لم نعش مرحلة من التناقضات السياسية كالتي نمر بها اليوم ، فالسياسيون يتبارون لصب المزيد من الزيت على نار الأزمة القائمة بسبب الانتخابات التشريعية المقرر أن تشهدها البلاد بعد نحو أربعة أشهر ، وهي فترة ضيقة بمقاييس العمل الانتخابي ، لكنها بمقاييس العمل الحزبي تبدو الأشهر الأربعة كافية ، خاصة وأن هناك استعدادات من قبل البعض منذ مدة لخوض هذه الانتخابات ، وأعني بذلك حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم الذي يبدو أنه مصمم هذه المرة على السير في هذه الانتخابات بصرف النظر ما إذا كانت ستعقد صفقة مع معارضيه ومنافسيه في منتصف الطريق أم لا . سيكون مجلس النواب القادم بلون واحد ، حتى وإن شاركت فيه قوى سياسية محسوبة على المعارضة ، إلا أن الجميع صار يدرك أن المعارضة ذات الوزن الثقيل هي تلك المنضوية في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك ، ومن بينها ثلاثة أحزاب فاعلة ، إثنان منهما كانا في قلب المعادلة السياسية السابقة، وأعني بذلك الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح ، أما الثالث ، وهو التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، فإن حضوره قائماً منذ سنوات عندما كان شريكاه في السلطة والمعارضة ، هذا اللون الوحيد للبرلمان لن يساعد البلد على تجاوز أزماتها الداخلية ، لهذا لابد أن تحضر الحكمة من جديد ، لأن ما يحصل اليوم من تنافر بين الأحزاب السياسية يؤثر على استقرار البلد ، خاصة وأن هناك العديد من التحديات لابد من تجاوزها . نخشى أن نبكي بعد سنوات على «اللبن المسكوب» ، بعد أن نكون قد وصلنا بالبلد إلى مرحلة اللاعودة ، خاصة في ظل الانقسامات الحادة بين فرقاء الحياة السياسية التي لاحظناها جلية في مجلس النواب وفي التحركات المختلفة للقوى السياسية من السلطة والمعارضة من أجل تقريب وجهات النظر حيال أزمة تطحن البلد اليوم وستطحنها أكثر في المستقبل هناك من يراهن على العامل الخارجي كوسيلة ضغط من أجل إنهاء الأزمة القائمة بين الأحزاب السياسية المختلفة، لكن يجب الرهان على عامل الحكمة لدى اليمنيين التي يجب أن تحضر في الأزمات الكبيرة ، والجميع لا يزال لديه أمل بأن يتمكن السياسيون من استحضار الحكمة التي غابت عنهم خلال السنوات الأخيرة ، حيث بدأ البعض يعول على الغالبية البرلمانية لتمرير المشاريع السياسية المختلفة ، مع أن الغالبية البرلمانية لا تعبر عن حقيقة الأوضاع التي تمر بها البلد، والتي اعتادت منذ زمن بعيد على مبدأ التوافق السياسي والاجتماعي، والذي بدأنا نفتقده منذ مدة . بعامل الحكمة التي تنقص السياسيين اليوم نستطيع أن نراهن على مستقبل أفضل لليمن ، فالذهاب إلى الانتخابات منفردين يجردنا من أهم سلاح نمتلكه وهو التسامح والتوافق ، وهو مبدأ لا يجب أن نتركه في هذه الفترة العصيبة من تاريخ دولتنا ، فإن تركناه سنجد أنفسنا في متاهات لا يعلم إلا الله وحده إلى أين ستودي بنا .