استطلاع/ رشيد الحداد "إذا كانت اللجان السابقة التي أوكلت إليها تسمية شوارع العاصمة قد اعتمدت على الأرقام وحولت الشوارع إلى جدول للطرح والضرب فإن اللجنة الجديدة -وقد تكون الأخيرة- اعتمدت أسماء النواحي والمديريات والقرى وكأن أسماء الشهداء والأعلام التاريخيين لا تكفي، علما بأن عدد شهداء الوطن في مقاومة عهود الظلام والاستبداد والاحتلال الأجنبي يفوق عدد أحجار بيوت العاصمة" د/ عبدالعزيز المقالح... لم تكن ملاحظات حكيم اليمن وأديبها بمثابة رصاصة الرحمة على مشروع تسمية وترقيم شوارع أمانة العاصمة الجديد الذي اتخذ من الوحدة مبررا دون أدنى اعتبار لما كان يجب أن يكون فما اقتبسناه من ملاحظات المقالح التي جاءت في مقاله المعنون ب "أرجوكم أوقفوا هذا المشروع العشوائي" كان دافعا أساسيا لنا لمعرفة ما هو كائن وطرق أبواب المعنيين حاملين أكثر من علامة استفهام مفتوحة ابتداء بترجي المقالح وانتهاء بتساؤلات الواقع والشارع معا.. إلى التفاصيل. لا صوت يعلو في شوارع وأحياء وأزقة وساحات أمانة العاصمة فوق صوت العشوائية ولا حدود موضوعية أو قانونية تحدد نطاق الارتجال في التخطيط المدني والتنظيم المتناغم مع التطور الحضري للعاصمة الأم، فما يعد مستحيلا في عواصم دول العالم النامي والثالث ممكن حدوثه حصريا في أمانة العاصمة اليمنية، فحالة شوارعها المفخخة بمئات الحفر والمطبات التي تختفي شهرا وتعود دهرا ليست السيئة الوحيدة الباعثة للاستياء وحسب بل إن أسماء معظم الشوارع الجديدة والأحياء تحكي قصة أخرى من العشوائية المفرطة فلا توجد شوارع بأسماء أرقام كشارع العشرين والثلاثين والخمسين والسبعين والمائة إلا في اليمن، فالأعداد الاحادية والعشرية يبدو أنها استنفدت في تسمية الشوارع كما يشير اسم شارع "صفر" الكائن في أحد أحياء حدة أما الوجه الآخر للشوارع من حيث التسمية فقد تحولت إلى شوارع خاصة جدا مسماة بأسماء كبار القوم الذين يقطنون في أحد أزقتها وهم خليط من رجال الدولة والتجار والمشائخ وصولا إلى أن أحد الأطباء الشعبيين حاول تغيير اسم أحد الشوارع باسمه لولا تدخل المواطنين وإسقاط المسمى الخاص الجديد. مناطقية شوارع العاصمة الجديدة التي لم تخضع لأي معايير لا من حيث تخطيطها التخطيط الجيد الذي يلبي متطلبات الحداثة ولا من حيث القدرات الاستيعابية للمستقبل بانتظار تحميلها أسماء مناطقية في الأسابيع القادمة وتحت مسمى مشروع تسمية شوارع العاصمة، المثير للجدل في الآونة الأخيرة لمخالفته قانون السلطة المحلية رقم 4 لعام 2000م ولائحته العامة من جانب ولاعتماده على أسماء نواحي ومديريات وقرى جنوبية قيل إن الغرض من نقل أسمائها تثبيت الوحدة الوطنية وكذلك إطلاق أسماء غريبة على بعض الشوارع كشارع "البن- الديمقراطية - الشموخ- الربيع- الأطباء- الصحافة- السد- النور- الشباب - 27 إبريل - اليرموك- ابن رشد- ابن خلدون) كما يضاف إلى تسمية الشوارع ترقيمها. شارع للديمقراطية وآخر للنور المشروع