بعد نجاح تظاهرة التصالح والتسامح في الثالث عشر من يناير الحالي وبعدها مهرجان (نحن أصحاب القرار) الأحد الماضي يعد من السذاجة التعامل مع الجنوب بالطريقة والأسلوب الذي كان يتم التعامل به طوال العقدين الماضيين أو حتى ما يتم التعامل به اليوم من قبل السلطة وأحزاب المشترك، والتي تعد دلالة على عدم استيعاب درس ما زالت عبره حاضرة. وليس أدل من ذلك الممارسات التي ما زالت سارية حتى اليوم من قِبَل من يعدون الحديث عن الانفصال مساويا للشرك بالله وخيانة وطنية عظمى بدلاً من محاولة إيجاد مقاربة من خلال خلق فهم مشترك لا يُبنى على الحق والباطل، الذي يستنجد بالدين بتعسف آياته وأحاديثه والاستمرار باعتماد الفذلكة إزاء قضية الجنوب، بعيداً عن التعامل الصادق مع مطالبها, والتحوط من نجاح الانفصال بإيجاد بؤر تفجير مستقبلية، عوضاً عن الاعتراف بالأسباب الحقيقية التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد من التعقيد. والسؤال الذي يفرض نفسه أنه ومنذ انطلاق الثورة المصادرة.. ما الذي قدمه الوحدويون بمختلف مشاربهم من رسائل تطمين للجنوبيين يمكن أن تمثل مؤشرات تغيير يتم البناء عليها غير المزيد من الفهلوة واستغباء الناس بسذاجة ندر مثلها. فهل يمكن عد قيام أحزاب السلطة المؤتلفة بمصادرة ممثلي الجنوب في الحوار المقاطعين أصلا لصالح شماليين فقط لأن مديرياتهم تم ضمها لمحافظات جنوبية تعد رسالة تطمين.. وهل عدم صدور قرار واحد بإرجاع الحقوق وخلق مسميات لمنظمات وهيئات يوضع على رأسها موالين بغرض خلق صراع يمكن عدها من رسائل التطمين؟.. ليس أسهل من الكذب وخداع الذات الذي حبله أقصر مما يتوقعه البعض، وعلى هؤلاء الوحدويين أن يحسنوا فهم المتغيرات التي حصلت وتحصل كل يوم، وأن تؤخذ بالجدية لا بالتبسيط المخل الذي طالما اعتمدها النظام السابق حتى وصلت الأمور على هذا النحو من التعقيد. إن إنشاء نواة لجيش جنوبي مسألة لا تتوقف عند إعلان وجوده واستعراضه، وإنما من المنطقة الذي انطلق منه، وهي حضرموت الذي طالما عرف عن أبنائها مدنيتهم وزهدهم في الانتساب للقوات المسلحة والأمن. كما أن التسابق على إنشاء المليشيات تحت مسميات عدة وكمية السلاح المهولة التي يتم توزيعها من قبل الأطراف في رأس السلطة وحزبي المؤتمر والاصلاح لا يحمل دلالة ودٍّ نحو أبناء الجنوب. وبالقدر ذاته يمثل انسحاب الطلاب الجنوبيين من كلّيتي الشرطة والبحرية بدعاوى ممارسة المناطقية عليهم في ظل غياب أي تفاعل من قبل الجهات المعنية (الداخلية/ الدفاع) وترك الأمر حتى تطور إلى اعتباره فعلاً ممنهجاً تولى تلقفه قيادي جنوبي يريد أن يكرس نفسه ممثلا للجنوب في إطار التنافس الحاصل بالادعاء بتمثيله. يمكن القول بكل طمأنينة: إن السلطة مع أنها جنوبية وكذلك أحزاب المشترك لم تقدم شيئاً ذا معنى لحلحلة مشاكل الجنوب بسبب ركونها إلى الموقف الدولي وتصريحاته المعلنة المناهضة للانفصال ووعده بالتماهي في مسألة سلق الحوار والسير به بمن حضر من الجنوبيين المحسوبين على أحزاب الإتلاف الحكومي والاعتراف بقراراته ومخرجاته ولعل حضور أعضاء مجلس الأمن الدولي للانعقاد في صنعاء سيمثل دفعا جديدا لمواصلة السير في تجاهل المشاكل العالقة والقفز عليها اعتمادا على مساندة لا يمكن التعويل عليها في حالة ما فرض الواقع خيارا آخر على الأرض. ويمكن الاستفادة من موقف مماثل حينما ساندت دول إقليمية ودولية انفصال 94 وتم توجيه تحذير دولي لسلطة الوحدة من أن اقتحام عدن خط أحمر، وحين أصبح الأمر واقعاً واقتحمها الجيش الوحدوي ابتلع المجتمع الإقليمي والدولي لسانه وتناسى تحذيراته، مفضلا اعتماد الواقعية في التعامل مع مستجدات حاضرة لتظل قرارات أممية حبيسة أدراج مجلس الأمن ولكن مع ذلك لايمكن الحديث عن انتصار قادم في ظل ما يحمله المشهد الجنوبي من اختلالات لاتوحي بالثقة لاستشراف مستقبل أفضل، والذي تعد خلافات القادة هي النقطة الأضعف في محاولة الجنوبيين استعادة دولتهم رغم كل ما يمكن اعتبارها نجاحات تحققت من خلال المسيرات الكبرى ابتداءً بمهرجان الثلاثين من نوفمبر، وحتى مهرجان (نحن أصحاب القرار) والذي جاء متزامناً مع مناسبة حضور مجلس الأمن الدولي إلى صنعاء الأحد