منذ قيام الثورات العربية تفاقمت المشكلات الأمنية التقليدية وغير التقليدية، وتبدلت العلاقات العربية العربية، كما تبدلت علاقات هذه الدول مع الدول الكبرى بصورة أو بأخرى، وظهر التصدع في بعض دول المنطقة العربية من خلال فلتان أمني هيكلي يشير إلى تطورات جديدة في سياسة الدول الكبرى تجاه دول المنطقة، ومنظور جديد للتعامل معها إزاء جملة التهديدات الأمنية التي تكتسح المنطقة حاليا، وتزاحم هذه المشكلات جعل الدول الكبرى تغير من سياستها وطريقة معاملتها تجاه هذه الدول مع توسع المشكلات غير التقليدية, مثل أزمة الهجرة الغير شرعية، وأزمة النازحين من الحروب، وأزمة البيئة، والأمراض الوبائية، والعنف البشري، والإجرام المنظم، والكوارث الطبيعية وغيرها. في ظل هشاشة الوضع الأمني التقليدي وتهديدات تنظيم القاعدة. هذه الظروف كيف تتعامل معها الدول الكبرى التي تتحكم بسير اللعبة الدولية تجاه المنطقة العربية؟، والتي شرعنتها تحت غطاء القانون الدولي وحماية مصالحها الاقتصادية للتدخل والتأثير السياسي على دولنا هذه.. بهذا الصدد نشير إلى أن هناك دولا ذات تأثير قديم على المنطقة مثل الدول الأوروبية التي سيطرت على التجارة والأسواق وفي احتلال البلدان خلال القرون الثلاثة الماضية. لكن الأمر تغير بعد الحرب العالمية الأولى، وأكثر تحديدا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما رسمت أمريكا المسار التاريخي لقيام القوى الكبرى بمنهجها، فهي لم تبدأ مثلا باحتلال أرض الغير ولكنها بدأت بتجميع الثروات وأسست الدولة بحجم قارة من حدود الأطلسي إلى المحيط الهادي، وراحت تتمدد في البحار والمحيطات عبر قواعدها، خلال النصف الأول من القرن العشرين حيث كان دورها سلبيا في الحرب العالمية الأولى،واستثمرت ضعف الدول الأوروبية في الحرب العالمية الثانية. ثم نادت الولاياتالمتحدة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فكانت نهاية الاستعمار الأوروبي. ونهض مع أمريكا دول أخرى مثل الاتحاد السوفييتي والصين التي حاولت إضعافهما من خلال الحرب الباردة إلى أن تكسر الاتحاد السوفييتي في بداية العقد الأخير من القرن الماضي وانزوت الصين إلى تطوير وتوسيع قواعد الإنتاج ومزاحمة السوق.. حتى تمكنت الولاياتالمتحدة من السيطرة والهيمنة العالمية عبر الشركات الكبرى والاستثمارية والصناعية والعابرة للقارات في معظم بلدان العالم، وأيضا عبر تمدد قواتها العسكرية البرية والبحرية.. والتركيز على الولاياتالمتحدة هو بسبب تواجدها في المنطقة والسيطرة على مصدر الطاقة(النفط) في المنطقة العربية، التي تضم أكبر الإنتاج وأكبر احتياطي في العالم من النفط، حيث تبدو المنطقة الآن المرشح الأساسي للاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة،إ ذا لم يتدخل لاعبون جدد على الساحة مثل روسياوالصين والاتحاد الأوروبي والذي يعتبر تدخلها في الوقت الحالي محددا وفق آلية أمريكية، مع أن المحللين الاستراتيجيين يرون أن لحظة الأحادية في النظام العالمي هي لحظة وهمية لا تدوم طويلا، لأن الولاياتالمتحدة ليست روما في قرونها الأولى، وليست كما كانت بريطانيا في القرن التاسع عشر وبداية العشرين، فالقدرة الأمريكية في أغلبها هي قدرة ذاتية، وهي نووية، وتقليدية ، وقوة رخوة لأنها استغلت ظهورها مع ضعف الدول الأوروبية بعد حربين عالميتين كبرى. وحتى الآن لا تبدو أمريكا بأنها ستتخلى طوعا عن رغبتها في الهيمنة على العالم وفي الشرق الأوسط ولا يبدو في الأفق من هو جاهز للتحدي لدحرها من مواقعها الاستراتيجية. لهذا فالولاياتالمتحدة تقايض