يمضي عام ويأتي عام جديد وبلادنا ما زالت مستمرة في مواجهتها للعديد من التحديات السكانية المتشابكة في مختلف الجوانب والتي تنعكس تأثيراتها السلبية على مجمل الجهود الجادة الرامية لدفع مسيرة التنمية المستدامة قدماً نحو الأمام والارتقاء بنوعية الحياة ومستوى معيشة ورفاهية الانسان اليمني ، ويعتبر النمو السكاني المرتفع واحداً من أهم هذه التحديات، الأمرالذي يتطلب منا جميعاً أفراداً وأسراً وجماعات وحكومة ومنظمات حكومية وغير حكومية ومؤسسات مجتمع مدني الوقوف أمام هذا التحدي الكبير وقفة حازمة وحقيقية والعمل على مواجهته أو على الأقل التخفيف من حدة تأثيراته وانعكاساته السلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية باستخدام كافة الوسائل والطرق الممكنة والامكانيات المتاحة. صحيح أن هناك انخفاضاً محدوداً قد طرأ في معدل النمو السكاني من 3.7% الى 3% خلال الفترة الممتدة من عام 1994م – 2004م ، إلا إن هذا الانخفاض لم يكن عند المستوى المطلوب الذي كنا نطمح إليه ، حيث ما يزال هذا المعدل مرتفعاً جداً قياساً ببقية دول المنطقة والعالم ، ويؤدي استمراره على مستواه الحالي إلى زيادات كبيرة وواضحة في أعداد السكان غير المتوازنة مع الموارد المتاحة للبلاد ، مما سيترتب عليه تداعيات وتحديات عديدة في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وخاصةً ارتفاع مستويات الفقر والضغط الشديد على كافة الخدمات الأساسية والضرورية التي أصبحنا جميعاً ندرك جيداً أهمية توفرها في الوقت الراهن خاصة ونحن نعيش اليوم على عتبة قرن ميلادي جديد مليئ بالأحداث والتطورات العلمية والتكنولوجية والتنموية المتقدمة والمتلاحقة بشكل متسارع . وهنا يجدر الإشارة إلى انه إذا ما اردنا التأثير على معدل النمو السكاني بشكل إيجابي وحقيقي ولما من شأنه خدمة التنمية بكل جوانبها فإن ذلك يتطلب بالضرورة التوسع وبشكل كبير أفقياً ورأسياً وخاصة على المستوى اللامركزي في مجال تقديم خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة ذات النوعية العالية على أن تصاحبها جنباً إلى جنب برامج وأنشطة تثقيفية وتوعوية واسعة في مختلف مناطق ومديريات ومحافظات الجمهورية ،، وهذا أمر مهم جداً تم التاكيد عليه (بالاجماع) من قبل جميع المشاركين في أعمال المؤتمر الوطني الرابع للسياسة السكانية (ديسمبر2007م) ، والذين شددوا على ضرورة العمل الجاد والسعي الحثيث لتحقيقه ، كما أكدوا إلى جانب ذلك بأن الضمان الحقيقي للوصول إلى تحقيق ذلك الأمر بنجاح يكمن أولاً في إبداء حسن النوايا الصادقة تجاه هذا الهدف الاستراتيجي الوطني الهام من حيث الأخذ به على محمل الجد كونه مرتبط ارتباطاً وثيقاً وبشكل كبير بحاضر ومستقبل هذه الأجيال والأجيال المقبلة وهذا البلد عموماً، وثانياً في تضافر وتكاتف كل الجهود الرسمية والشعبية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص لإستيعاب هذه القضية والمسألة الحيوية الهامة جداً والتي تعتبر مهمتنا جميعاً بلا أستثناء. ونحن في الأمانة للمجلس الوطني للسكان على ثقة كبيرة بأن المرحلة المقبلة ستشهد حراكاً كبيراً وايقاعاً أسرع مما مضى في مجال تعزيز وتطوير العمل السكاني والتوعية بقضايا الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وقضايا السكان الأخرى ، خاصة في ظل وجود هذا الدعم الكبير واللامحدود الذي تحضى به القضية السكانية في بلادنا من قيادتنا السياسية الحكيمة ممثلة بفخامة الأخ/ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، وفي ظل الالتزام المستمر للحكومة الموقرة التي يقودها ويترأسها باقتدار دولة الأخ. الدكتور/علي محمد مجور – رئيس مجلس الوزراء رئيس المجلس الوطني للسكان والذي أكد مجدداً في كلمته أثناء انعقاد المؤتمر السكاني الرابع ديسمبر 2007م بمواصلة التزام الحكومة العمل على مواجهة المشكلة السكانية وحلها بالجهود الوطنية أولاً ومساعدة شركاء التنمية في بلادنا من خلال دعم وتوجيه وحث جميع الجهات والمؤسسات الحكومية المعنية المختلفة ومساعدتها على تحويل هذا الالتزام إلى خطط عمل وبرامج ملموسة ومصادر مالية متزايدة على كافة المستويات الوطنية والمحلية والقطاعية . وها نحن اليوم ، وبعدد مرور عام كامل من انعقاد المؤتمر السكاني الرابع ، نلمس وبجلاء ترجمة حقيقية للدعم السياسي ولما التزمت به الحكومة والجهات المعنية الأخرى بتحويل الأقوال إلى أفعال وإجراءات فعلية محددة وواضحة من خلال إعطاء أولوية خاصة للبرامج السكانية المحددة وتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة والمطلوبة للتحرك نحو تحقيق أهداف السياسة الوطنية للسكان، حيث تم خلال هذا العام 2008م إتخاذ جملة من القرارات الهادفة والاجراءات العملية القابلة للتنفيذ والتي من شأنها تعزيز وتوسيع وتنمية مختلف جوانب ومجالات العمل السكاني في جميع مناطق ومديريات الجمهورية ومحافظاتها المختلفة ، ومن أهم ما تم تنفيذه في هذا الجانب القيام بعملية المراجعة النصفية للمكون السكاني في إطار الخطة الخمسية الثالثة للتنمية والتخفيف من الفقر وإعداد برنامج العمل السكاني 2008-2010م وفقاً لمخرجات المؤتمر الوطني الرابع للسكان ، والموافقة على الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للاعلام والتثيقيف والاتصال السكاني 2008-2010م من قبل المجلس الوطني للسكان الذي وافق أيضاً على اعتماد ميزانية تشغيلية للجان تنسيق الأنشطة السكانية بالمحافظات يتم ادراجها ضمن موازنة السلطة المحلية ابتداءً من العام المالي 2009م بالتنسيق مع أمين العاصمة ومحافظي المحافظات، كما يوجد هناك العديد من الأعمال والأنشطة الإيجابية التي أنجزت خلال الفترة الماضية من قبل الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان والجهات المعنية الأخرى ولكن لا يتسع المجال هنا للحديث عنها ، إنما المهم هنا هو أن كل تلك الأمور والتطورات التي حدثت وغيرها تصب في مجملها نحو تحقيق السياسة السكانية وبالتالي الوصول لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومستدامة ينعم في ظلها كل سكان هذا البلد الغالي على قلوبنا جميعاً والذي يستحق من الجميع بذل كل الجهود والغالي والرخيص من أجل رفعته وازدهاره ، لذا فلنجعل عام 2009م عاماً خاصاً للسكان يتم خلاله حل ومعالجة الإشكاليات والقضايا والتحديات السكانية التي تواجهها وتعاني منها بلادنا خصوصاً تلك المسائل المرتبطة بقضايا الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة. *الأمين العام المساعد للمجلس الوطني للسكان