قبل 14 عاماً، ساد شعور بفرح عارم لدى اليمنيين بعد توقيع اتفاقية الحدود مع السعودية عام 2000. كان أمل هؤلاء الاستفادة من البند الذي يمنح العمالة اليمنية أفضليّة في الأسواق السعودية، بعدما كانت الرياض ودول خليجية أخرى قد رحّلت أكثر من مليون يمني على خلفية موقف صنعاء من الاجتياح العراقي للكويت عام 1990. موقف فُسّر على أنه مساند لنظام صدام حسين، فتَكرّس ملف المغتربين اليمنيين ورقةَ ضغط سياسية ومؤشراً على وضعية العلاقات مع الخليج. خلال فترات تحسّن العلاقات اليمنية- الخليجية، بلغ عدد المغتربين اليمنيين في دول الخليج أكثر من مليوني مغترب، 80% منهم يعملون في المملكة العربية السعودية التي ركّزت غالبية الاتفاقات معها، منذ العام 1931، على معاملة تفضيلية لرعايا البلديْن. غير أنّ الهزّات الطارئة والتطوّرات في الداخل السعودي غالباً ما كانت تعصف بأحلام الملايين من المغتربين اليمنيين.
كان عمار سعيد وعبدالله صالح (26 عاماً) من ضحايا موجة ترحيل سعودية جديدة للعمالة المخالفة التي بدأت مع مطلع العام الماضي. دفعت الحملة السعودية الأخيرة، حتى الآن، بأكثر من نصف مليون مغترب يمنيّ إلى دائرة البطالة. ولكن هذا الرقم إلى تزايد مع الشروع بتنفيذ إجراءات إضافية في سوق العمل السعودي، أحدها قرار حظر عمل الأجانب في الخياطة النسائية.
بالنسبة لعبدالله صالح، دفعته رسوم تجديد إقامته في الرياض، وفقاً لتعديلات قانون العمل السعودي، إلى الرحيل. "لم يكن راتبي يتجاوز ال2000 ريال سعودي (530 دولار). علماً أن رسوم تجديد "الفيزة" تبلغ 8000 ريال (2133 دولار). لهذا السبب، قررت العودة بعد 7 سنوات من الاغتراب".
يصنّف مراقبون يمنيون هذه الإجراءات استهدافاً مباشراً للعمالة اليمنية لأن غالبية المغتربين اليمنيين يعملون في أوضاع مخالفة، من خلال الاستفادة من الميزات التفضلية "المتذبذبة" وازدهار التهريب عبر الحدود الطويلة مع السعودية.
وفي عداد الإجراءات السعودية التي يعتقد اليمنيون أنها تعسفية بحقّهم "منع العامل الأجنبي من العمل عند شخص آخر غير كفيله السعودي أو إنشاء مشروع خاص" مما يعني أن نصف عدد المغتربين اليمنيين يجدر بهم المغادرة فوراً. وهي مقاربة سياسية على غرار تلك التي رافقت موجة الترحيل الكبير عام 1990 التي قلبت مسار البلاد رأساً على عقب.
يقول الدكتور صادق القاضي لرصيف22، وهو باحث متخصص في الاقتصاد السياسي، إن الهجرة العكسية الكبرى للمغتربين اليمنيين من السعودية عام 1990، أدّت إلى أزمة اقتصادية مستفحلة إذ صاحب ذلك انخفاض حادّ لقيمة العملة وارتفاع كبير للأسعار بلغ ما يقارب 70 ضعفاً خلال 22 عاماً، فيما واصلت البطالة تصاعدها من 11.9 % عام 2000 إلى 35 % عام 2008.
يشبّه الدكتور القاضي الأمر "بنضوب النفط أو فرض حظر على تصديره. ومع كل ما يُمكن أن يُقال حول دور النفط اليمني، فإن تحويلات ومدخرات المغتربين في الخارج لا تقل عنه أهمية وتشكّل أحد أهم روافد الاقتصاد ودعم موازنة الدولة التي حوّلت عائدات المغتربين عجزها، عام 1973، إلى فائض تجاوز 280 مليون دولار عام 1975".
أما إذا ضمّت الإحصاءات الحالية تحويلات المغتربين غير الشرعيين في الخليج، تكون القيمة ضعفَي التحويلات السنوية المُعلنة البالغة نحو 3 مليارات دولار، في شقهّا النقدي فقط.
وفي دراسة لوزارة العمل السعودية حصل رصيف 22 على نسخة منها، يبلغ عدد اليمنيين المقيمين في المملكة العربية السعودية بصورة شرعية 1.200.000 مغترب. وهو عدد يزيد من مخاوف السلطات اليمنية كلما دققت في العدد غير المرئي من مغتربيها المشمولين بقرار الترحيل.
لم يمضِ وقت طويل منذ أن أطلّت المملكة العربية السعودية راعيةً رئيسةً للعملية السياسية في اليمن بفضل المبادرة الخليجية المعلنة في نوفمبر 2011، حتى انقلبت المواقف والتحالفات تأثّراً بتداعيات المشهد الداخلي وامتداداته الخارجية التي يعتقد المراقبون أن المغتربين اليمنيين يدفعون ثمنه مجدداً.
يقول المحلل السياسي غمدان أبو أصبع "التوسع الحوثي المدعوم من إيران وتماهي إسلاميي اليمن مع الإخوان في مصر وتغلغل النفوذ القطري- التركي، قد تكون عوامل كافية لامتعاض السعودية من السلطات اليمنية".
لكن هذا القول الذي يوافق عليه الشارع اليمني بالإجمال ليس سوى فرضية تنتقدها السلطات السعودية واليمنية على السواء. يؤكّد وكيل وزارة شؤون المغتربين لقطاع الجاليات، عبد القادر عايض "كل دولة لها الحق في تصحيح أوضاعها. وكما حدث الضرر للمغتربين اليمنيين، هناك أيضاًفائدة عادت إليهم من خلال فرض حقهم في العمل والزام كفلائهم بتوفيره".
وفقاً لمعلومات عايض، إن عدد العائدين اليمنيين من المملكة العربية السعودية خلال حملة التصحيح المستمرة حتى الآن، بلغ 500 ألف. غير أن الذين عادوا بسبب التعديلات القانونية الجديدة قد يراوح عددهم بين 20 إلى 25 ألف.
ستؤدي عودة هذا العدد من المغتربين اليمنيين إلى تفاقم الضغوط التمويلية على الحكومة الانتقالية المنقسمة. ويبقى الخاسر، بحسب المراقبين، أمن المنطقة برمّتها لا الحوثيين أو إيران أو الإخوان المسلمين.