أصبحت الأسواق اليمنية مرتعاً خصباً لكل غريب ومريب وكل محرم وقاتل، فاليمن الذي استقبل عشرات من شحن أسلحة الموت وأطنان من المخدرات والذهب الأخضر استقبل خلال الفترة الماضية آلاف الأطنان من المبيدات الزراعية المحرمة عالمياً والمجهولة المصدر والمنتهية الصلاحية التي تم التخلص منها من بلدان المصدر باعتبارها نفايات سامة. ففيما تستقبل المقابر آلاف الضحايا سنوياً يُغرق تجار الموت الأسواق المحلية بمبيدات قاتلة.. إلى ما وراء العبث بحياة اليمنيين. في حين أثار الإعلام قضايا تهريب السلاح والمخدرات في الفترة الماضية لازم الصمت تهريب المبيدات الزراعية المحرم استخدامها دولياً لخطورة ذلك على حياة الأرض والإنسان. ف85% من المبيدات المعروضة في الأسواق المحلية بطريقة علنية أو سرية مبيدات مهربة ومزورة ومجهولة المصدر ومحرم استخدامها دولياً، و15% منها فقط مصرح لها تعرض كغطاء في كثير من الأحيان لبيع منتجات غير مسموح باستخدامها، فهامش الربح مغرٍ وكبير. مبيدات الموت يعتمد تجار المبيدات القاتلة على سياسة تسويق تتخذ من الأسواق الثانوية والمراكز التجارية الريفية التي تقع في مراكز المديريات منطلقاً لها، كون تلك الأسواق خارج نطاق الرقابة بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على المبيدات الزراعية باعتبارها تقع في قلب مناطق زراعية جبلية أو سهلية، فيتم ضخ مبيدات الموت بسهولة إلى القرى والعزل بعيدا عن الأنظار، وما يزيد الخطر خطورة أن معظم المبيدات الزراعية المجهولة المصدر والمهربة تأتي في علب كبيرة تحتوي لتراً إلى 5 لترات وغالية الثمن، لا يقوى المزارعون على شرائها فيتم إعادة تعبئتها إلى علب صغيرة سعة 75 ملم وبيعها مجهولة كما دخلت البلد، لتتحول إلى آفة فيما بعد على صحة الإنسان. وقليلا ما يعرض تجار الموت في الأسواق الرئيسة الواقعة في المدن الحضرية وعواصم المحافظات، والتي تقع في نطاق الرقابة فيتم ضبط تلك المبيدات بين الحين والآخر، ولكن لا أحد يعلم إلى أين اتجهت، وكيف تم التخلص منها، خصوصاً وأن إتلاف تلك المبيدات لا يقل ضرراً وفتكاً من استخدامها. أكثر من خلل تفيد المعلومات بأن أكثر من 3800 طن من المبيدات الزراعية تدخل الأسواق اليمنية، منها 600 طن تدخل بتراخيص رسمية والبقية مهربة، ووفق وثائق حصلت عليها "الوسط" أن ما يتم ضبطه من مبيدات منتهية ومجهولة وفتاكة لا يتجاوز الطن إلى طنين سنوياً، وتذهب الكميات إلى الأسواق، وحسب تقرير الربع الأول من العام الماضي لقسم الرقابة والتفتيش على المبيدات الموجه إلى إدارة المبيدات ورقابة النبات أن ما تم ضبطه من حملات تفتيش منها حملتان مفاجئتان بلغ 169.55 لتر/ كجم، بالإضافة إلى 29 لتراً منتهية خلال الحملات المفاجئة، كما تم ضبط مخزنين ومحل مخالف، ضبط منها 74 لتراً، دخل البلاد بدون تصريح "مهرب"، و9 لترات من المبيدات الممنوعة بدون تصريح، بالإضافة إلى ضبط (5) كجم مغشوش و20 لتراً مبيدات ممنوعة وضبط 97.25 لتر من المبيدات المجهولة و7.25 لتر من المبيدات غير المرخصة. ومن خلال الوثائق لوحظ أن القسم المعني بالتفتيش والرقابة على الأسواق قلما يعتمد على الحملات المفاجئة، وكثير ما يعتمد على الحملات الدورية، بالإضافة إلى أن الكميات الكبيرة من المبيدات يتم ضبطها في نقاط التفتيش في المحافظات والطرقات العامة وتسلم للقسم المعني، إلا أن هناك حالات اختفاء لتلك المبيدات ثم غموض يكتنف عملية التخلص منها، حيث تشير رسالة موجهة من مكتب الزراعة في محافظة إب إلى مدير عام وقاية النبات في وزارة الزراعة تفيد بأن رئيس قسم الرقابة والتفتيش في الإدارة ضبط خلال الحملة التي نزلت إلى مدينة القاعدة 740 لتراً من مبيد برفكينون و740 لتراً