أثارت عملية التفجير التي استهدفت موكباً من أنصار ما بات يُعرف بالجماعة الحوثية أثناء توجههم للاحتفال بيوم الغدير في 24/11/2010 - وهي احتفالات تقام يوم ال19 من شهر ذي الحجة من كل عام ويحتفل بها أنصار المذهب الإثنى عشري وفرقة الزيدية الجارودية - وأودت بحياة أكثر من 17 فرداً وعشرات الجرحى، في محافظة الجوف اليمنية، عدداً من علامات الاستفهام حول هذه العملية ونوعيتها وتوقيتها والجهة التي تقف ورائها، وهل ستؤدي هذه العملية إلى إفشال الهدنة الهشة بين السلطة اليمنية وجماعة الحوثي؟ ، التي خاضت تمرداً مسلحاً ضد السلطة منذ 2004م وحتى اليوم. وبعد يومين من هذه العملية، نُفذت عملية انتحارية أخرى، بتاريخ 26/11/2010م ، في مديرية سحار محافظة صعدة، شمال اليمن والتي تُعد المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي ، مستهدفةً تجمعاً لأنصار الحوثي، سقط جراءها - بحسب مصادر الحوثيين – قتيل واحد وعدد من الجرحى، والغريب في الأمر أن هذه العملية تكاد تتطابق تماما مع العملية الأولى من حيث تقنية التفجير ونوع السيارة المستخدمة في التنفيذ والجهة المستهدفة. عدا عن ذلك كله، يبرز القاسم المشترك الأكبر بين العمليتين، وهو غياب هوية الفاعل، الذين لم يُعلن عنه حتى اللحظة، باستثناء الإعلان شبة الرسمي من قبل مكتب قائد الجماعة، والذي لا يخرج بحسب البعض، عن إطار الإستراتيجية المعنوية والدعائية المتبعة لهذه الجماعة، والمتمثل بإقحام الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ضمن قائمة أعدائها الرئيسين، وهو ما حاول البيان المرتبك لمكتب عبد الملك الحوثي قوله حين اتهم المخابرات الأمريكية والإسرائيلية بالوقوف وراء هذه العمليات. وبعكس ما أرادت الجماعة، فقد عبر البيان عن حالة من الارتباك في صفوفها، حيث بدا ارتباكها واضحاً، بتوجيه الاتهام لما وصفته الجماعة بالجهود الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية، التي بحسب البيان، " يحمل النمط والأسلوب الأمريكي الساعي إلى خلق مشاكل تحمل أبعاد مذهبية وطائفية كونه المستفيد الأول بكل الاعتبارات" وهذا على العكس تماماً من بعض تصريحات سابقة لمقربين من الجماعة، والتي تحدثت عن بصمات لما بات يُعرف بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وبرغم أنه لم يُعلن طرفٌ مسؤوليته عن تنفيذ أي من العمليتين حتى الآن، إلا أن ما لا جدال فيه أن للعمليتين أبعاداً وتداعيات، ربما قد نقترب من خلال هذا التحليل الأولي من بعضها، محاولين فهم ما حدث وتداعياته على المشهد اليمني المتأزم. ارتباك حوثي تصريحات أولية مرتبكة من قبل الجماعة ، التي سقط نجلا قائدها في الجوف عبد الله العزي عبدان، ضمن قتلى التفجير الانتحاري الأول ، والتي كانت ربما تستهدفه تحديداً، قالت فيها إن بصمات ما بات يُعرف بتنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية حاضرة في العملية، إلا أن مسؤول الجماعة وقائدها الشاب عبد الملك الحوثي، قال في بلاغ صحفي صادر عن مكتبه : " إنه من خلال المؤشرات المستفادة من خلال التحقيق فإن وراء هذا الحادث الإجرامي النشاط الإستخباراتي الأمريكي والإسرائيلي" ، وهذا التضارب يعكس حالة ارتباك في صفوف الجماعة التي لا شك تفاجأت بهذه العملية ونوعيتها الغير معهودة يمنياً. لكن مثل هذا الاتهام للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية ليس جديداً على جماعة الحوثي التي دأبت على رفع شعار "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل"، الذي يرى فيه المراقبون، أنه شعار استراتيجي دعائي للجماعة تستميل به المؤيدين والأنصار؛ وتدغدغ مشاعرهم وتعبؤهم في معركتها مع القوات الحكومية التي تصورها الجماعة وكأنها وكيلة للأمريكان والصهاينة لقتال الحوثيين. وعموماً، تضارب التصريحات