أدباء يمنيون وعرب يحيون الذكرى الأولى لرحيل درويش كتب/ المحرر الثقافي أن تحضر القصيدة وموهبة سلطانها والصباح في آن واحد يفتق بهم المرء ريقه عارضا عن وجبة الإفطار حتى الظهيرة ويفتتح بهم يوما جديدا" كزهر اللوز أو أبعد" في عمره الكبريتي، ويغتسل من أوجاع ليل يمتد معه من الغروب إلى الغروب بنهار درويشي فذاك لعمري من حسن حظ المكان والزمان والإنسان، ولكنه ما حدث بالفعل في قاعة مركز الدراسات والبحوث اليمني صباح الأربعاء الماضي حينما طفقت كوكبة من أهل الأدب والشعر يتصدرهم أديب اليمن وشاعر الجزيرة الدكتور عبدالعزيز المقالح تحيي الذكرى الأولى "لميلاد" مجدد القصيدة العربية وشاعر الوجع العربي والقضية الفلسطينية محمود درويش بإقامة فعالية ثقافية حملت عنوان "درويش حضور الغائب". في الفعالية كان من الطبيعي أن يطغى حضور سلطان القصيدة و"متنبي عصر الحداثة" ويغيب الحضور في نشوة صمت مبتل بالحزن وهم يغورون في أعماق "أثر الفراشة" و"إجازة قصيرة" و"وصية إلى شاعر شاب" وغيرها من إبداعات الفيلسوف الكوني قراءة ونقدا، يستخرجون منها أبهى الحلل، وإبداعاً مختلفاً ألوانه لم تقو موهبة أخرى على الإتيان به كموهبة "لاعب النرد" ومحترف "الكتابة على ضوء البندقية" ومثلما لم يرد لقصيدته أن تنتهي كما في آخر قصائده فإن مثل محمود درويش لا يمكن أن ينتهي حتى في ذاكرة أدمنت النسيان. لم يخش ابن النكبة يوما الموت وقد تنبأ به وعاركه ثلاث مرات، ولكن كان جل ما يخشاه الموت عن الكتابة، وظل على مدار أربعين عاما يحمل قضية شعبه (الضحية) بسردية رائعة مثل الشاعر القديم في قومه كما يصف بعض النقاد، حتى أصبح هو الهوية الوحيدة للفلسطينيين يدل عليهم أكثر من الوجع، وبتجاوز بشعره عنهم تأثيرات الحدود إلى العالمية. وحيدا ملفوفا بالزئبق.. مسجى فوق الكلمات استذكر محمود درويش مناسبة غيابه كما قال الناقد العراقي البرفيسور حاتم الصكر في ورقة قدمها في الفعالية ذكر فيها أن درويش استعاد من نصه بالغ الدلالة "في حضرة الغياب" نبوءة ما سيجري في التاسع من آب/ أغسطس (موعد وفاة الشاعر) ورصد أيام غيابه القادمة في نص إشكالي متردد بين الشعر الموزون والمنثور والنص الكتابي النثري، وراح يشم روائح نعية وتشييعه، فيعذر مشيعيه ويدعوهم للانصراف لعشاء احتفالي في ذكراه. ولمغالبة لقاء الموت ذكر البرفيسور الصكر أن درويش كان يختار مفردات كالذهاب مثلا وكأنه ماض إلى حفل وداع يلقي فيه خطبته الأخيرة على وعد القدوم في هيئة أخرى. وكما أن درويش بقي شاعرا للأمل والإنسان والوطن والحياة، فإن الحب أيضا حسب الناقد الصكر كان من المشغِّلات الفاعلة في قصائده حيث يقرنه بزمن لابث لبرهة لا بد أن يقتنصها الشاعر كما يفعل مصور فائق الإحساس. كما قدم في الفعالية د. طاهر الجلب ملمحاً عن آلية اشتغال مخيل الشاعر محمود درويش تناول فيه إضاءات قال عنها إنها عملت على تشكيل إبداع درويش والتنوع في تجربته، بحيث كان يقترب من الحقيقة ولا يبالغ في التحليق بعيدا عن الواقع. تخلل الفعالية قراءات شعرية من إبداع الشاعر بأصوات شعراء يمنيين عبدالرقيب الوصابي وسلطان عزعزي وجميل مفرح. فيما ذهب هزاع مقبل، ومجيب الرحمن هراش وعبدالواحد عمران وصلاح الشامي يتلون مراثي القوافي في ذكرى رحيله. ومن رحيل أكبر إلى رحيل أصغر جاء مسك ختام ليحط في محراب الدكتور علي حداد الذي حزم حقائبه لإعلان مغادرة اليمن إلى بلده العراق بعد عقد ونصف هي سنوات البقاء في وطن الثاني أستاذا للنقد الحديث في جامعة صنعاء، ليتدثر الحاضرون بلحظات تقبيل الحزن. أدار الفعالية الشاعر محمد القعود رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع صنعاء. وكان الشاعر محمود درويش قد فارق زمن المستعار وحياة عذاب الخلود كما كان يسميه في 8 أغسطس 2008م عن 67 عاما من داخل مستشفى هنوستن بالولايات المتحدةالأمريكية بعد إجراء عملية قلب فاشلة سبق له قبلها إجراء عمليتين عام 1984م والأخرى عام 1996م بسبب مرضه في الشريان المتصل بالقلب. وفي أجواء ملبدة بالحزن وغزير الدمع شيعت جماهير رام الله يتقدمهم الرئيس أبو مازن محمود عباس وأصدقاء ومحبو درويش جثمان الراحل إلى مثواه الأخير في قريته البروة بالجليل يحمل ضريحه اسمه وعبارته "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".