من نفس المبيد من تاجرين، بالإضافة إلى مبيد من نوع تكتار وديمونت سعة 100م ومبيدات أخرى لم تقم اللجنة بحصرها ولم تسلم تلك المضبوطات إلى النيابة العامة. تلك الكمية من المبيدات التي ضبطت من مدينة القاعدة قيل إنها دفنت في منطقة قريبة من القاعدة. التقرير الصادر بتاريخ 24/4/2010م والذي رفعه مدير الوقاية بمكتب الزراعة في محافظة إب مهندس علي محمد الصبري أكد أن لجنة التفتيش برئاسة رئيس قسم التفتيش والرقابة بالإدارة العامة لوقاية النبات قد سعى إلى التخلص من المبيدات الزراعية السامة في منطقة السائلة حيث عثر على عبوات المبيدات فارغة في السائلة خارج مدينة القاعدة مديرية ذي سفال وأشار التقرير إلى العثور على كمية من السموم في أحد المزارع، كما أشار إلى إحراق السموم في المزرعة والعثور على سموم أخرى بالسائلة بصورة متناثرة، ووصف التقرير الحملة التي قادها رئيس قسم التفتيش والرقابة بالفاشلة، والتي نزلت بناء على بلاغ إلا أنها لم تقم بواجبها كما يجب. تهريب بغطاء رسمي أكثر من شكوى وجهت إلى الجهات المختصة (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)، وزير الزراعة، ووكيل الوزارة لقطاع الخدمات الزراعية، وإدارة وقاية النبات، تلك الشكاوى وصلت إلى النائب العام ومحاكم الأموال العامة من عدة جهات طالبوا فيها بالنظر إلى ما يحدث من تواطؤ مع تجار المبيدات المهربة والمزورين، حيث شكا تجار المبيدات والمواد الزراعية الذين يعملون تحت نطاق وزارة الزراعة بموجب تصاريح رسمية وإشراف مباشر من قبل الوزارة، والذين وجهوا اتهامات مباشرة لمسئولين في وزارة الزراعة وفي قسم التفتيش والرقابة في إدارة وقاية النبات بالتواطؤ مع مهربي المبيدات السامة والمهربة وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، رغم معرفتهم بالمهربين، بالإضافة إلى التعاون مع المهربين في تصريف المهربات من المبيدات، وخصوصا المبيدات المقلدة للمنتجات المرخص لها، والتي دخلت بصورة رسمية ومطابقة تجار التجزئة وفرض عليهم إتاوات وابتزاز التجار. تلك الاتهامات أكدها مدير عام وقاية النبات المهندس/ عبدالله حسين السياني في رسالة موجهة لرئيس قطاع التحري والتحقيق بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، حملت رقم 200، وقال فيها: إن منصب رئيس قسم الرقابة والتفتيش له 16 عاماً، وخلال الفترة الطويلة مارس كل صلاحياته، ولكن في الآونة الأخيرة كثرت الشكاوى ضده باستغلال منصبه لمصالحه الشخصية، وأشار مدير عام الإدارة العامة لوقاية النباتات في وزارة الزراعة إلى المذكور في حالة تنفيذ حملات لا يتم ضبط سوى كميات قليلة من المبيدات المخالفة رغم أن المحلات والمخازن، ممتلئة بالمبيدات المخالفة للقانون، وهو ما يثير الريبة والشك في تواصله مع التجار قبل تنفيذ الحملات، وأكد مدير عام وقاية النبات أن المذكور تم كشفه عند تكليف أشخاص آخرين من حاملي صفة الضبط القضائي لتنفيذ حملات مفاجئة، والتي ضبطت كميات كبيرة جدا مقارنة بما يتم ضبطه من خلال حملات يقودها رئيس قسم التفتيش والرقابة. المذكرة الموجهة إلى هيئة مكافحة الفساد مذيلة بتوقيع مدير إدارة المبيدات مهندس/ عبدالله محمد شملان، ومدير عام وقاية النبات، أكدت أن الإدارة السابقة غيّرت رئيس قسم التفتيش والرقابة بموجب القرار الوزاري رقم (28) بتاريخ 12/9/2006م، إلا أن الإدارة السابقة، ولأسباب غير معروفة، عطلت تنفيذ القرار. الزراعة تتهم الأمن والجمارك بالتواطؤ كشف تقرير رسمي صادر عن وزارة الزراعة والري أن إجمالي ما تم ضبطه من المبيدات المخالفة والمهربة خلال الفترة مارس 2012 م وحتى مارس 2013 م بلغ (61.22) كجم/ لتر، وتوقع التقرير ارتفاع الكمية إلى أضعاف مضاعفة