الذي قامت بإعداده لجنة فنية تتراوح كلفته الأولية نصف مليار ريال منها 250 مليون ريال للوحات الخاصة بإشهار أسماء الشوارع الجديدة فضلا عن أن المشروع يستهدف تغيير أسماء قديمة وفق إشارة المعنيين الذين أكدوا أن المشروع ينقسم إلى مرحلتين الأولى سيتم تدشينها في الأسابيع القادمة والمرحلة الأخرى ستتم بعد عام من تدشين المرحلة الأولى، المشروع الذي مر بعدة مراحل منها مرحلة التفكير والدراسة والإقرار والبدء بالتنفيذ لم يستوعب تجاوب المواطن مع الأسماء الجديدة، وهو ما جعله مثار خلاف وسخرية بين المواطن البسيط والموظف العام ومن تلك الأسئلة الساخرة.. ما مدى رضا المواطن الذي يعيش في بيئة شمولية متجذرة في أن يسمى الشارع الذي يعيش فيه بشارع الديمقراطية وهل الديمقراطية بحاجة إلى شارع حتى تتجذر نهجا وسلوكا؟! وهل شارع النور سينعم أهله بعدم انطفاء الكهرباء؟ وما دلالات إطلاق اسم البحر الأحمر والبحر العربي على شارعين؟! وهل فصل الربيع بحاجة إلى شارع والبن بحاجة إلى شارع أم إلى إنقاذ من الانقراض؟ فشل الترقيم تلك التساؤلات التي أطلقها المواطن البسيط والمدرك لحقائق الأمور لم تكن الوحيدة وحسب ما قيل لنا في قطاع الشئون الفنية لأمانة العاصمة أن أمواج الانتقادات التي تلقاها المشروع كانت في حالة لا حدود لها وكلما تراجعت حدة الانتقادات عادت من جديد الأمر الذي تسبب في إعاقة المشروع لمدة ثمان سنوات وكبد الخزينة العامة للدولة خسائر فادحة، حيث بدأت المرحلة الأولى من تنفيذ المشروع عام 2002م من قبل وزارة الأشغال العامة والطرق ولم يكتب لها النجاح، حيث سعت إلى ترقيم المنازل ولم تستكمل مشروع الترقيم فسلمت الدور للمؤسسة الاقتصادية اليمنية التي فشلت هي الأخرى ومن خلال لقاء عدد من أعضاء اللجنة المكلفة بتسمية الشوارع وترقيمها اقتربنا من المشكلة، فالمشروع حسب الردود استند إلى لائحة تنفيذية أقرت من قبل رئاسة الوزراء عام 2002م وأولت أسماء الشهداء والمناضلين والرموز الوطنية التي لا يمكن تجاهلها، كون التاريخ قد خلدها إلا أن ما تضمنته اللائحة التنفيذية قوبل هو الآخر باعتراض وعلى ذمة الراوي فإن بعض الأسماء أطلقت على شوارع واسعة وأسماء شخصيات أطلقت على شوارع ضيقة مما أدى إلى احتكاكات وانتقادات كون ضيق الشارع لا يتناسب مع الدور البطولي والتاريخي للشخصية التي أطلق على الشارع اسمها. سنة أولى تسمية قبل عامين عاد مشروع تسمية وترقيم شوارع أمانة العاصمة الجديدة والقديمة منها باستثناء الشوارع التاريخية ليبدأ العمل من الصفر بتشكيل لجنة مكونة من 10 ما بين مهندس وإداري للقيام باتخاذ الخطوات العملية لإنجاز لائحة الأسماء الجديدة التي مرت بعدة مراحل أعقبت مرحلة المقترحات التي تباينت بين استقدام شركة استشارية أجنبية أو الاستعانة بمكتب استشاري هندسي متخصص أو الاستفادة من الكادر الخاص بالشئون الفنية للأمانة من مهندسين واستشاريين وهو الخيار الذي حظي بإجماع، حيث بدأ الاتجاه العملي