ما يجري اليوم من مؤشرات تؤكد على أن واقعًا جديدًا يتخلق ليس على المستوى السياسي فقط وإنما في ما له علاقة بشكل السلطة والمسيطرين على قراراتها؛ إذ لا يُمكن القفز على المؤثرات التي طالت قرارات التعيين الأخيرة، وكذا التصعيد الذي طال الخطاب السياسي من قِبل الحوثيين باتجاه الإصلاح وصالح، ومحاولة إصلاح ما عطب في ما له علاقة بالشيخ صادق الأحمر والقيام بتحكيمه.. وفي هذا الإطار يسير الواقع السياسي في اليمن باتجاه الفرز مما يخلق تحالفات جديدة أكثر واقعية وأقل نفعية، وكان لقاء الاشتراكي والتجمع الوحدوي سبّاقًا في الإعلان عن هذا المؤشر؛ باعتبار أن الضرورة التي تشكّل على ضوئها المشترك كان بغرض حماية الأحزاب المنضوية إليه من أن يتم ضرب كل منها منفردة.. وجاءت صافرة البداية أولاً حين أعلن أمين عام الحزب الاشتراكي السابق الدكتور ياسين سعيد نعمان انتهاء المشترك ليتم ترجمة ذلك من خلال اتفاق الحزب الاشتراكي والتجمع الوحدوي على إقامة تنسيق ثنائي بينهما؛ باعتبار أن أرضيتهما الفكرية واحدة، وهو ما لم يتحقق في اللقاء المشترك المشكّل من أحزاب دينية وقومية واشتراكية أثّر على مدنية وعصرية الأحزاب المدنية لصالح الأحزاب الدينية.. وبهذا الخصوص استعرض لقاء الحزبين، الذي عُقِد في مقر الاشتراكي، رؤية التنسيق التي قدمها أمين عام حزب التجمع الدكتور عبدالله عوبل، والتي أشارت إلى أن التجارب الماضية أثبتت أن الأحزاب المدنية في اليمن، وكذا منظمات المجتمع المدني تستطيع خلق كيان سياسي قوي وكتلة تاريخية تكون حاملاً للعملية السياسية والعبور بها إلى بر الأمان في ظل تغول بعض القوى السياسية ومحاولاتها الدؤوبة لابتلاع الدولة. من جهته، أعرب أمين عام الحزب الاشتراكي الدكتور عبدالرحمن عمر السقاف عن ارتياحه لإقامة تنسيق بين حزبين سياسيين، قائلاً: إن "ما يجمع بينهما أكثر مما يفرقهما لانتمائهما لنفس الأرومة السياسية والفكرية". وأشار إلى أنه لهذا السبب سيكون عملهما التنسيقي المشترك بعيدًا عن التوافقات النفعية الآنية، التي باتت ظاهرة في العمل السياسي في اليمن. وإذ أكدت الرؤية أن الحزب الاشتراكي اليمني هو المؤهل لقيادة القوى الحزبية والمدنية في هذا الظرف العصيب، مقترحة أن يكون نواة هذا الكيان الجديد الحزب الاشتراكي والتجمع الوحدوي.. فقد تم إقرار تشكيل لجنة مشتركة من ستة أشخاص تقوم بوضع تصوُّر متكامل للتنسيق المستقبلي بين الحزبين على ضوء ورقة مقدمة من حزب التجمع الوحدوي، وعلى البيان الختامي الصادر عن المجلس الحزبي الوطني للحزب الاشتراكي اليمني.. وبحسب مراقبين فإن هذه النواة يمكن أن تُمثّل استقطابًا لعدد من الأحزاب، وبالذات التنظيم الوحدوي الناصري، حيث أوضح قيادي، في الحزب الاشتراكي اليمني، حقيقة الأنباء التي تحدثت عن اعتزام الحزب الانسحاب من تكتّل اللقاء المشترك، نافيًا تلك الأنباء. ونقل موقع الحزب الاشتراكي عن رئيس اللجنة المركزية للحزب يحيى منصور أبو اصبع، بما يُعتبر تخفيفًا