من المؤكد أن الربيع العربي قد أعاد خلط الأوراق من جديد بعد سقوط أصنام الأنظمة الديكتاتورية وفرض واقعا جديدا يستدعي للتعامل معه وجود ديمقراطية حقيقية لا وهمية كما كان عليه الحال في الماضي, فثورات الربيع العربي جاءت من اجل الديمقراطية والتي في ظلها تنعم الشعوب بالحرية والكرامة والمواطنة المتساوية ويحكم الشعب نفسه بنفسه بعيدا عن التبعية والاستبداد العائلي المقيت. ولاشك في أن الربيع العربي قد حصر أحزاب الطغاة المستبدين في زاوية ضيقة بعد سقوطهم وصار من الصعوبة بمكان تعايش هذه الأحزاب مع الواقع الجديد حاضرا ومستقبلا باعتبارها تمثل وجه الأنظمة الاستبدادية في الماضي والذي ينبغي أن يزول وان يجتث من جذوره في المستقبل وهذا بالتأكيد ما حصل لحزب التجمع الدستوري في تونس والحزب الوطني في مصر حيث تم حل الحزبين بعد سقوط الطاغيتين بن علي ومبارك. في اليمن يبدو الأمر مختلفا جدا، إذ مازال حزب المؤتمر الشعبي العام شريكا في السلطة إلى جانب أحزاب المعارضة، في مفارقة عجيبة تميزت بها اليمن عن كل من تونس ومصر أسهمت المبادرة الخليجية في خلقها ما جعل خيار حل حزب المؤتمر الشعبي العام بعد سقوط صالح مستبعدا حتى الآن.وهذا يمثل بحد ذاته انتكاسة حقيقية للثورة اليمنية ولمن قبلوا بهذه المبادرة ووقعوا عليها . ومن المعروف أن صالح جمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب في آن واحد ,وبنفس عقلية الاستبداد والإقصاء التي أدار بها الدولة أيضا أدار بها الحزب وفقا لمفهومه الخاص للديمقراطية التي كان يتخوف منها، كونها قد تبعده عن كرسي الحكم في يوم من الأيام , ونظرا لذلك عمد صالح إلى تشويه صورة الديمقراطية وإخراجها عن مسارها الصحيح وتفصيلها على مقاسه كما أراد وتمكن بالفعل من تأسيس حزب سياسي هش يمنحه صفة الحكم والبقاء في السلطة باسمه فقط ويستند ليس على المؤسساتية القائمة على الديمقراطية والمشاركة الواسعة في اتخاذ القرار وإنما على النفعية والمصالح الضيقة والتفرد بالقرار، حيث استبدل صالح ذوي الكفاءة والنزاهة بأصحاب الوجاهات والنفوذ وحمران العيون الذين استأثروا بمقدرات الوطن وثروات البلاد تحت حمايته الشخصية و أباح لهم الأخضر واليابس مقابل بقائه في السلطة وحماية الكرسي التي يجلس عليها ووجههم لضرب خصومه وإقصاء معارضيه خصوصا في الانتخابات كنوع من الاختبار على أساسه كان صالح يقيس شعبيته الزائفة وفقا لمبدأ من ليس معنا فهو ضدنا! وبنفس هؤلاء أيضا حاول الوقوف في وجه الثورة الشعبية السلمية وتحويلها إلى أزمة سياسية إلا انه فشل في ذلك! وغني عن القول أن حزب المؤتمر الشعبي العام لم يعرف التنظيم كحزب سياسي يؤمن بالديمقراطية ويستند في أدائه ورسم سياساته على برامج وأطر سياسية وحزبية بمعية صالح خلال السنوات الماضية وان كان هذا الحزب يبدو متماسكا من الخارج في المواسم الانتخابية إلا أن الخزينة العامة للدولة مثلت أساسا لهذا التماسك إلى جانب الوظيفة العامة والجيش في كل الجولات الانتخابية التي شهدتها البلاد منذ عام93م. وخلاصة القول إن حزب المؤتمر الشعبي العام سيواجه صعوبات جمة في التعايش مع الواقع الجديد بعد رحيل صالح، خاصة إذا نجحت الثورة اليمنية في إحداث التغيير المنشود لأبناء اليمن وأسست لديمقراطية حقيقية يتعايش في ظلها الجميع وهذا ما لم يتعود عليه حزب العائلة من قبل ولن يتغير حاله إذا ما ظل صالح وفقا لتصريحاته رئيسا لهذا الحزب بعد خروجه من السلطة ولم يقدم للعدالة. وبالتالي فانه ينبغي على أحزاب المعارضة بمعية من تبقى من الشرفاء في حزب المؤتمر ومن يسعون لتأسيس دولة مدنية حديثة في حكومة الوفاق الوطني واللجنة العسكرية البدء فورا بتطهير كافة مؤسسات الدولة من بقايا حزب العائلة ومحو ثقافة الفساد والفيد التي كرسها صالح على مدى العقود الماضية وإعادة الاعتبار للديمقراطية , وما لم يحدث ذلك فان الثورة الشعبية السلمية ستكون قادرة بالفعل على اجتثاث جذور الفساد والاستبداد وتقرير مصير صالح وحزبه من بعده على الطريقتين التونسية والمصرية كخيار لا زال مطروحا وبقوة على طاولة الثورة الشعبية اليمنية.