وارتباكها في أوساط الجماعة - التي طالبت كل المعنيين في اليمن بإدانتها - يضيف مزيداً من الغموض حول دوافع هذه العملية ومن يقف خلفها، وهو ما دفع بالجماعة إلى تبني القيام بتحقيق مكثف حول هذه العمليات وخاصة عقب العملية الأولى ، قالت إنها ستعلن نتائجه لاحقاً. ولا يخفى على أحد، حالة الارتباك الحقيقية، التي تؤكدُ فعلاً مدى الغموض الذي يكتنف هذه العمليات، الأولى من نوعها على ساحة الصراع المفتوح على مصراعيه بين السلطة وخصومها من الحوثيين شمالاً والحراكيين جنوباً، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي ربُما قد تحمل هذه العملية بصماته، لكنه ليس بالضرورة أن يقف ورائها، وهو الذي لم يعلن مسؤوليته عنها بعد، فضلا عن سياسة الحياد التي تبناها التنظيم على مدى الجولات الست من الصراع بين هذه الجماعة والدولة اليمنية. وفي نفس السياق أيضا، لا يمكن توجيه الاتهام إلى الحكومة اليمنية، التي دانت العمليتين، بالوقوف وراءهما، وهو ما تجنب الجانب الحوثي مجرد التكهن فيه، فضلا عن أن الحكومة اليمنية نفسها لا يمكن أن تقدم على مثل هذه العمليات في مثل هذا الظرف الذي يتزامن مع استضافتها لبطولة خليجي عشرين المقامة في العاصمة الاقتصادية عدن. فضلا عن هذا، تنعدم أيضاً حكومياً، إمكانية التفكير بإشعال فتيل المواجهة مجدداً ، في ظل تجربة مريرة من الصراع مع هذه الجماعة التي عقدت معها أكثر من هدنة منهارة، أخرها هذه الهدنة الهشة التي قد لا تستمر طويلا في ظل الخروق المتكررة لها وخاصة من قبل الحوثيين، الذين يتحدث المراقبون عن خوضهم قتالا متقطعاً ومنظماً بين فترة وأخرى ضد قبائل كانت بعضها تقف في صف القوات الحكومة في جولات الحروب السابقة، وخاصة في جولتها السادسة.
اتهام القاعدة
توجيه أصابع الاتهام نحو القاعدة في تنفيذ هذه العملية التي ربما تحمل بصمات تقنية العمليات المفخخة التي يجيدها هذا التنظيم، ليس دليلا كافياً على تورط القاعدة ما لم تُعلن مسؤوليتها عن ذلك خلال الأيام القليلة القادمة، كما هو معتاد من قبل هذا التنظيم في إعلانه عن ما ينفذه من عمليات مسلحة. وبحسب بعض المراقبين، فإن الإشارة المبكرة لاحتمال تورط القاعدة في الأمر، يعززه التحول المفاجئ في الخطاب الأخير للقيادي البارز في التنظيم، الأمريكي من أصول يمنية أنور العولقي، الذي كان قد وجه جزءً كبيراً منه نحو إيران ومشروعها الطائفي في اليمن من خلال جماعة الحوثي المتمردة. صحيح أن هذا الخطاب الجديد قد يعطينا إشارة إلى إمكانية تورط القاعدة في هذه العمليات ولكن أيضا سيبقى هذا مجرد دليل ينقصه التأكيد من قبل القاعدة بوقوفها خلف هذه العمليات التي تُعد الأولى من نوعها بعد عملية استهداف جامع أحمد بن سلمان في مدينة صعدة بداية 2008م والتي أودت بحياة العشرات حينها ولم يكشف النقاب عن مرتكب تلك العملية حتى الآن. بيد أن غرابة هذه العمليات على الساحة اليمنية، ظهر جلياً في تضارب توجيه الاتهامات، قبليا ورسميا وحوثياً كذلك، وهو ما يعكس فعلا حالة إرباك لدى الجميع، حاولت بعض الجهات في المعارضة اليمنية المقربة من الحوثيين، أن تجليه فزادته غموضاً، بإيرادها لتفاصيل أخرى لما جرى، بقولها إن جهات ما لم تكشف عنها – وربما قصدت أجهزة مخابرات إقليمية لم تسمها - هي من يقف خلف هذه العمليات. وأكدت هذه المصادر، أن تلك الجهات عمدت خلال هذه الفترة إلى شراء عدد من السيارات بمواصفات خاصة لتنفذ بها مثل هذه التفجيرات، حيث يتم تزويد هذه السيارات بتقنية متطورة كتقنية التفجير عن بُعد من خلال تقنية الهاتف الخلوي، وهذا ما لا يستقيم مطلقاً، مع روايات المصادر الحوثية للطريقة التي نُفذت بها العمليتين، حيث تم اقتحام الموكبين من قبل سائقي السيارتين، وبتالي فجرا نفسيهما خلال العمليتين، وهو ما يناقض القول بتقنية التفجير عن بُعد تماماً.