منافسيها بالفتات اليسير من الصلاحيات والهيمنة الاقتصادية والعسكرية في هذه الدولة أو تلك، من أجل القبول بالشكل الحالي للنظام الدولي تحت القيادة الأمريكية، هذا النظام الدولي يعكس قيم ومبادئ ومصالح القوى العظمى المهيمنة والمسيطرة على المصالح في أنحاء العالم. وترى الولاياتالمتحدة أن هذا النظام قد تحقق تحت قيادتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وجاء ليعكس قيم ومبادئ الولاياتالمتحدة، وليشهد انتشار الديمقراطيات وازدهارها اقتصاديا وعالميا، إضافة إلى تراجع عدد الحروب بين القوى الكبرى. كذلك باعتبار انتصار الديمقراطيات وانتشارها لم يأت إلا بالدعم والتأثير الأمريكي، وأمريكا هي التي عززت من حرية التجارة في مواجهة الأفكار والأنظمة الديكتاتورية.. بينما الحقائق على الواقع تقول العكس فأمريكا أكثر هيمنة واستغلال اقتصادي وتدخلا في شؤون الدول من بقية الدول الكبرى الأخرى، وهي تحتكر مناطق جغرافية كاملة اقتصادية واستراتيجية لوحدها، وهي تستثمر توسعها الاقتصادي والعسكري وتناور بالضغط الاقتصادي والتحكم بمفاصل الاقتصاد العالمي، لأن العالم أصبح يحدد علاقته مع الدول من خلال الربح والخسارة، كما قال السياسي البريطاني اللورد بالمرستون في عهد الاستعمار الأوروبي: "لا صداقة دائمة بين الدول بل هناك مصالح دائمة". هناك استراتيجية أمريكية جديدة تجاه الشرق الأوسط يجري فيها تطبيق سياسة ترك المنطقة تتشكل من جديد وقد رسمت ملامحه في بدية هذا القرن في مسمى (الشرق الأوسط الجديد) ويمكن أن تدخل فيها أطراف كثيرة مثل روسيا التي وقفت ضد سقوط نظام الأسد بل ودعمته وأوحت بالعلاقة مع إيران ودعم برنامجها النووي لترك أمريكا تدافع عن حلفائها من الأنظمة الخليجية بزيادة إرسال القوات إلى منطقة الخليج لحمايتهم من التهديدات الإيرانية. والدول الكبرى راضية بما تقوم به روسيا في المنطقة وتحول الوضع في سوريا إلى حرب أهلية بموافقة أمريكا، لتدمير نظام يهدد الكيان الإسرائيلي، وتمارس لعبة أخرى في مصر أيضا لبقاء إسرائيل قوة تهدد دول المنطقة. بعد أن ضمنت الدول لكبرى بزعامة الولاياتالمتحدة مصالح أمريكا في دول الخليج وسيطرتها على منابع النفط في منطقة الخليج أخذت أمريكا تصول وتجول في مياه الخليج العربي وسواحل البحر الأحمر وخليج عدن لكي تبقي هذه المنطقة مغلقة حرصا على أمنها والادعاء بمنع التهديدات الإيرانية، وأخذت أمريكا تمارس سياستها على الأرض من خلال إلقاء ثقل مجلس الأمن الدولي على اليمن، بدأته بالمبادرة الخليجية، ورسم سياسة انتقالية ومبادرة تسوية وفرض عقوبات على الأفراد أو الجماعات وربما تصل إلى الأشخاص وحتى إلى الأطفال في اليمن من أجل سير العملية السياسية وفق مرسوم ملكي ترضى عنه دول العظمة، تتمثل بالتسوية التي يرى مجلس الأمن بأنها ضرورة وحالة حتمية للتطبيق في اليمن، بعد أن أقرته السياسة الملكية الخليجية في معرض تصورها لحالة استتباب الأمن في اليمن من أجل استقرار منطقة الخليج برمتها، في ظل وحدة يمنية مضغوطة بفعل قرار مجلس الأمن تحت البند السابع. دول الخليج بزعامة المملكة العربية السعودية تقود اليمن سياسيا وتنهكه اقتصاديا وتطمع في احتواء أجزاء كبيرة منه جغرافيا، لكي تعيد ترتيبه وفق تقسيم خليجي جديد لليمن على منوال شرق أوسط جديد. أمريكا كمجلس أمن أعطت كل الصلاحيات السياسية في رسم سياسة الاستقرار في اليمن، لأكبر مصدر للنفط في العالم، السعودية، إذا ترى في الوحدة اليمنية أكبر عوامل الاستقرار في جنوب شبه الجزيرة العربية، ولكن بعد محاصرة اليمن الموحد في نطاقه الجغرافي