لا يوجد أدنى شك لدى مسؤولي الاستخبارات الأميركية أن الشقيقين "قايد ونبيل الدهب" اللذين نجيا من قصف أميركي على اليمن في الفترة الأخيرة ينتميان معاً إلى التمرد الذي تقوده "القاعدة" داخل هذا البلد، لكن ما يظل غير واضح هو مدى ارتباط الأخوين بالتخطيط ضد الولايات المتحدة، هذا التخبط يعبر عنه مسؤول في الاستخبارات الأميركية، تحفظ عن ذكر اسمه، قائلاً "ما زال الأمر سؤالاً مفتوحاً". فرغم ارتباط الشخصين بصلات القرابة مع أنور العولقي الذي قُتل في سبتمبر الماضي، إلا أنهما لم تثبت علاقتهما بأي خطة للهجوم على أميركا، أو استهداف أراضيها، بل يبدو أن تركيزهما كان محلياً بامتياز، وإن كان المسؤولون يتخوفون من ارتباطهما ب"القاعدة"، وما قد يتيحه لهما ذلك من فرص في المستقبل لاستهداف الولايات المتحدة. ويأتي هذا الجدل حول استهداف عناصر تابعة ل"القاعدة" في اليمن، بعد ما تنامت وتيرة الحملات الأميركية التي تشنها الطائرات من دون طيار خلال السنة الجارية، وما أثاره ذلك من أسئلة جديدة حول من يتم قصفهم وبواعث ذلك. ووفقاً لتقييم الحملة الجوية الأميركية وعدد الضربات التي نفذتها الطائرات من دون طيار، يتبين أن إدارة أوباما تبنت مفهوماً أوسع لما يشكل أهدافاً مشروعة، وما يعتبر خطراً إرهابياً يسوغ التدخل العنيف، ويقول المسؤولون الأميركيون إنه من بين 20 ضربة جوية قامت بها الطائرات الأميركية في غضون خمسة أشهر قُتل ثلاثة عناصر كبيرة في "القاعدة"، هذا بالإضافة إلى عدد متزايد من الهجمات التي تستهدف عناصر متوسطة في التنظيم الإرهابي يشتبه في ارتباطها بخلايا إرهابية بتشعبات محلية مرتبطة أكثر بالصراع الداخلي في اليمن والرغبة في السيطرة على أرض جديدة. وتشير معلومات من داخل اليمن، تختلف حسب مدى مصداقيتها، إلى ضرب الطائرات الأميركية لأهداف عسكرية بما فيها ذلك مستودعات السلاح بالقرب من مدينة جعار جنوب اليمن، وفي بعض الحالات بدا أن الهجمات الأميركية منسقة مع التقدم العسكري اليمني لضرب مواقع "القاعدة" في المحافظات الجنوبية، لا سيما "أبين" و"شبوة". ويؤكد المسؤولون الأميركيون السابقون والحاليون المنخرطون في الحملات الجوية أن العديد من القيود والشروط تم تخفيفها وسط مخاوف أميركية من تمدد نفوذ القاعدة في اليمن خلال السنة الماضية واكتسابها أراضٍ جديدة في حربها مع القوات الحكومية. ومع أن الأهداف الأساسية التي تلفت الانتباه ما زال يشترط فيها أن تمثل خطراً كبيراً على الأمن الأميركي، كما يقول المسؤولون، إلا أن المرونة تزايدت مع الوقت في التعامل مع تلك الأهداف وضربها، وإنْ كانت هذه المرونة في تنفيذ الهجمات الجوية على بعض العناصر تحمل في طياتها خطورة واضحة على إدارة أوباما التي سعت إلى تقليص عدد الغارات الجوية مخافة دفع المزيد من اليمنيين نحو التطرف والالتحاق بتنظيم "القاعدة". كما أن الاضطرابات المستمرة في اليمن جعلت من الصعب التفريق بين العناصر التي تخطط لتنفيذ هجمات ضد أميركا وبين تلك التي تندرج في إطار الصراع الداخلي في اليمن وتنامي الشبكات الإرهابية المناوئة للسلطة، ومع ذلك يصر أحد المتحدثين باسم البيت الأبيض أن المهمة الأميركية في اليمن تظل محددة، قائلاً: "نحن نواصل حملة لمكافحة الإرهاب في اليمن هدفها منع وردع الخطط الإرهابية التي تستهدف أميركا وتهدد المصالح الأميركية سواء في الداخل، أو الخارج، لذا لن ننخرط في أية جهود واسعة لمحاربة التمرد". لكن مسؤولين آخرين قالوا إن الإشارة إلى التهديدات الخارجية التي تهدد المصالح الأميركية وإدراجها في إطار الأهداف المشروعة للقصف أتاح للإدارة هامشا أوسع للتصرف وتمديد رقعة الضربات الجوية على تنظيم "القاعدة" في الجزيرة العربية، كما يعرف فرع "القاعدة" في اليمن. وإذا كانت الغارات الأميركية قد ركزت في السابق على عناصر قيادية في التنظيم مثل "فهد القصع" الذي قُتل في غارة أميركية خلال شهر مايو المنصرم لارتباطه بعملية تهريب مواد متفجرة على متن طائرة متوجهة إلى الولايات المتحدة، إلا أن مسؤولين في الاستخبارات يرون بأن الحملة الجوية تستهدف اليوم عناصر غير قيادية في "القاعدة"، مبررين ذلك بأن هؤلاء العناصر يمثلون تهديداً على السفارة الأميركية في اليمن والعاملين فيها، بالإضافة إلى المدربين الأميركيين وباقي عناصر الاستخبارات الأميركية الناشطين في اليمن. وتوكل مهمة تحديد الأهداف إلى مركز عمليات موجود في ضواحي صنعاء تديره قوات النخبة اليمنية ومعها القوات الأميركية الخاصة التي تصنف المعلومات الاستخباراتية الواردة على المركز لرصد الأهداف المحتملة. وقد تعطلت هذه الجهود تماماً بسبب الأزمة السياسية المستمرة التي انتهت بخروج «صالح»، من الرئاسة، فمع احتدام الصراع على السلطة قبل تنحيه، تخوفت الإدارة الأميركية من توظيف صالح للهجمات الجوية الأميركية لضرب خصومه السياسيين والتخلص منهم، وهو ما أكده مسؤول أميركي سابق كان مشرفاً على الغارات الجوية قائلاً: "في بعض الأحيان كان يتم تضليلنا من قبل صالح للتخلص من بعض العناصر التي تزعجه سياسياً"، لكن ما أن استُبدل صالح بالرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي حتى عادت الهجمات الجوية إلى سابق عهدها وتزايدت وتيرتها بعدما رجع المستشارون العسكريون الذين غادروا البلاد وسط الأزمة السياسية. وسعت وكالة الاستخبارات المركزية إلى توسيع عملياتها في اليمن واستنساخ تجربة الضربات الجوية، التي تستهدف "القاعدة" في باكستان، وهو ما استجاب له أوباما الذي رخص مؤخراً لاستهداف عناصر على أساس الاشتباه حتى في الوقت الذي تظل فيه هوياتهم محل جدل. وبحسب دورية "لونج وور" التي تتعقب الغارات الجوية في اليمن، فقد وصل عددها على مدار السنة الجارية 22 هجمة جوية، وهو عدد يفوق ما نفذته الطائرات الأميركية في السنوات العشر الأخيرة باليمن. _____________________________ *محلل سياسي أميركي المصدر : صحيفة الاتحاد الإماراتية ونشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»