تستدعي الحرب في صعدة النظرالى مجرياتها وفقا لعلم الحرب وقوانينها وذلك من اجل تحريرها من المصطلحات الدعائية والتهويلية التي تطلق اعتباطا خارج اليمن. ونبدأ من وصف هذه الحرب فهل هي حرب اهلية كما تردد بعض وكالات الانباء؟ الاجابة على هذا السؤال تقودنا الى تعريف "الحرب الأهلية" وفق مقياس علم الحرب الذي يقول ان" الحرب الاهلية هي حرب تقع بين أهل بلد واحد" خارج اطار الدولة او بعد تفكك الدولة وانهيارها. ولعل الحرب الاهلية الاسبانية في القرن الماضي هي المثال الاكثر تداولا فقد اندلعت بين الجمهوريين والملكيين بعد انهيار الدولة واشتركت فيها دول اوروبية عديدة و وانضم الى اطرافها متطوعون من مختلف بلاد العالم وكانت نموذجا مصغرا عن الحرب العالمية الثانية.
والمثال الثاني يتمثل بالحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 التي استمرت 15 عاما وشارك فيها اللبنانيون من مختلف الطوائف والمذاهب وانتهت عبر اتفاقية الطائف عام 1989 . والمثال الثالث هو حرب الصومال التي دمرت هذا البلد ومازالت تضربه حتى اللحظة. وهناك امثلة اخرى يضيق المجال للحديث المفصل عنها.
لا تنطبق على حرب صعدة مقاييس الحرب الاهلية المذكورة فهي تدور بين قوات الدولة الشرعية وبين فريق متمرد على الشرعية ودستورها وتنحصر الحرب في منطقة واحدة محددة جغرافيا في اليمن. وهي لا تدور بين اهل اليمن ذلك ان الجيش الذي يضم مجندين من كل انحاء البلاد يقاتل الحوثيين ليس انطلاقا من انتماء منتسبيه الاهلي وانما من اجل مكافحة الخارجين عن النظام والقانون المعتمد في البلاد. ولو كانت الحرب اهلية كما يشاع لما قاتل الجنود تحت راية الشرعية الوطنية وتحت راية الدولة ودفاعا عن المطالب الستة التي حددتها كسقف للقتال.
وفي السياق يمكن القول ايضا ان القتال الدائر في هذه المنطقة ليس حربا مذهبية او طائفية لان الحرب المذهبية والطائفية تكون بين طوائف ومذاهب متصارعة على امتداد مساحة الوطن في حين ان الحرب في صعدة تدور بين جيش وطني يضم كل المذاهب وبين فريق متمرد ينتمي اعضاؤه الى مذهب معين ويرفع مطالب مذهبية صريحة و يريد قلب الحكم بالقوة المسلحة في حين ترفض دعوته الغالبية الساحقة من ابناء هذا المذهب.
ويطلق البعض من مؤيدي التمرد تسمية " الحرب الدفاعية" على ما يدور في صعدة وهو الوصف الذي يستخدمه العصاة انفسهم.هذه التسمية تدخل في سياق الخداع الحربي الذي ينطوي على تكتيك شهير يقول بان "الهجوم هو خير وسيلة للدفاع". ذلك أن المتمردين كانوا يهاجمون مراكز السلطة بمختلف انواع الاسلحة بحجة الدفاع عن انفسهم.
ولو كانوا يدافعون عن منطقة اقامتهم في صعدة حصرا لما ارسلوا في الحرب السابقة مجموعات الى صنعاء ولما تمركزوا في بني حشيش ولما تمددوا الى حرف سفيان وعمران ولما اعترف احدهم في مقابلة تلفزيونية ان جماعته تعمل في كل اليمن وفي كل القبائل فكيف تكون حربها دفاعية عن " بيوتنا في صعدة " كما يقول وهي تسعى للقتال في كل انحاء اليمن.