للجنة بإعداد الخرائط والمخططات الرئيسة تمهيدا لبدء مراحل المشروع الذي بدأ هو الآخر بمرحلة التفكير والدراسة ووضع الخيارات والاستشارات لتلك المراحل التي أكدها عدد من أعضاء اللجنة المكلفة بتسمية وترقيم شوارع أمانة العاصمة استغرقت فترة زمنية قدرها عام واستنفدت مبالغ مالية كبيرة إلا أن ما حصل عليه المهندسون أعضاء اللجنة لا يزيد عن 850 ألف ريال. السامعي: الأسماء قابلة للتعديل المهندس مدين السامعي كبير المهندسين في اللجنة أفاد بأن المشروع لا يقتصر على مديريات الجنوب وحسب وإنما جل مديريات الجمهورية ال333 وكذلك القلاع التاريخية والحصون والموانئ البرية والبحرية والأودية والجبال وأسماء شخصيات تاريخية وأن عدد أسماء الشوارع ما يقارب ألف اسم وبالرغم من تأكيده أن تلك الأسماء لا زالت قابلة للتعديل ولا تزيد عن مقترحات أشار إلى أن العشرات من الشوارع القديمة سيتم تغيير أسمائها، منها شارع الستين الذي سيقسم إلى عدة شوارع وشارع الزبيري الذي ستقسم أجزاء منه وتسمى بأسماء مختلفة وكل الشوارع التي سميت بأسماء شخصيات كشارع هائل الذي سيتم تغييره إلى شارع الرياض وشارع مجاهد وشارع السلامي، وأضاف: سيظل شارع جمال وعلي عبدالمغني والزبيري دون تغيير كونها قد صدرت بها قرارات رسمية وحول الشوارع الصغيرة 16 متراً والتي هي شريانية وحيوية سيكون لها أسماء وما دون ذلك لن تسمى. المهندس السامعي أوضح بأن لكل اسم من أسماء تلك الشوارع معنى ودلالة خاصة حتى شارع البن قال لارتباطه بشجرة البن حال سؤالنا عن أسباب تسمية شارع لا يوجد فيه أي سوق للبن على الأقل. فرص الفشل والنجاح عدد من المهتمين رجحوا كفة فشل المشروع واستبعدوا النجاح، معتبرين الفشل مصير أي مشروع لا يرى ظروف البيئة المحلية ولا يتم وفق تحليل الوضع الراهن والاستفادة من الأخطاء السابقة ولا يضع أي اهتمام للجانب المعني بقبول مخرجات المشروع ومن أولئك بعض الموظفين في أمانة العاصمة الذين اقترحوا أن تسمى الشوارع بالتزامن مع إنزال مخططها كي يتكيف الناس مع أسمائها، فريق آخر يتساءل عن أسباب إصرار المواطن في شيراتون على تسمية الشارع باسم الفندق وعدم تقبلهم لاسم نشوان الحميري كبديل لاسم الشارع كما يتساءلون عن أسباب عدم تقبل المواطن في شارع هائل الاسم البديل منذ عشرات السنين الرياض إلا أن لجنة التسمية والترقيم أفادت بأن تطبيق المرحلة الأولى سيتم بالتزامن مع حملة توعوية كبيرة لإقناع المواطنين بالأسماء الجديدة بالإضافة إلى اللوحات الإعلانية التي ستحمل الاسم البديل للشارع. أكثر من خلل أمام المحاقري ترددنا أكثر من مرة على قطاع الشئون الفنية بأمانة العاصمة بعد أن حصلنا على وعد من المهندس/ معين المحاقري وكيل الامانة للقطاع يوم السبت إلا أن محاولاتنا لم يكتب لها النجاح لانشغاله بتفقد أضرار السيول واتخاذ بعض الإجراءات الكفيلة بتفادي بعض المخاطر على المواطنين حسب ما قيل لنا في عدد من المناطق إلا أن تمنيات كل مواطن