في حال تم إجراء مسح دقيق للمبيدات المهربة. وأوضح التقرير: أن المبيدات المهربة التي تتدفق إلى اليمن كميات كبيرة تقدر بعشرات الأطنان ويتم إدخال شحناتها من عدة بلدان، بطريقة غير شرعية عبر الحدود البرية والبحرية وبالذات من مديرية المخا بمحافظة تعز، ويتم نقلها وإيصالها إلى مخازن التجار. ولفتت الوزارة إلى أن المبيدات المهربة تمر من خلال نقاط التفتيش العسكرية والأمنية المنتشرة على الحدود ومداخل ومخارج المدن، وما تم ضبطه من حاويات من أمانة العاصمة وعدن وتعز والحديدة خير دليل على ذلك. وأكد التقرير الرسمي وجود تواطؤ كبير من قِبل الأجهزة الأمنية والعسكرية والجهات الجمركية في بعض المنافذ كمنفذي الوديعة والبقع بمرور هذه الكميات والأنواع من المبيدات، وأن المنافذ الجمركية تتهاون مع هذه القضية من خلال عدم إعادة كميات المبيدات غير المصرح بها إلى البلد القادمة منه، حتى أصبحت مخازنها تعج بتلك المبيدات وبلغ إجمالي ما في مخازن منفذ الوديعة حوالى 50 طناً. وطالبت وزارة الزراعة الحكومة والجهات المسؤولة على الرقابة ومكافحة التهريب بتحمل مسؤوليتها؛ لأن ظاهرة تهريب المبيدات لا تقل شأناً وخطورة عن ظاهرة الإرهاب إن لم تكن أشد خطورة بالنظر إلى آثارها المدمرة التي تطال الإنسان والحيوان والبيئة والأرض, بالإضافة إلى اتخاذ الحكومة إجراءات عاجلة في إصدار قرار يقضي بإعادة المبيدات الممنوعة والمقيدة التي يتم تهريبها إلى بلد المنشأ على نفقة المهرب وتحت إشراف الجهات المعنية أو إحراقها في محارق دولية متخصصة خارج البلاد على نفقة المهرب، واستخدام المبيدات المسموح بتداولها لصالح وزارة الزراعة في حملات الآفاق الوبائية مجاناً للمزارعين. كذلك طالبت بإلزام مصلحة الجمارك بعدم التصريح بإنزال أية كمية مبيدات غير مصرح باستيرادها من على وسائل النقل وإعادتها على نفس وسيلة النقل، وكذا إلزام الجهات القضائية بسرعة النظر والبت في قضايا المبيدات المحالة إليها كي لا تتعاظم المشكلة. إجراءات حكومية حكومة باسندوة كرست اجتماعًا خاصًا - الأسبوع قبل الماضي - ناقشت فيه آليات مكافحة ظاهرة تهريب المبيدات، وضم الاجتماع وزراء (الدفاع، والزراعة والري، والداخلية، والشئون القانونية)، وضم -ايضًا - (رئيس جهاز الأمن القومي ورئيس جهاز الأمن السياسي والنائب العام والمسئولين والمختصين في مصلحة الجمارك ووزارة الزراعة والجهات الأخرى المعنية وذات العلاقة). وأكد المجتمعون على أهمية تحديد منفذ واحد لدخول المبيدات يتم تزويده بمختبر لفحصها والتأكد من مطابقتها للمواصفات المعتمدة والمحددة في تصاريح الاستيراد الصادرة من وزارة الزراعة والري، وشدد الاجتماع على أهمية اتخاذ الإجراءات العاجلة لمواجهة ومكافحة التهريب بكافة أشكاله وأنواعه والتصدي له بحزم، وتشديد العقوبات على المهربين والتسريع بمحاكمة مهربي المبيدات وكل من يثبت تورطه في التهريب، أو يغض الطرف عن دخول البضائع المهربة سواء من المدنيين أو العسكريين. 1000 تاجر دون تراخيص يُشار إلى أن الإحصائيات تشير إلى وجود أكثر من (700) نوع من المبيدات معظمها محظورة يتم استخدامها في اليمن، تقول وزارة الزراعة والري: بأن الاحتياج السنوي لليمن من المبيدات الزراعية بين (2500_3000) طن، وأن ما يتم استيراده بطريقة رسمية لا يزيد عن ربع كمية الاحتياج؛ حيث بلغت كمية الاستيراد خلال 2009، و2010، و2011م على التوالي (381 طنًا، 459 طنًا، 625 طنًا)، ويبلغ عدد وكلاء شركات المبيدات في اليمن (52) وكيل شركة، و1800 بائع أو تاجر لمواد المبيدات، منهم (800) تاجر مرخص لهم بمزاولة هذا النوع من التجارة من قبل وزارة الزراعة والري على مستوى الجمهورية، و(1000) يعملون بدون تراخيص.