كتب/بروفيسور / سيف العسلي ان وضع اليمن على طريق الازدهار و الاستقرار ممكن بل انه مطلب ملح. لكن ذلك لن يتحقق ما لم يتم خلق و تطوير رؤيا استراتجية تحدد مستقبل اليمن الذي ينبغي على جميع اليمنيين ان يحلموا به و ان يعملوا بدون كلل او ملل على تحقيقه.ان هذه الرؤيا يجب ان تقوم على الاسراع في إصلاح الاقتصاد اليمني بحيث يكون قادرا على خلق وظائف كافية لطالبيها من ابناء اليمن و كذلك بحيث يكون قادرا على زيادة نصيب الفرد من الدخل. و لا بد ان تكون العوامل الداعمة لذلك قابلة للاستمرار و التطور، أي ان لا تكون موسمية او مرتبطة بعوامل لا يمكن السيطرة عليها مثل النفط و تحويلات المغتربين و القروض و المساعدات الخارجية. ان هذه الرؤيا يجب ان تقوم على تحقيق الاستقرار السياسي من خلال العمل على تجفيف منابع التوتر السياسي. و لتحقيق ذلك فانه لا بد من إيجاد قواعد جديدة و فاعلة تحكم العلاقة بين الحاكمين و المحكومين تقوم على أساس العدل و الرضا. و كذلك إيجاد قواعد تحكم العلاقة بين الحزب الحاكم و أحزاب المعارضة تقوم على الثقة و الاحتكام للمصلحة العامة و للشعب. و كذلك حل الاشتباك بين مؤسسات الدولة و القبيلة بما يحقق مصلحة الوطن. ان هذه الرؤيا يجب ان تعمل على تحقيق الانسجام الاجتماعي من خلال تجفيف منابع التطرف و التعصب المذهبي و تشجع التسامح. و لا يمكن تحقيق ذلك، الا من خلال العمل على محاصرة الاختلالات الامنية و على توفير حماية كافية لكل من النفس و المال و العرض لكل اليمنيين. اذا انه لا يمكن لاي مجتمع من المجتمعات ان يكون مزدهرا و مستقرا بأي شكل من الأشكال اذا أبناؤه مهددون في أنفسهم و أموالهم و أعراضهم. و لا شك ان توفير الحماية الكافية لهذه الأمور يجب ان يعطى أولوية كبرى على أي شيء آخر مثل التعليم و الصحة و البنية التحتية و الخدمات العامة الاخرى. ان تحقيق هذه الرؤيا على ارض الواقع في اليمن امر ممكن. فما من شك بأن اليمن يملك كل متطلبات تحقيق هذه الرؤيا و بالتالي تحقيق كل من الازدهار و الاستقرار. علينا ان ندرك ان تحقيق ذلك يتطلب الايمان بامكانية تحقيق ذلك والاسراع في تحقيق ذلك. علينا ان ندرك ان العديد من التجارب التي حققت نجاحا كبيرا قد بدات بداية متواضعة جدا. لكن هذه البداية كانت من خلال الاستخدام الذكي لموارد محدودة جدا. فنجاح تجربة امارة دبي تعزى للاستخدام الامثل لقرض بحوالي 5 ملايين دولار. فقرار الشيخ راشد بن مكتوم استخدام هذا القرض في تحديث ميناء دبي في ذلك الوقت بالذات قد مكنها من الاستفادة من الظروف التي حدثت في المنطقة مثل الثورة الايرانية. و نتيجة لذلك فان امارة دبي استطاعت ان تستغل هذا النجاح لتحقيق نجاحات اخرى ما كانت تخطر على اي بال في ذلك الوقت. ان نجاح تجربة دولة قطر يعود الى نجاحها في اقامة مشروع الغاز في تسعينيات القران الماضي. فبعد ان اشترطت شركات النفط و الغاز على قطر شروطاً مجحفة لجأت دولة قطر الى بديل ذكي و هو ان تقترض الملبغ المطلوب اي 500 مليون دولار من السوق الدولية و من ثم التعاقد مع شركات النفط لتنفيذ هذا المشروع لحسابها و نجحت في جمع الاموال و تنفيذ المشروع. و نتيجة لذلك فقد سددت هذا الملبغ في وقت قصير جدا و استفادت من ايرادات المشروع في توسيعه و تمويل مشاريع التنمية الاخرى. فالاقتصاد القطري في الوقت الحاضر ينمو بما لا يقل عن 18% سنويا و قد بلغ متوسط نصيب الفرد القطري من الدخل حوالي 68 الف دولار و الذي يعتبر اعلى معدل في العالم. ان النجاح الكبير الذي حققته الصين خلال الثلاثين السنة الماضية قد بدا هو الآخر بداية متواضعة. لقد بدأ عندما قرر مدير احد المؤسسات المملوكة للدولة ان يديرها وفقا للطرق التجارية، اي اعتماد تحقيق الربح، اي الفرق بين الايراد و التكاليف كمعيار للنجاح. و قد ترافق ذلك مع ربط حوافز العاملين في هذه المؤسسة بمقدار الربح. فقد اكتشف مدير هذه المؤسسة ان مؤسسته قد تضاعفت ايراداتها و ارباحها و عدد العاملين فيها بطريقة مذهلة و تحولت خلال فترة قصيرة الى مؤسسة كبيرة. و عندما علم بذلك الرئيس الصيني في ذلك الوقت اعجب بها و عممها على كل المؤسسات التابعة للدولة. و لقد سهل ذلك عملية اقامة المناطق الحرة في الصين و