من وقع الصدمة من إعلان التحالف بين حزبي التجمع والاشتراكي، فقد أوضح ل"الاشتراكي نت" أن الحزب الاشتراكي اليمني مؤسس رئيس في اللقاء المشترك، ومساهم فعّال في تطوير وصياغة وثائقه.. مشيرًا إلى أن بقاء المشترك رهن على تطوير رؤاه البرنامجية وتوسّع تحالفاته بما يستوعب المزيد من المكونات الوطنية والسياسية. وعلى ذات الاتجاه من الفرز أعلن التجمع اليمني للإصلاح فشل مفاوضاته مع الحوثيين لتحقيق تقارب بينهما.. وقال - في بيان له: "في الوقت الذي ننتظر فيه تسليم ما تحت أيديهم من مقرات وإعادة المنهوبات إذا بهم يُقدمون على تفجير العديد من المقرات في مديرية أرحب، مع استمرار احتلالهم للعشرات منها في أمانة العاصمة ومحافظات عمرانوصنعاء وإب". إلى ذلك بدأت نبرة الحوثيين تتغير باتجاه الرئيس السابق الذي طالما اتُّهموا بالتنسيق معا لإسقاط العاصمة والمحافظات.. حيث نشرت صحيفة "الهوية" الحوثية تقريرًا غير مسبوق، اتهم علي صالح وقيادات معه باختراق اللجان الشعبية.. محمّلين إياه كل التجاوزات التي حصلت فيما لها علاقة باقتحام منازل ومحاصرتها باعتباره انتقامًا من خصومه بيت الأحمر.. مؤكدين أن صالح هو عدوهم الأول، وبالتساوي مع علي محسن. وفي المقابل اتخذ مؤتمر محافظة تعز موقفًا مناهضًا لأي تواجد مسلح للحوثيين في المحافظة، وكان عضو كتلته البرلمانية النائب عبدالسلام الدهبلي قد هاجم الحوثيين عَلَنًا، رافضًا أي تواجد لهم.. معتبرًا خطاب الحوثيين كخطاب الحجاج بن يوسف الثقفي، حينما قال: إني أرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها.. وخاطب الدهبلي ممثّل الحوثيين في الاجتماع الموسع للأحزاب والمنظمات، بما فيهم الحوثيين الذي انسحب ممثلهم؛ احتجاجًا على كلمته: عليكم أن تفهموا بأنكم مكوِّن من مكوِّنات تعز، ولستم حكاماً وأوصياء على تعز.. موضحًا: أن تعز مع الأمن والاستقرار، وأن السلطة المحلية والأجهزة الأمنية هي المسؤولة عمَّا يدور في تعز، وليس مكوّن الحوثيين.. وطالب جماعة الحوثي باحترام الآخرين، وتنفيذ اتفاقية السلم والشراكة التي وقعوها. هذا وكان اعتبر الدكتور أبو بكر القربي - الأمين العام المساعد للمؤتمر - أن الحوثي أصبح قوة على الأرض، ويسيطر على عدد من المحافظات، إلا أن تمددهم وانتشار قوتهم سيؤدي لضعف قوتهم.. كما أن التصرفات التي ظهرت في صنعاء أدت إلى مواقف سلبية تجاههم، خصوصاً تجاه الأمن ومؤسسات الدولة.. وقال: كنا نتمنى أن يظهر الحوثيون أنهم تعلّموا من أزمة العام 2011م، واستفادوا من تجربة مَن سبقهم، إلا أنهم - الآن - مهددون بردة فعل شعبية.. نتمنى أن لا تأخذ ردة الفعل هذه الجانب الطائفي، ولكن الجانب السياسي. كما وحّدت القرارات الجمهورية التي أصدرها الرئيس بتعيين محافظين ونواب موقف كل من المؤتمر والإصلاح والناصري والاشتراكي ضد الرئيس؛ باعتبار أن القرارات تصب في صالح هادي والحوثيين. وكان حذّر المشترك من أنه سيتخذ موقفًا حيال ذلك في حال لم يتم التراجع عنها.