والاقتصادي والسياسي، الذي تديره عبر المشايخ وعقال الحارات وجميع المسجلين في كشوفات اللجنة الخاصة، بدلا من نكد يمن تقدمي ويمن رجعي، وتديره بسياسة ملكية موحدة بدلا من سياسة الدولتين التي قد تستقل إحدهما أو كلاهما بسياستها الخاصة فتخرج عن بيت الطاعة، وبسياسة اقتصادية مألوفة وفقا للمثل الشعبي(جوع كلبك يتبعك)،واليمن الموحد في هذه الحالة عندما يحترب أو يتمزق أو يتشظى ككيانات اجتماعية في ظل الوحدة المضغوطة بالقرار الدولي، فالمجتمع الدولي كفيل بتجميعه وضربه حتى يأتلف بالقوة ولو تآكل واهترى وأصبح هشيما تذروه الرياح.. إذن السياسة تعتبر هي المصلحة، ومصلحة الدول الكبرى هي السياسة الدولية للنظام العالمي الجديد، والسياسة التي فرضها مجلس الأمن عن طريق المبادرة والتسوية في اليمن هي للسير وفق المصلحة الخليجية وليست المصلحة اليمنية. والقرار 2140لمجلس الأمن هو مرسوم ملكي تم مناقشته مع الرئيس هادي لتثبيت الوحدة بالقوة والذي أرسل عن طريق السفير اليمني أو المبعوث الأممي جمال بن عمر إلى مجلس الأمن لإقراره، والذي يقضي بفرض تدابير عقابية ضد معيقي التسوية السياسية في اليمن، وتسمي الأممالمتحدة خبراء في لجنة العقوبات أربعة منهم لتزويد المعلومات عن المعرقلين إلى لجنة العقوبات، بينما الرئيس هادي يعرف تماما أن القبائل اليمنية خاصة في الشمال بأنها في حالة احتراب دائم عبر تاريخها الطويل. وواضعو هذا المرسوم من دول الجوار يدركون أنها لا تستقر لهم الأمور في تسيير اليمن إلا بفعل هذا الاحتراب، كموروث اجتماعي تذكيه السياسة الخليجية من أجل استمرار الحروب القبلية في اليمن، وهذا أمر مفرغ منه، فإذا لم تكن الحروب الداخلية هي زاد السياسة الخليجية وأصحاب المصالح في اليمن فيعني أنها ستتحول إلى بارود سوف يقترب من برميل النفط القابل للاشتعال، وهذا مؤشر خطر لمصالح الدول الكبرى. لكن الهدف النهائي من قرار مجلس الأمن الدولي المذكور هو إرغام الجنوب على السير تحت الوصاية الخارجية والسيادة القبلية عليه، لكي تجنى الموارد إلى جيوب القلة المتسلطة في اليمن الموحد، وإن اختلفت دول الخليج فيما بينها في سياستها تجاه اليمن فالجميع سيتفقون على بقاء اليمن تحت رحمتهم في الأول، وتحت سيطرة القبلية ثانيا. ولا يمكن أن تسجل عقوبات على الأطراف المتنازعة والقبائل المتصارعة في الشمال ولا على الإرهاب أو الإخوان الذين يحاولون تصفية الجماعة الزيدية والذين صرحوا بإخراج الزيديين من صنعاء، ولكن العقوبات المطلوبة هنا هي على الجنوبيين وقيادات الحراك لأنهم رفضوا الخضوع لسادتهم الملوك ولمشايخ القبيلة وأمراء الإسلام السياسي. الأخطر من ذلك أن مدبر هذه اللعبة مع مجلس الأمن هو الرئيس المعين، عبدربه منصور هادي، ولم يدرك نفسه بأنه أصبح مهددا بشروط القبيلة، إذا لم يخض الحرب مع القبيلة التاريخية في الحكم فسوف يخرج من صنعاء هو أيضا مع كل الجنوبيين، هذا ما صرح به كبار مشايخ القبيلة، بحكم أن القبيلة وضعت هادي كرئيس شرفي من أجل أن يقدم لها الجنوب كلها كأرض وثروة، هدية ولقمة سائغة، ما لم فسيعود التقسيم القبلي إلى عوائده وسيعاد ترسيم وتثبيت التاريخ وفق الموروث التقليدي في اليمن المائز بين السيد والرعوي وبين القبيلي والغجري. وها هو الجنوب في مرمى النظر لمجلس الأمن الدولي إما أن يعاد ترتيب وضعه السياسي وفقا للقرارات الدولية وقوانين العلاقات الدولية بين دولتي الشمال والجنوب أو أن يتحمل مجلس الأمن كامل المسؤولية التاريخية بما تترتب عليه أوضاع المنطقة واليمن. والله الموفق صالح محمد مسعد (أبوأمجد) 12/4/2014م