الماضي. غالبية قادة الجنوب حاولوا بفجاجة تقديم أنفسهم للعالم عبر مجلس الأمن أكثر مما قدموا قضية الجنوب فانبروا وعبر بيانات معادة ومكررة يتحدثون عن الشعب الجنوبي وحقه بالاستقلال وكأنما هم يستندون إلى توكيل رسمي بتمثيله والتحدث باسمه، رغم أن حضورهم في الميادين العامة لاتحتاج لا إلى بيانات دعم وتشجيع ولا إلى شكر وتقدير وعبارات اصبحت ممجوجة على شاكلة (يا أبناء شعب الجنوب العظيم والثائر... الخ). وعلى هذا النحو جاءت بيانات وتصريحات عصماء تحمل وهم ادعاء الزعامة الكاذبة. رئيس المؤتمر الوطني لشعب الجنوب رجل الاعمال الشيخ احمد بن فريد الصريمة ألقى بياناً بمناسبة مليونية "نحن اصحاب القرار"، وكان لافتاً أنه ذيّل باسمه لا باسم المؤتمر الذي انتخبه والذي أكد تعهده ببذل كل ما نستطيع في سبيل حل قضية شعب الجنوب حلاً عادلاً، يرتضيه ويقبل به شعبنا الجنوبي، الذي يقدم التضحيات في سبيل حقه المشروع، الذي تكفله كافة المواثيق الدولية وبنود القانون الدولي، مشيراً إلى أنه لم يعد هناك مجال للتسويف أو التلاعب بقضية شعب الجنوب من إي طرف كان - في الجنوب أو في الشمال. مشيرا إلى أن قضية شعب الجنوب صارت اليوم تحتل قائمة الصدارة في أولويات المجتمع الإقليمي والدولي بفضل تضحياتكم وجهود المخلصين من أبناء هذا الوطن، وانطلاقا من ذلك تحملنا المسؤولية الوطنية في قيادة المؤتمر الوطني لشعب الجنوب. ومثل ذلك الاستاذ "عبدالرحمن الجفري" رئيس حزب رابطة أبناء اليمن "رأي" الذي -أيضاً- وجّه مذكرة، ولكن إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي، الذين وصلوا صنعاء ليجعل من المقدمة تعريفاً بنفسه بصفته أقدم رئيس حزب في جنوب شبه الجزيرة العربية الذي تم تأسيسه في "عدن" النور عام 1951م - وتذكير بدور هذا الحزب الذي كان له الفضل الأول في عرض قضية الاستعمار البريطاني في الجنوب على الأممالمتحدة في عام 1959م، ثم طوال السنوات التالية حتى وصلت لجنة تقصي الحقائق في حينه ثم تحصل على استقلاله في 30 نوفمبر 1967م، وانطلاقاً من المقارنة بين استقلال 67 وما يمكن تحقيقه اليوم وجّه مذكرته التي احتوت على تسع نقاط معظمها استعراضاً لمحطات منذ تحقيق الوحدة وما رافقها، وقبل أن ينتهي بطلب مجلس الأمن بتشكيل لجنة تقصي حقائق من بين أعضائه ليتحقق من جدية مطالب شعب الجنوب في التحرير والاستقلال وفي إقامة دولة جديدة مستقلة استبقها بنقطة يرى فيها أن يقوم نظام كونفدرالي بين دول شبه الجزيرة العربية ليتعاونوا على تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية وتبادل المصالح بينهم ومع الآخرين. وتتجلى هنا مسألة الذاتية باعتبار أنه كان من الممكن توصيل فحوى المذكرة من خلال البيان الذي صدر عن القوى والفعاليات التي حضرت لمهرجان (نحن أصحاب القرار) والذي كان يمكن أن تكون الرسالة من خلاله أقوى بعد أن يتم تدارس مايمكن أن يقال دون استطراد، كما جاء في البيان الذي وجهته هذه القوى لمجلس الأمن الدولي، والذي أعاد فيه الحيثيات التي تؤكد عدم حدوث وحدة حقيقية باعتبار أن ما تم في 22 مايو 1990 م المشؤوم ليس سوى إعلان عن مشروع وحدة سياسية بين دولتين. وأسهب البيان بإعادة كثير من النقاط المعروفة بإسهاب إنشائي فيه من المكايدات واستعداء المجتمع الدولي على الوحدة باعتبارها السبب في تفاقم الأزمات الداخلية والخارجية، ولم يستطع مخاطبة العالم الذي يمثله مجلس الأمن من خلال مصالحه وحق الشعوب بتقرير مصيرها. وفي مايمكن عدها نقطة ضعف إضافية فقد أكد البيان، رغم أنه موقّع من أحد عشر كيانا يمثل قوى التحرر والاستقلال على مسألة انقسام الحراك الجنوبي من حيث لا يدري حينما حذّر شعب الجنوب من عدم التعاطي مع دعوة ما يسمونه "مؤتمر جنوبي - جنوبي" إذ أن تلك الدعوة لا تقر بوحدة شعبنا خلف خيار واحد، بل وتتناغم مع مزاعم الاحتلال عن انقسام جنوبي حول الهدف.. وهو تنبيه ليس هنا مكانه أو مقامه، باعتبار أن هناك هدفاً يجب التركيز عليه بوضوح وإيجاز. ولذلك فإن مسألة الوصول إلى فك الارتباط لا يمكن أن يتحقق في الوقت الذي ما زالت الذهنية الصبيانية هي المتحكمة في صنع قرارات عدد من القادة الذين يعانون من أزمة الزعامة.