وكل سائق باص وحافلة وتاكس نحملها بدورنا إلى المهندس المحاقري بصيغة سؤال "متى ستصبح العاصمة بلا حفر ومتى سيتم إعادة النظر في قنوات السيول الفرعية وما الأسباب الحقيقية لتحول جسر الصداقة إلى جسر عائم بمياه السيول ومتى سيتم إنشاء جسر للمشاة في شارع الستين ما بين سيتي مارت والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لوقف مسلسل الموت الذي لا ينتهي نتيجة وجود خلل فني في الشارع استثنى حق المارة في المرور بين دفتي الشارع ذي الخطوط الأربعة؟ المقالح أوقفوا هذا المشروع الدكتور/ عبدالعزيز المقالح المستشار الثقافي لرئيس الجمهورية اعتبر في ملاحظاته المشروع الجديد الذي يراد به تقوية الوحدة الوطنية عملا ذرائعياً عمدت اللجنة الموكل لها شأن تسمية الشوارع على التذرع بتثبيت الوحدة، وفي مقال له نشر في صحيفة الثورة العدد (16653) الموافق 16 يونيو الماضي تحت عنوان أرجوكم أوقفوا هذا المشروع العبثي خاطب لجنة الشوارع بالقول "يا لجنة الشوارع الوحدة راسخة في أعماق المواطنين وليست في نقل أسماء المناطق والقرى إلى العاصمة وهو ما لم يحدث ولن يحدث في أية عاصمة من عواصم الشرق والغرب القديم منها والجديد.. وأضاف المقالح: يبدو أن ما توصلت إليه لجنة تسمية الشوارع الحالية يختلف كثيرا عن مشاريع اللجان السابقة التي حولت الشوارع إلى جدول للطرح والضرب.. واستطرد قائلا: يجدر التوقف قليلا عند بعض الملاحظات المهمة على المشروع الجديد وتوصيل صوت الشارع إلى المسئولين وإلى أعضاء اللجنة الذين عملوا بصمت وسرية تامة ولم يطرحوا مشروعهم سوى على عدد قليل جدا ممن يعنيهم أمر العاصمة وضبط الفوضى الشائعة في تسمية الشوارع المتكاثرة.. واعتقد المقالح أن أمين العاصمة لن يقتنع بما تطبخه اللجان ولن يقبل بأن تتحول العاصمة إلى معجم للبلدان أو دليل تليفونات وذلك ما يطمئن الحريصين على أن المشروع المطروح لن يتم تنفيذه حتى يدرس وفي مقال آخر بعنوان "عن شوارع العاصمة مرة أخرى أشار الدكتور/ عبدالعزيز المقالح إلى أن أسماء مشاهير اليمن التي كانت محصورة في ربع صفحة نشرتها أمانة العاصمة في صحيفة الثورة تضم أسماء محدودة جدا من أعلام اليمن من الجاهلية إلى العصر الحديث ولا اعتراض على أن تأخذ مكانها في الشوارع والميادين، أما ما أصبح محل شجب واستنكار فهو مئات الأسماء التي ستتحول معها العاصمة إلى قاموس مناطقي وهو أمر غير مسبوق مهما كانت المبررات والتخرصات ومنها المزاعم الوحدوية وتابع قوله: إذا كان بعض الذين تولوا وضع أسماء الشوارع قديما وحديثا لا يحترمون أسماء الشهداء فعليهم أن يحترموا تاريخ هذا الوطن. تساؤل: مقترح تغيير اسم جبل نقم إلى اسمه الحقيقي غيمان هل سيؤخذ بالحسبان دعوات عقلاء هذا البلد وحكمائها أم أن انتقاد البعض حسب ما أشار إليه أحد أعضاء اللجنة أمر طبيعي ولا يعني بأي حال من الأحوال إلغاء مشروع التسمية والترقيم كون المشروع حسب المزاعم قد شارك فيه بعض دكاترة الجامعات؟