بذور لصراع طائفي
عقب هاتين العمليتين، كثُر الحديث لدى البعض، عن بذور لصراع طائفي مذهبي ربما قد تفجره مثل هاتين العمليتين، مع أن التدقيق في مثل هذا الطرح يُظهر مقدار ما ينطوي عليه من مبالغة، لا يقرها الواقع بالنظر إلى خلفيات الصراع الدائر وحيثياته السياسية والتاريخية والثقافية، التي تشير وتؤكد على أن جذور الصراع القائم سياسية بامتياز، وإن تلبست بعد ذلك ما أُريد لها من لبوس ديني، مذهبي، وعرقي. وفضلا عن ذلك، يظل مثل هذا الطرح المبالغ فيه أمراً مستبعداً وغير منطقي في مجتمع عاش قروناً طويلة بعيداً عن هوس الصراع الطائفي، الذي لا ننكر وجود مبرراته الثقافية والأيدلوجية، التي كان قد تم الفراغ منها إلى حد ما فيما بعد قيام الثورة وعاودت بالظهور بعد خفوت بريق شعاراتها الكبيرة من خلال الممارسات السيئة للأنظمة الحاكمة والمتعاقبة منذ قيام الثورة وحتى اليوم، والتي لا شك يتحمل النظام الحالي جل المسؤولية في ذلك، لطول فترة بقاءه حاكماً، على مدى أزيد من ثلاثين عاماً. وهو ما يتفق حوله الكثير من المراقبين للشأن اليمني اليوم - في الداخل والخارج – بالقول إن جذور الأزمة الحالية القائمة شمالا وجنوباً في اليمن بين متمردي صعدة الحوثيين والسلطة وكذا بين حراكيي الجنوب والسلطة هو صراع سياسي لا طائفي، منشأه غياب وفشل قيام دولة يمنية حقيقية حتى اليوم، وهو ما تعبر عنه بوضوح حقيقة الأزمة السياسية بين السلطة الحاكمة وتكتل المعارضة اليمنية، أحزاباً، ومنظمات، ونخب اجتماعية وثقافية، ممثلا باللقاء المشترك المعارض. وبحسب المراقبين أيضا، فقد بات واضحا للجميع أن الصراع الدائر بين السلطة وجماعة الحوثي على مدى ست جولات من الصراع المسلح كان صراعاً سياسيا، لا طائفيا مذهبياً، كما تحب ودأبت جماعة الحوثي أن تصفه على مدى الست السنوات الماضية من اندلاع التمرد في 2004م وحتى اللحظة. ويقترب البعض كثيراً في توصيف هذا الصراع بدقة، بأنه صراع بين الزيدية الدينية الممثلة بما بات يُعرف بالهاشميين" آل البيت" الذين كانوا يتمتعون بامتيازات الإمامة الزيدية، والزيدية القبلية ممثلاً بقبيلة حاشد القحطانية اليمنية التي تمسك بزمام السلطة منذ تولي الرئيس على عبد الله صالح الرئاسة في يونيو 1978م وحتى اليوم، وكلا الطرفين ينتميان إلى المذهب الزيدي فكراً، والرقعة الجغرافية مكاناً، وبالتالي لا داعي للحديث عن صراع طائفي مذهبي.
فضلا عن ذلك كله، لا يخفى على المراقب أن جماعة الحوثي سعت وتسعي حتى اليوم لتصوير الصراع الدائر على أنه صراع مذهبي طائفي يستهدفها وهويتها المذهبية، في الوقت الذي تخوض فيه حرباً شرسة ضد قبائل تنتمي إلى نفس مربعها المذهبي الزيدي؛ لا لشيء سوى أن هذه القبائل، بحسب البعض، لم ترضخ لسلطة هذه الجماعة التي يرون فيها مجرد جماعة عنصرية تتخذ من مظلومية المعتقد المذهبي التاريخية ستاراً في السعي للسيطرة على السلطة والدولة. وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن ما تقوم به جماعة الحوثي من تمرد مسلح، هو تطبيق عملي يستمدُ رؤاه انطلاقا من تراثها المذهبي والفقهي وتصوره للمسألة السياسية من خلال نظرية الإمامة الدينية وحصرها فيما يسمى بالمذهب الزيدي ب"ولاية البطنين" وبالتالي فإن الحديث عن صراع طائفي في اليمن هو حديث للاستهلاك الإعلامي ليس إلا.