التي بدأت بمنطقة واحدة ثم ما لبثت ان توسعت توسعا كبيرا. و نتيجة لذلك فقد تعايش كل من القطاع الخاص و الاجنبي مع القطاع الحكومي لانها كلها تعمل بنفس الطريقة و الاسلوب. بهذه الخطوة الصغيرة تمكنت الصين من أن تصل الى ما وصلت اليه في الوقت الحاضر. لقد كان باستطاعة اليمن ان يحقق ازدهاره و استقراره اذا ما استخدم الامكانيات المتواضعة التي كانت متوفرة له وفقا لرؤية استراتيجة ذكية. عدم تحقق ذلك يكمن في إهدره في الماضي لفرص كثيرة. فقد كان بامكانه تحقيق ذلك من خلال استغلال ما حصل عليه من اموال كثيرة في السبعينات نتيجة لتحويلات المغتربين في دول الخليج. لقد كان في امكان اليمن ان يحقق ذلك من خلال الاستخدام الذكي لايرادات النفط. و قد كان في امكانه ان يحقق ذلك من خلال استخدام ايراد الغاز لو كان قد استفاد من تجربة التعامل مع شركة هنت للنفط من خلال استخدام العائدات المتوقعة من مشروع الغاز في إقامة شريكة وطنية تتولى تطوير حقول الغاز التي لم تدخل في الاتفاقية المذكورة او حقول الغاز التي يمكن ان تكتشف في مناطق اخرى. لقد خدعت كل من شركة هنت للبترول و شركة توتال للغاز اليمن. فعلى الرغم من أن الاولى قد حصلت على شروط مناسبة لها في اكتشاف و استغلال البترول في حوض ماربالجوف الا انها لم تتعامل مع اليمن كما كان ينبغي لها ان تفعل. فقد عمدت الى تخريب الحقل عندما شعرت انه لا يمكن تجديد الاتفاق معها بنفس الشروط. و لقد ترتب على ذلك خسائر فادحة لليمن. و من العجيب ان شركة توتال كررت الخدعة نفسها. اذ انها اقامت شركة وهمية في برومودا برأس مال قدره 12 الف دولار و تمكنت من ادخال اليمن شريكا في هذه الشركة. و بعد ذلك قامت بتسويق هذه الشركة مستخدمة الاصول اليمنية في حوض ماربالجوف كراس مال لها من دون ان تدفع لليمن قيمة ذلك. و قد نجحت شركة توتال في تسويق المشروع من خلال تقديم رشاوى للشركات المنافسة لها اي هنت و اكسون و غيرها و ذلك من خلال تقليص حصة اليمن. فهذه الشركة الوهيمة تتحول الى شريكة حقيقية تقيم مشروعاً لاستغلال الغاز اليمني بتكلفة تقدر بحوالي 4.5 مليار دولار دون ان تدفع سوى 12 الف دولار. فهذه التكلفة تم تمويلها من خلال قروض ستدفع من ايرادات المشروع و كذلك من خلال مبالغ قدمتها هذه الشركات و لكنها حصلت على موافقة اليمن على خصمها من ايرادات المشروع. اما ما سيحصل عليه اليمن من هذا المشروع هو تقاسم الفارق بين ايرادات الغاز و تكاليفه الراسمالية و التشغيلية و نفقات التأسيس. بالاضافة الى ذلك اعتبار الحكومة اليمينة شريكا في هذه الشركة بنسبة 21%. و لذلك فان اليمن لن تحصل على اي شيء إلا بعد تسديد تكاليف المشروع بالكامل. مع الاخذ بعين الاعتبار ان ادارة المشروع هي في يد شركات توتال و الشركات الاخرى على اعتبار انها صاحبة اغلبية اسهم الشركة. و لذلك فهي التي تحدد النفقات التشغيلية و تقوم بالتعاقدات حتى مع الشركات الام و تكاليف ادارة المشروع. لقد كان بامكان اليمن ان تستغل جزءاً من ايراداتها النفطية للدخول كشريك حقيقي في هذه المشاريع. و في هذه الحالة فانها كانت ستحقق مكاسب متقاربة من مكاسب سلطنة عمان من ايراد النفط و الغاز. فالشكركة التي تدير ذلك في عمان هي شركة مساهمة تملك فيها الحكومة العمانية 60% و الشركات الاجنبية النسبة المتبقية. ان استخدام هذه العائدة في تمويل النفقات الجارية او النفقات الاستثمارية غير الاستراتيجة في الموازنة العامة قد ادى الى إنفاقها على مجالات لا تدر دخلا في المستقبل و لا شك ان ذلك قد عمل على جعل الاقتصاد اليمني جامدا. فاذا ما كان قد وظف و لو جزءاً منها في مشاريع مدرة للدخل لكان ذلك قد عمل على خلق مصادر جديدة للدخل في اليمن مما كان سيساعده في تحقيق ازدهاره و استقراره بشكل مستمر. فقد كان بامكان اليمن تحقيق ذلك من خلال استغلال ما تبرع به المانحون في مؤتمر لندن في عام 2006 في تمويل مشاريع استراتجية كبيرة مثل الكهرباء و المناطق الحرة و تنمية بعض الجزر اليمنية سياحيا و مركز للمهارات و مصافي للنفط. فهذه المشاريع كانت ستعمل على دفع الاقتصاد اليمني الى الامام و توفر فرص عمل للعاطلين و توفر موارد جديدة للدولة كان يمكن ان تساعدها على تغطية العجز.