شن الخبير الاقتصادي الدكتور سيف العسلي –وزير المالية السابق هجوما ضد الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام )وأحزاب المعارضة المنضوية في تكتل (اللقاء المشترك) لافتقار كليهما لرؤيا واضحة قابلة للتحقيق حول ما يرغب به اليمن للنهوض ، مؤكدا إن عدم نجاح اليمن في تحقيق نهوضه يعود إلى عدم وضوح الرغبة أو الطموح (الرؤيا) لدى هذه الأحزاب والى عدم توضيح الدافع المؤثر للقيام بالأفعال الضرورية لتحقيق ذلك. واعتبر العسلي ان ما هو موجود حاليا ليس سوى شعارات حول ما يرغب اليمن تحقيقه، لكن هذه الشعارات لم تتحول الى طموح مشروع (رؤيا) قابلة للتحقيق، مشيرا إلى أن ابرز مظاهر عدم وضوح الرؤيا انه لا يوجد اتفاق بين مختلف القوى السياسية حول اليمن الذي يرغبون به في المستقبل. الأمر الذي جعل من هذا الغموض في الرؤيا مناخ مناسب للتضليل والكذب والمزايدات. وقال " القوى السياسية المنضوية تحت راية المؤتمر الشعبي العام تركز على الجوانب الوطنية المتمثلة في استقلال القرار والسعي لإعادة المجد الحضاري لليمن.. وذلك غير كافٍ خصوصاً ان هذه الأمجاد قد مضى عليها آلاف السنين". وأضاف "أما القوى المنضوية تحت مظلة أحزاب اللقاء المشترك فتتبنى شعارات متناقضة وغير واضحة تتراوح بين الشعارات الإسلامية والاشتراكية والقومية، ولذلك فإن الرأي العام يعاني من ضبابية وعدم الوضوح، وبالتالي فإنه لا يمثل عاملاً حاسماً في تحديد الطموح المطلوب والاتجاه المرغوب". ووفقا للدكتور العسلي فقد ترتب على عدم وضوح الرغبة والطموح (الرؤيا)عدم القدرة على تحديد الاتجاه الذي ينبغي على غالبية اليمنيين الانضواء تحته، وبالتالي ضعف الدافع للقيام بالافعال التي يجب القيام بها. وفيما أشار إلى أن هناك إيحاءات حول ما يجب القيام به من خلال إتباع توجه تقليص دور الحكومة وتوسيع دور القطاع الخاص.. لكن هذا التصور –بحسب الدكتور العسلي- ما يزال ناقصاً وفوقياً لم يعمق على مستوى القاعدة. وقال "لقد قامت الدولة بتقليص دورها بشكل انتقائي وعشوائي، فقد انسحبت مما عجزت القيام به سواء كان ذلك فيما يندرج ضمن وظائفها الاساسية ام لا؟ فعلى سبيل المثال تراجع دور الدولة في مجال الانظمة والقوانين وخصوصاً فيما يتعلق بالجوانب التطبيقية وفي مجال التعليم وخصوصاً التعليم الاساسي والمهني والفني, وفي مجال الخدمات الصحية, وفي مجال الرعاية الاجتماعية. وأضاف "وقد كان لعدم الوضوح هذا آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة وخصوصاً ان القطاع الخاص والقطاع غير الحكومي (القطاع الخيري والمنظمات غير الحكومية) لم يستطيعا ملء الفراغ الناتج عن تقليص دور الدولة، فعلى سبيل المثال فإن القطاع الخاص لم يستطع توفير التدريب العملي لخريجي التعليم الرسمي، مما جعل العديد من هؤلاء لا يجدون وظائف بعد تخرجهم، وكذلك فإن تكاليف الخدمات الصحية الخاصة صارت تفوق قدرات العديد من الفئات الاجتماعية" مؤكدا أن ما ضاعف من نتائج هذه الممارسات ان البعض لا يزال يعيش أحلام العهد الاشتراكي، وعهد الدور القيادي للدولة