ضد الرئيس الحالي ووزير دفاعه اللواء الركن محمد ناصر أحمد بسبب امتناعهما عن استخدام القوة لكبح جماح المتمردين. وقال وزير الدفاع اليمني في برقية تهنئة بعث بها إلى الرئيس هادي بمناسبة الذكرى السنوية ال51 لثورة 14 أكتوبر ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب، إن «القوات المسلحة جزء من واقعها ومن بيئتها ونسيجها الوطني، وليس بمقدورها الانسلاخ عن هذا الواقع وهذا العصر وعن تاريخ الوطن وأحداثه ومتغيراته وصراعاته الداخلية المتفاعلة سلباً وإيجاباً مع منتسبيها» مؤكداً إدراك الجيش اليمني «تعقيدات الواقع وأزماته وطبيعة ومكامن التهديدات والمخاطر الشاخصة أمام الوطن»، ومجددا ولاء المؤسسة العسكرية للرئيس اليمني . في غضون ذلك، احتشد عشرات الآلاف من أنصار الحراك الجنوبي أمس الثلاثاء في ساحة العروض في مدينة عدنالجنوبية لإحياء الذكرى السنوية لاندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاحتلال البريطاني. وقدم عشرات الآلاف على متن مئات السيارات يومي الاثنين والثلاثاء إلى مدينة عدن من مختلف مناطق الجنوب حيث تتصاعد المطالب الانفصالية منذ مارس 2007. ورفع المتظاهرون أعلام ما كانوا يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت تحكم جنوباليمن حتى اندماجه مع الشمال في إطار دولة واحدة في مايو 1990 إضافة الى لافتات معبرة ورددوا شعارات مناوئة للوحدة ومطالبة ب«الاستقلال» وفك الارتباط. وقال مشاركون في التظاهرة ل (الاتحاد)، إن العشرات أعلنوا اعتصاما مفتوحا في ساحة العروض ونصبوا العديد من الخيام لحين تحقيق مطلب الانفصال، وذلك في سيناريو مماثل للانتفاضة الأخيرة للمتمردين الحوثيين في صنعاء. ويرى جنوبيون كثر أن ما تشهده صنعاء منذ سيطرة المسلحين الحوثيين على المدينة، وانشغال النظام بصراعات سياسية وتراجع هيبة الدولة، كلها عوامل تؤمن فرصة سانحة لاستعادة دولتهم الجنوبية السابقة. وخلت عدن، وهي كبرى مدن جنوباليمن، من أي انتشار للقوات الحكومية استجابة لتوجيهات السلطات المحلية لتفادي صدامات محتملة مع المحتجين. وشدد رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي حسن باعوم على ضرورة فرض المطالب الجنوبية في هذا الوقت،داعياً الجنوبيين في المنفى إلى العودة إلى اليمن. وتأتي هذه التطورات غداة تعيين مبعوث اليمن لدى الأممالمتحدة، خالد محفوظ بحاح، رئيس الوزراء بعد أيام من المشاورات الجادة في خطوة تتجه نحو تخفيف الأزمة السياسية الناجمة عن عن سيطرة الحوثيين على صنعاء. ورحب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتعيين رئيس وزراء جديد وحث السلطات اليمنية على المضي قدما في عملية الإصلاح سعيا إلى إنهاء الأزمة السياسية التي طال أمدها في البلاد. وقالت ماريا برسيفال سفيرة الأرجنتين لدى الأممالمتحدة ورئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي أن المجلس المؤلف من 15 دولة يحث السلطات اليمنية على «تسريع عملية الإصلاحات بما في ذلك إصلاح الجيش وقطاع الأمن». وأضافت أن المجلس مستعد أيضا لدراسة فرض عقوبات على الأفراد الذين يعرقلون السلام والعملية السياسية في اليمن. ورحب مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى اليمن جمال بن عمر بتعيين بحاح لكنه حذر من أن «العملية الانتقالية تواجه خطر الانهيار». وأبلغ بن عمر الصحفيين بعد أن أحاط مجلس الأمن على أحدث التطورات في اليمن «هذه خطوة للأمام. الآن هناك حاجة إلى تحرك سريع لضمان تشكيل الحكومة وتنفيذ البنود الأخرى باتفاق (السلام والشراكة الوطنية)».