ويطلق البعض على الحرب في صعدة تسمية "الحرب الاقليمية" وهي تسمية جرت على لسان بعض المحللين السياسيين للاشارة الى انها تخاض من اجل اهداف خارجية باعتبار ان "التمرد" يتلقى دعما من ايران وان ممثلين عن الدولة وقعوا "اتفاق الدوحة" مع الحوثيين ناهيك عن اندلاع الاشتباكات في منطقة محاذية لحدودالمملكة العربية السعودية.
ولا تقل هذه التسمية خطأ عمّا سبقها ذلك ان الدعم الايراني للمتمردين يقع في خانة التدخل في شؤون دولة ذات سيادة على أراضيها و"اتفاق الدوحة" هو تفاهم محدود من اجل حل مشكلة محددة تماما كما التفاهم اللبناني في العاصمة القطرية من اجل تشكيل حكومة توافقية واجراء انتخابات وبالتالي لا قيمة له في القانون الدولي باعتبار ان المتمردين ليسوا جماعة مستقلة تحظى باعتراف دولي يمنحها حق التفاوض وفق القواعد الدولية المعروفة .
لا ..ليس ما يدور في صعدة حربا اقليمية وان كان البعض يريدها كذلك لتوسيع نفوذه ولتحسين شروط مفاوضاته مع القوى الدولية بوصفه لاعبا اقليميا يحتفظ بموقع مؤثر في ارض العرب و في قضاياهم. ولعل المتمردين لا يجهرون بهذه التسمية كي لاتضعف حجتهم القائلة بانهم "يدافعون" عن انفسهم وليس عن اغراض ايران او غيرها في شبه الجزيرة العربية. وإذا كانت كل التسميات السابقة لا تنطبق على واقع الحال في صعدة فما هي اذن التسمية المناسبة؟ الجواب يستند هنا ايضا إلى علم الحرب الذي يتحدث في مثل هذه الحالات عن "الحرب المحدودة" التي تشنها دولة ما في منطقة ما من الاراضي الخاضعة لسيادتها وتستخدم فيها جزءا من قواتها من اجل فرض القانون والدستور على المنشقين او المتمردين على القوانين المرعية الاجراء.
وتنطبق على حرب صعدة كما كل الحروب القاعدة الشهير التي تقول "ان الحرب امتداد للسياسة بوسائل اخرى." فمن المعروف ان الدولة اليمنية لجأت الى الحرب بعد ان اخفقت خلال السنوات الماضية في اقناع المتمردين بالعدول عن التمسك بالتحصينات الامنية المسلحة التي اقاموها في الجبال وبان يقلعوا عن مشروعهم القاضي بإنشاء منطقة مدشمة سياسيا وعسكريا ومذهبيا والامتناع عن مناهضة الدستور والقانون.
وأن ينشئوا - إن أرادوا - حزبا سياسيا للعمل تحت سقف الشرعية كغيرهم من الجماعات السياسية اليمنية وان يخضعوا كغيرهم للحكم الدستوري وان يقولوا فيه ما يريدون بالطرق التي تعتمدها الاحزاب الشرعية.. بيد انهم رفضوا هذه الشروط وكان الرفض يؤذن بمواصلة التمرد المسلح وباختراق مديريات جديدة كانت بمنأى عن الحرب كما في عمران و حرف سفيان ناهيك عن خطف الاجانب الذي تم في منطقة نفوذهم.
موجز القول أن حرب صعدة هي حرب محدودة جغرافيا وتدور من اجل حمل فئة يمنية محدودة التمثيل على احترام الشرعية السائدة في البلاد. و يبدو ان لاخيار في هذه الحرب غير فرض احترام الدولة وكل خيار مخالف سيجذب بالضرورة فئات اخرى الى السير على خطى المتمردين وعلى رسمهم وفي هذه الحالة لا تبقى دولة ولا يبقى يمن ولا سلام واستقرار ولا من يسالمون او يستقرون. 26 سبتمبر