والقطاع العام والمختلط، . وقال "العديد من الشباب اليمني لا يزال ينتظر من الحكومة أن توفر له الخبز والسكن والملبس والوظيفة المناسبة والتعليم المطلوب. ولم يدرك بعد انه يقع على عاتقه السعي لتعليم نفسه -قدر المستطاع- ولتطوير مهاراته المختلفة بهدف اقتناص الفرص المتاحة، حيث لا يزال حلم العديد من شباب اليمن بأن يكون موظفاً حكومياً وليس رجل أعمال ناجحاً قادراً على خلق فرص عمل له ولأقرانه". ونبه الدكتور سيف العسلي في مقال تحليلي إلى أن هذا الغموض وفر مناخات مناسبة للتضليل والكذب والمزايدات الأمر الذي أوقع العديد من اليمنيين، وخصوصاً الشباب في حبائل الوعود السياسية غير المنضبطة التي تطلقها مختلف القوى السياسية، وذلك ما تسبب في تعطيل الجزء الاكبر من طاقة اليمنيين ومواهبهم. ولمواجهة هذه التحديات نصح الدكتور العسلي ،المؤتمر الشعبي العام "بان يعيد النظر ببرامجه وأدبياته وخطابه السياسي والإعلامي، بحيث يعكس ذلك رؤيا لمستقبل اليمن، ومن ثم يطرح تلك الرؤيا للنقاش مع القوى السياسية الأخرى". مشيرا إلى انه "في حالة استجابت هذه القوى وتفاعلت مع هذه الرؤيا فذلك خير للجميع، وان أصرت على التمترس وراء شعاراتها الحالية، فإن على المؤتمر تجاوزها عن طريق التخاطب مباشرة مع الجماهير، بما في ذلك قواعد هذه الأحزاب والقوى بهدف إقناعها بجدية وواقعية الطموح الذي يقترحه المؤتمر، فإذا ما نجح في كسب ثقة الغالبية العظمى من الجماهير، فإن ذلك سيمكنه من تحقيق هذا الطموح من خلال تشجيع اكبر قدر ممكن من اليمنيين على استخدام طاقاتهم ومواهبهم في تحقيق طموح اليمن". وتابع "اعتقد بأن ذلك ممكناً مما سيجعل عملية تحقيق النهوض اليمني سريعاً، فاليمن في الوقت الحاضر مؤهلة لعملية النهوض اذا استكملت النواقص، ففي اليمن تعددية وحرية كبيرة ، وفيها اساس جديد لتطوير التعليم، ويتوفر لها فرص كبيرة لتطوير نفسها". مشيرا إلى أن الإنسان اليمني يمتلك نفس المواهب التي يمتلكها أي إنسان آخر، ومن ثم فإنه -من حيث المبدأ- قادر على ان يحقق نهوضه كما حققت الشعوب الأخرى نهوضها. وفي هذا الإطار اقترح العسلي على المؤتمر الشعبي العام بعض معالم هذه الرؤيا وذلك بأن تحتوي العمل على توفير وظائف لكل يمني سواء في داخل اليمن أو في خارجه كأولوية قصوى ، ولتحقيق ذلك فإنه لابد من تطوير التعليم الفني والمهني لتلبية احتياجات السوق اليمنية والسوق الخليجية. وفيما يخص توفير وظائف في الداخل، قال انه" لابد من السعي الحثيث لتحديث القوانين واللوائح المنظمة للعمل التجاري والاستثماري بطريقة يجعلها عادلة وواقعية ،كذلك فإن على الحكومة اليمنية ان تعمل على تشجيع اصحاب المواهب بكل الطرق الممكنة ، ولعل من اهمها إعطاؤها الاولوية في التوظيف والتعليم والتدريب والحوافز الأخرى". مؤكدا أن هذا طموح معقول ومن الممكن تحقيقه ونجاحه سيعمل على استغلال الموارد المتاحاة لليمن بكفاءة معقولة وعلى تحسين مستوى معيشة اليمنيين بشكل جذري ، وفي حالة ما تحقق ذلك, فإن النهوض اليمني سيكون حقيقة واقعة وليس فقط حلماً من أحلام اليقظة.